الاجتماع الثالث للحوار الليبي الشامل بالجزائر
لقاء الفرصة الأخيرة

- 782

دخل قادة ورؤساء الأحزاب السياسية والنشطاء الليبيون أمس، في اجتماع مغلق يدوم يومين وذلك في إطار الحوار الليبي الشامل أو "لقاء الفرصة الأخيرة" الذي يضع الأشقاء في ليبيا أمام اختبار حقيقي لمواجهة التحديات الخطيرة، وذلك تحت إشراف ممثل الأمم المتحدة وبحضور السيد مساهل، وممثلي الوساطة الدولية، وجددت الجزائر دعوتها للفرقاء الليبيين إلى تقديم تنازلات واعتماد لغة الحوار والتوافق والتخلي عن الصراعات الهدّامة التي قد تنسف بمكونات الدولة، وبوحدة وسيادة المجتمع الليبي.
وأكد وزير للشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، السيد عبد القادر مساهل، خلال افتتاح الاجتماع الثالث للحوار الليبي، تحت رئاسة المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون، على أن قيام حكومة وطنية توافقية في ليبيا يتطلب مشاركة جميع الليبيين والقيام بتنازلات، وأن الحل المنشود من خلال جهود الممثل الأممي والمعتمد على أساس قيام حكومة وطنية توافقية، يتطلب من جميع الأخوة الليبيين المساهمة في تحقيق شروطه.
وأضاف مساهل، أنه مهما كان في تقدير أي طرف أن دعم هذا الحل تترتب عنه تنازلات، فإن التنازل للوطن أمر ليس بالغريب على الليبيين الذين رسموا للتاريخ أبدع صور التضحية، والجزائر -يقول مساهل - لا يراودها أدنى شك في أن الإخوة الليبيين على مختلف مشاربهم لديهم من الحكمة والرصانة والشجاعة ما يؤهلهم لأن يكونوا في مستوى المسؤولية التي تتطلبها المرحلة الدقيقة التي تعرفها ليبيا.
وفي هذا الإطار لفت السيد مساهل، إلى أن الجزائر تتطلع لأن تحقق ليبيا عافيتها لكي تعمل معها اليد في اليد لرفع التحديات التي يواجهها هذا البلد الشقيق، مجددا موقف الجزائر الثابت والرامي إلى مساعدة كل الأشقاء الليبيين على مختلف توجهاتهم من أجل حوار جامع لا يقصي طرفا إلا من صنّفته اللوائح الأممية في قوائم الإرهاب، وعيا منها بأن أمن ليبيا من أمن الجزائر، بل من أمن كل جيرانها ومنطقة الساحل برمتها.
واستطرد الوزير قائلا بأن هذا الحوار يعتمد على إرادة الليبيين وحدهم دون تدخل خارجي، ويمكّن من إقامة حكومة وطنية توافقية تتولى إدارة الشأن العام، وتعمل على تحقيق الاستقرار في كافة ربوع ليبيا، وتجنب البلاد مخاطر التقسيم، معتبرا في السياق أن تعاظم التهديدات الإرهابية وتمدد رقعة العنف إلى ربوع واسعة من العالم، باتت مسألة تشغل المجموعة الدولية ككل، مضيفا أن استجابة أبناء ليبيا لدعوة الحوار تترجم وعيهم بخطورة التهديد الذي يحيط بوطنهم ويعبّر عن عزمهم الراسخ عن صونه وحمايته.
وباتت الجزائر مقتنعة –يقول مساهل- أنه برغم تعقيدات الوضع الليبي فالحل السلمي هو الأوحد، لا غيره، الكفيل بأن يحفظ لليبيا الشقيقة وحدتها وسلامتها الترابية و سيادتها الوطنية وانسجامها الاجتماعي، بل لتكون على الدرب القويم لبناء الدولة العصرية القادرة على حماية مقدرات الشعب الليبي، والتصدي بصورة فعّالة لتهديد الإرهاب ومقاصده الدموية التخريبية، معتبرا أنه من واجب المجموعة الدولية أن تسعى بكل تصميم من أجل تحقيق هدف موحد وهو مرافقة الإخوة الليبيين ومساعدتهم على العبور بليبيا إلى شاطئ الأمان والسلام خدمة لأمن المنطقة والسلم الدولي.
من جانبه شرّح المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون، الوضع الليبي من جميع النواحي، راسما صورة واضحة ودقيقة عما قد تؤول إليه ليبيا ما لم يتوصل فرقاؤها إلى حل توافقي يرضي جميع الأطراف، وينقذ ليبيا من خطر الانهيار الكلي، مشيرا إلى أن الوضع المالي لن يكون قادرا على ضمان سير الإدارة في ليبيا وفي كل مدنها ومناطقها، كما أن إنتاج النفط لن يكون بمقدوره سد عجز الميزانية في الوقت الذي تحتاج فيه ليبيا إلى الإبقاء على ميزانيتها.
وعلى صعيد سياسي، فإن الوضع –يقول ليون- استمر على ما كان عليه خاصة بالنسبة لمؤسسات الدولة والحكومات التي لم تحرز أي تقدم ولم تتوصل لاتفاق في الوقت الذي انتشر فيه خطر (داعش) بشكل كبير ومخيف .. وعليه فإن الأطراف المعنية بمسار الحوار مطالبة بتقديم تنازلات، داعيا الأطراف الليبية إلى توحيد رؤاها بخصوص الاتفاق حول الدور الذي تؤديه مليشيات "فجر ليبيا" التي تحارب خطر (داعش) وبالتالي لا يمكن وصفها بتنظيم إرهابي على اعتبار أنها تتقاسم آراء المواطنين وبإمكانها الالتحاق بالجهود الرامية لتوحيد ليبيا.
وعجل المسؤول الأممي، المجتمعين في لقاء الجزائر بالخروج باتفاق شامل يؤسس لوحدة ليبيا من خلال حكومة توافقية، وهي الرسالة الحقيقية التي يجب أن يخرج بها الاجتماع الذي ستكون اقتراحاته بمثابة الوثيقة النهائية التي سيتم تبنّيها في أقرب الآجال أو –كما قال-قبل أن تنهار ليبيا، فالوقت حاسم وهو ليس للدبلوماسية بل للاتفاق السياسي.
ممثل الأطراف الليبية المجتمعة السيد أبو عجيلة سيف النصر، أكد نيابة عن الأطراف المجتمعة خطورة الوضع، معبّرا عن موقف الشارع الليبي الداعم للحوار، وحذّر المسؤول في نفس الوقت من خطورة الإرهاب، محمّلا جميع الأطراف المسؤولية، داعيا إيّاهم إلى وتقديم تنازلات لوقف الاقتتال والخروج بحكومة وحدة وطنية.
وتجري أشغال الاجتماع الثالث للحوار الليبي بالجزائر، في شكل لقاءات ثنائية قبل الاجتماع في جلسة عامة للمناقشة، وسيتم التطرق إلى الوضع الراهن وكيفية تحسين المقترحات وتعديل المسودة وإثرائها، ومعالجة جميع الانشغالات حتى تكون الوثيقة مقبولة لدى جميع الأطراف، إلى جانب دعم الاتفاق الوطني والخروج بحكومة وحدة في أقرب الآجال. للعلم عرف الاجتماع مشاركة 35 طرفا ومسؤولا ليبيا، حيث انضمت للاجتماع شخصيات ليبية مؤثرة في الميدان من شأنها المساهمة في إنجاح هذه الجولة وفض النزاع الليبي نهائيا، وهو ما عبّرت عنه وأجمعت عليه الأطراف الحاضرة.
المشاركون يأملون في التوصل إلى إجماع حول اتفاق نهائي
أعرب المشاركون في الاجتماع الثالث للحوار الليبي الشامل، عن أملهم في التوصل إلى إجماع بهدف التوقيع على اتفاق نهائي. وفي تصريح لـ "وأج" على هامش الاجتماع، أكد رئيس الحزب الليبي من أجل العدالة والبناء محمد صوان، أن "الإعلان عن الاتفاق النهائي سيتم في الأيام المقبلة في حال تمكن المشاركون من التوصل إلى اتفاق حول عدد من النقاط محل خلاف بينهم، لا سيما ما تعلّق بصلاحيات المجلس الأعلى للدولة الذي يمثل فجر ليبيا".
في هذا الصدد، أكد ذات المسؤول أن "الإجماع يتضمن بالضرورة منح المزيد من الصلاحيات للمجلس الأعلى للدولة، الذي يُعتبر بمثابة هيئة استشارية وليس طرفا مشاركا في مسار السلام"، ولهذا الغرض "تم رفض مشروع الاتفاق من قبل فجر ليبيا، الذي يُعد ائتلافا يضم المليشيات الليبية"، على حد قوله. وأوضح السيد صوان أنه من المقرر خلال هذا اللقاء الذي يدوم يومين، "إجراء بعض التصحيحات على مشروع الاتفاق التمهيدي بشكل يستجيب لتطلعات المؤتمر الوطني العام"، مضيفا: "نبقى متفائلين بنجاح هذا اللقاء الذي نأمل أن يكون الأخير".
من جهتها، أشادت السيدة فاطمة الزهر لانغي ناشطة سياسية مستقلة، بالدور الذي تلعبه الجزائر في تسوية الأزمة في ليبيا، مؤكدة على أهمية "العمل على المستوى الإقليمي؛ بهدف التوصل إلى إجماع مع توفر ضمانات دولية واضحة"، مضيفة: "لدينا أمل في الخروج من الأزمة في إطار لقاء الجزائر، وليس أمامنا سوى هذا الخيار"، حسب قولها.
وأضافت تقول إن "ليبيا تواجه التهديد الإرهابي الذي يجب مكافحته بالتنسيق مع دول الجوار، وعلى رأسها الجزائر، وكذا مع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية". من جانبه، أكد السيد محمد علي عبد الله رئيس الجبهة الوطنية، أن الأمر المهم الآن هو "تشكيل حكومة وطنية قادرة على إعادة السلم والحفاظ على السيادة الوطنية ومواجهة الإرهاب الذي انتشر في مختلف ربوع البلاد".
وأضاف أن هذا التهديد المتمثل في تقدم الجماعة التي تطلق على نفسها اسم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يُعد نتيجة "الفراغ السياسي والأمني الذي ميّز فترة ما بعد ثورة 17 فبراير"، مضيفا أن "داعش يجب أن توحّد كل الليبيين"، معربا عن ارتياحه في ذات السياق، لمشاركته في لقاء الجزائر، الذي وصفه بـ "الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق ينبغي أن يعكس تطلعات مجموع الليبيين".
أما رئيس حزب التغيير قومة القماطي، فقد نوّه بجهود الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبلدان التي تدعّم الحل السياسي في ليبيا، وكذا بجهود الجزائر "الحثيثة"؛ من خلال الجولات الثلاثة التي احتضنتها، والتي تُعد "الأهم من بين الجميع".