أزمة الملف النووي الإيراني

اتفاق تاريخي يضع حدا لـ12 سنة من التهديدات

اتفاق تاريخي يضع حدا لـ12 سنة من التهديدات
  • 1000
م. مرشدي م. مرشدي
تمكنت أخيرا مجموعة الستة وإيران من التوقيع أمس، على اتفاق تاريخي أنهى 12 سنة من الشحناء السياسية والصراع الدبلوماسي والتهديد والوعيد الغربي تجاه إيران لردعها عن مواصلة مشروعها النووي. ومباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق بعد مفاوضات الخط الأخير التي توجت مسار مفاوضات استغرق 22 شهرا، سارع كل طرف ليؤكد أنه خرج منتصرا من هذه المعركة الدبلوماسية التي انتهت بوضع حد للجدل الذي أحاط بملف البرنامج النووي الإيراني. واكتسى اتفاق فيينا أهمية خاصة كونه حسم أزمة شكلت طيلة عقد كامل أهم القضايا الساخنة في العالم، وكادت في كثير من الأوقات أن تتحول الى حرب مفتوحة وسط تهديدات إسرائيلية وأمريكية بضرب المفاعلات النووية الإيرانية إن أصرت طهران على موقفها الرافض لوقف أبحاثها النووية.
وهو ما جعل التوقيع على الاتفاق بمثابة إكبر انفراج لأعقد أزمة عرفها عالم الألفية الثالثة، كونه أعطى ضمانات للمجموعة الدولية أن إيران لن تتمكن من تصنيع القنبلة الذرية التي كانت تخشاها القوى الغربية وإسرائيل رغم تأكيدات طهران أن برنامجها سلمي ويخضع لبنود معاهدة منع الانتشار النووي.
وإذا كانت إيران قدمت تنازلات كبيرة من أجل تسوية هذا الملف الذي وضعها في قائمة دول "محور الشر" فإن ذلك سيفتح الباب أمامها من جديد للعودة إلى الساحة الدولية برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ 2006، وإعادة الدفء الى علاقاتها مع الدول الغربية. يذكر أن الاتفاق جاء تتويجا لمفاوضات مضنية قادها وزيرا خارجية إيران، محمد جواد ظريف ونظيره الأمريكي جون كيري، اللذان ثابرا منذ عدة أشهر على حضور جلسات أعقد مفاوضات بين الجانبين منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما سنة 1980.
ولكنه كان أيضا ثمرة لوصول الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى سدة الحكم في طهران سنة 2013، حيث تعهد منذ استلامه مهامه بوضع حد لأزمة الملف النووي لبلاده ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بما يضمن لها مصالحها الإستراتيجية ويمكنها من العودة إلى واجهة الساحة الدولية كقوة إقليمية لها كلمتها في كثير من القضايا المطروحة في منطقة تشهد غليانا عسكريا وسياسيا وأمنيا متشابكة خيطوها حد التعقيد. وهو من جهة أخرى نتيجة منطقية لقناعة الولايات المتحدة باستحالة مواصلة فرض العقوبات التي لم "تركّع" إيران، وتجعلها تخضع لشروطها وشروط الدول الغربية الأخرى.
قابلتها قناعة إيرانية باستحالة الاستمرار في سياسة المواجهة مع قوى كبرى تتحكم في دواليب الاقتصادي العالمي، والسياسة الدولية ومجاراتها يعني جهدا وأموالا طائلة ستنفق دون فائدة. ويعد هذا الاتفاق انتصارا للولايات المتحدة إذا سلّمنا بتصريحات جون كيري، وزير الخارجية الامريكي الذي أكد أن إيران كانت على بعد سنة من إنتاج أول قنبلة ذرية وجاء الاتفاق ليوقف الخطة في منتصف الطريق.
ولكن هذا الانتصار الدبلوماسي الذي حققته إدارة الرئيس باراك اوباما، أياما بعد تطبيع العلاقات مع كوبا، يبقى معلّقا إلى حين حصوله على ثقة نواب غرفتي الكونغرس الامريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون الذين أبدوا تحفظاتهم من اتفاق أكدوا أنه سيبعث السباق نحو السلاح النووي في الشرق الأوسط، وهو ما جعل الرئيس باراك اوباما يحذّر من كل "تصويت لا مسؤول" في إشارة إلى تصريحات رئيس كتلة الجمهوريين الذي قال إن الاتفاق "من الصعب تسويقه على النواب".

أهم بنود الاتفاق الإيراني ـ الدولي

تضمن الاتفاق الإيراني ـ الغربي نفس الخطوط العريضة لما تم التوصل إليه في مفاوضات لوزان السويسرية شهر أفريل الماضي، حيث تعهدت إيران بتقليص عدد محطات الطرد المركزي ومخزونها من مادة اليورانيوم المخصب بمعدل الثلثين لعدة سنوات، وفتح مفاعلاتها لعمليات تفتيش دولية بما فيها العسكرية. وشكّل هذا النوع من المفاعلات أهم نقطة خلاف بين الدول الستة وإيران بعد أن رفض المفاوضون الإيرانيون كل فكرة لدخولها بقناعة أنها "خط أحمر"، ولكنها في الأخير قبلت بحل وسط بشأنها.
وتضمن الاتفاق أن إيران ستستفيد تدريجيا من رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ سنة 2006، من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو ما أنهك الاقتصاد الإيراني وشل حركيته وجعله يتراجع الى حد الاختناق. وينتظر أن يشرع في رفع أولى هذه العقوبات بداية جانفي من العام القادم، في حال احترمت إيران تعهداتها وفي حال خرقتها فإنها ستفرض عليها مجددا لمدة 15 سنة. كما تضمن الاتفاق أيضا منع إبرام صفقات للأسلحة مع إيران طيلة الخمس سنوات القادمة، الا في حال حصولها على ترخيص استثنائي بذلك من طرف الامم المتحدة.
كما قبلت إيران أيضا لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القيام بعمليات تفتيش محدودة لبعض مفاعلاتها النووية العسكرية. وبفضل هذا الاتفاق ستتمكن إيران من بيع حصتها من النفط والغاز الطبيعي أهم موردين للعملة الصعبة وهو ما سيضخ دما جديدا في دواليب الاقتصاد الإيراني،  الذي تأثر كثيرا بسبب الحصار المفروض على هذه الدولة منذ ثماني سنوات.

ترحيب دولي واسع بالاتفاق بين إيران والدول الغربية

سارت كل المواقف الدولية بخصوص الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني على طريق الترحيب العام، بقناعة أنه سيؤدي الى نزع فتيل أزمة دولية كادت في العديد من المرات أن تتحول الى نزاع دولي مسلح. ولم تخرج عن هذا الشعور العام سوى إسرائيل التي شكلت الصوت النشاز وسط مجموعة دولية اتفقت هذه المرة على أن الاتفاق خطوة لإنهاء أعقد نزاع عمّر طيلة 12 سنة.  
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، أول المرحبين بالتوقيع على الاتفاق وقال في خطاب نقله التلفزيون الحكومي، إن بلاده لم تكن تنوي أبدا امتلاك قنبلة ذرية. وأضاف بلغة المنتشي بهذا  الاتفاق أن بلاده حققت كل ما كانت تريده من هذه المفاوضات، وأن الله استجاب لدعاء الأمة الإيرانية بالتوصل الى هذا الاتفاق الذي سيكون نقطة انطلاق لإقامة علاقات مبينة على الثقة مع الدول الغربية.
 يذكر أن الرئيس الإيراني تعهد منذ توليه مقاليد السلطة في طهران سنة 2013، بالعمل من أجل رفع العقوبات المفروضة على بلاده.  أما نظيره الامريكي باراك اوباما، فقد اعتبر في أول رد فعل له أن الاتفاق سيسمح بفتح عهد جديد في العلاقات بين بلاده وإيران المقطوعة منذ 1980. وقال الرئيس الامريكي في خطاب نقله التلفزيون الإيراني لأول مرة منذ سنة 1980، أن الاتفاق يعطي فرصة في الاتجاه الجيد مبديا استعداده رفع هذه العقوبات المفروضة عن إيران التي ستتحول إلى حليف بعد أن كانت دولة "مارقة" من دول" محور الشر".
ولم يخف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو الآخر فرحته بهذا الانجاز الدبلوماسي وقال إن العالم بإمكانه أن يتنفس الصعداء بعد التوقيع على اتفاق فيينا، الذي كان تتويجا لعدة سنوات من المفاوضات العسيرة. وقال إنه يأمل في تسارع دول مجموعة الخمسة زائد واحد في تجسيد بنود هذا الاتفاق الذي سيعطي دفعا قويا للعلاقات بين موسكو وطهران.
وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إن الاتفاق هام جدا وجاء ليؤكد أن العالم يتقدم. أما الأمين العام الاممي بان كي مون، فقد رحب بما وصفه بـ”الاتفاق التاريخي" الذي سيساهم بشكل كبير في إحلال السلم والاستقرار في كل منطقة الشرق الأوسط وكل العالم. ومن جهتها أكدت مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فديريكا موغريني، أن الاتفاق سيضع حدا لـ12 سنة من التوتر بين طهران والقوى الغربية على خلفية البرنامج النووي الإيراني.
ورحب وزير الخارجية البريطاني فليب هاموند، بما وصفه بالاتفاق التاريخي الذي ستكون له انعكاسات ايجابية على صيرورة علاقات إيران مع جيرانها ومع كل المجموعة الدولية. أما يوكيا امانو، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أكد أن لوكالته كل الإمكانيات لمراقبة والسهر على تجسيد الاتفاق. أما الرئيس السوري فقد وصفه في رسالة إلى مرشد الجمهورية الإيرانية، بأنه أكبر تحول في تاريخ إيران في المنطقة وكل العالم لأنه شكّل اعترافا دوليا على سلمية البرنامج النووي الإيراني.
واعتبرت الإمارات العربية المتحدة، أن الاتفاق النووي سيفتح صفحة جديدة في العلاقات بين دول منطقة الخليج. وقال مسؤول إماراتي لم يكشف عن هويته أن إيران يمكن أن يكون لها دور فعّال في المنطقة شريطة إعادة النظر في سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لدول مثلث العراق وسوريا ولبنان واليمن.