مربي النحل محمد حميل:

النحل معجزة إلهية لا يفقهها إلا من اقترب منها

النحل معجزة إلهية لا يفقهها إلا من اقترب منها
  • 1889

يتحدث السيد محمد حميل مربي النحل من ولاية الجزائر، عن كيف استمالته حرفة تربية النحل لتغيير مساره المهني قبل عشرين سنة مضت، بدأه كموظف في المحروقات بعد تكوين في رومانيا، ثم عمل في الإدارة لحسابه الخاص، لينتقل صدفة إلى تربية النحل، ويوضح أنه لو عاد به الزمن إلى الوراء لاختار هذه الحرفة التي يقول إنه دخل إليها متأخرا نوعا ما.

التقت “المساء” العم محمد في معرض العسل الذي احتضنته ساحة البريد المركزي بالعاصمة، وهو عضو جمعية “مربي النحل لولاية الجزائر”، مضى له في تربية النحل 20 سنة، يقول عن حرفته بأنها علمته الصبر والتحكم في الذات، بل كان لها الفضل في أن يتعرف على ربوع الوطن، لأن النحّال يبقى في بحث متواصل عن مراعي النحل، مما يسمح له بالتنقل من جهة لأخرى”.

بدأ السيد محمد تجربته في تربية النحل في التسعينات بعد مسار مهني في مجال المحروقات، واعتمد على نفسه في التثقيف في كل ما يتعلق بتربية النحل، حيث يقول: “توجهت إلى تربية النحل بعد تأثري بجيران لي باسطاوالي كانوا يملكون صناديق بمزرعتهم لتربية النحل، فقررت خوض غمار التجربة، خاصة أنني مستقل بمشتلة خاصة في نفس المنطقة”.

بدأ المربي بصندوقين اثنين بمشتلته، ثم بدأ يطور حرفته تدريجيا بأن اطلع على الكثير من الكتب الموثقة في مجال حرفته،”رفعت لتحدي لعمل الحر بعد أن عملت سنوات في مجال المحروقات، ثم الإدارة، قرأت الكثير من الكتب عن كل ما له صلة بتربية النحل، وعن النحلة ذاتها وتقنيات تربيتها وسلوك الخلية، مع عمليات قيادة الخلية لإيجاد مردود إيجابي، حسب المواسم.. وغيرها من المعلومات”، مواصلا: “لما توفرت أمامي المعلومات اللازمة لبدء التجربة، لم أتردد، بل قررت خوضها، وأؤكد أنني لم أندم أبدا في تغيير مساري المهني، بل ندمت على أنني لم أدخل مجال تربية النحل قبل ذلك بكثير، كما أنني لم أبق  نفسي محصورا في مجال واحد، بل سعيت إلى تطوير نفسي من خلال كسب إمكانيات سمحت لي بالابتعاد عن مشتلتي والتوسع أكثر”.

وبالرغم من مشقة البحث عن أفضل المراعي التي توفر أنواعا جيدة من العسل، إلا أن الحرفي يعترف بوجود الكثير من العراقيل والمشاكل التي تثقل كاهل النحّال في زمن أصبح الكثيرون يشكون  جودة العسل، حتى مع التأكيد المستمر بأنه طبيعي من طرف النحّال نفسه، “هنا لا ألوم المستهلك الذي كثيرا ما يكون ضحية عملية خداع بعسل مغشوش، لكن ألقي اللوم على مربي النحل الذين عليهم الاتحاد ضمن جمعيات وتعاونيات بكل ولاية وتنظيم المعارض للاقتراب من المستهلك أينما كان لتعزيز ثقته في المربين الذين يسوقون منتوجهم من العسل الطبيعي”.

من المصاعب التي يتحدث عنها السيد محمد، أن تربية النحل حرفة مميزة تحتاج للصبر الطويل، فالنحّال يحتاج إلى إيجاد مراع سليمة ونقية لنصب الصناديق والحصول على عسل طبيعي ذي جودة، إلا أن تعرض الصناديق للسرقة كثيرا ما يقوض جهد النحالين ويسبب لهم خسائر كبيرة، مما يجعل المربي يرضى بالمردود كيفما كان، هذا العامل هو الذي يؤثر بشكل كبير على أسعار العسل الطبيعي، هذه الأخيرة التي لا ينفي المربي ولا غيره من المربين ممن تحدثوا إلينا، أنها مرتفعة بسبب التغير المناخي الذي أثر بشكل كبير على المردود، بالتالي على السعر.

وأضاف المربي محمد: “الإشراف على النحل مكلف جدا، يتطلب العمل الدؤوب والشاق، والتنقل من مكان لآخر، للبحث عن أنواع الغطاء النباتي بغية الحصول على أنواع العسل الجيدة، لذلك تحتاج هذه المهنة للصبر والدراية الكافية بالمواقع، وإمكانية التنقل والمعرفة التامة بأسرار المهنة، ومن تتوفر فيه هذه الصفات يجني أنواع العسل الصافي الذي يعد غذاء ودواء”، يقول المتحدث مشيرا إلى أن انتشار حوالي 17 نوعا من العسل الطبيعي في الجزائر، لكن أشهرها عسل الكاليتوس الذي ينصح به لأمراض المسالك الهوائية، التنفسية والروماتيزم، وعسل البرتقال المفيد للأنفلونزا والأوجاع المعوية، وعسل السدر وهو من أجود أنواع العسل على الإطلاق ينصح به لعلاج العديد من الأمراض، منها فيروسات الكبد واضطرابات الجهاز الهضمي وغيرها، مما يجعل ثمن الكلغ الواحد منه يصل إلى حدود 4 آلاف دينار، كما أن هناك العسل الشوكي المفيد لأمراض الجهاز البولي والبواسير، وغيرها من الأنواع المفيدة للكثير من الأمراض، ولعل هذا ما يلخصه قوله تعالى: “يخرج من بطونها شراب مختلِف أَلوانه فيه شفاء للناسِ إِن في ذلك لآية لِقوم يتفكرون”، ويعلق أخيرا بقوله: “حقيقة النحل معجزة ربانية لا يفقهها إلا من ولج هذا المجال، ليقف يوميا أمام قدرة الخالق في تسيير شؤون خلقه”.