إحياء الذكرى الـ38 لرحيل شاعر الثورة مفدي زكريا

الريادة المطلقة في تبنّي الخطاب الوحدوي الجامع

الريادة المطلقة في تبنّي الخطاب الوحدوي الجامع
  • 1307
مريم. ن مريم. ن
نظمت مؤسسة مفدي زكريا، بالتنسيق مع مركز الأرشيف الوطني أمس، ندوة بعنوان "الفكر الوحدوي عند مفدي زكريا" وذلك في إطار إحياء للذكرى الـ38 لوفاة شاعر الثورة الجزائرية وأديب المغرب العربي الكبير. ركز اللقاء على مسار هذا الشاعر المناضل الذي كرّس حياته لخدمة الأمة ووحدتها والنهوض بهمتها لمواجهة مختلف التحديات.
أدار الندوة المؤرخ الدكتور احسن الزغيدي، الذي توقف في كلمته الترحيبية عند الذكرى التي هي جزء من ذاكرة نضال هذا الشعب والوطن خاصة وأنها تتزامن والذكرى المزدوجة لهجومات الـ20 أوت 1955 ولمؤتمر الصومام في 1956.
أشار المتحدث إلى أن الراحل نحت لهذا الوطن من كلمات وعبارات وحدوية مجيدة ما تجعله باق بيننا، وأكبر مما كتب وقيل عن مآثره التي قدمها لجيله وللأجيال الصاعدة، فقد كان مغاربي العقيدة ونجمي النضال وجزائري الروح، ولا تزال أناشيده وخطاباته تراثا مشتركا بين بلدان المغرب العربي.
أما الأستاذ حمدي، المفتش العام بوزارة الثقافة فقد قرأ كلمة السيد عز الدين ميهوبي، وزير الثقافة التي حملت كلمات العرفان لقامة مديدة في تاريخنا وثقافتنا الوطنية، فهو الذي أسهب في التغنّي بأمجاد أمة أحبّها فخلّدته في سجل الخالدين واقترن اسمه للأبد بالثورة التحريرية هذه التي رسخت وجودنا كأمة تستحق البقاء.
شارك في الندوة أيضا رفيق الراحل مفدي زكريا وهو الأستاذ الأمين بشيشي، الذي بدأ حديثه باستعراض تاريخ مؤتمر الصومام الذي شهد حضور أبطال قلّما يجود بهم التاريخ، ليتوقف بعدها عند مخططات الاستعمار الفرنسي الرامية إلى التقسيم وكلها تم فضحها من طرف المناضلين ومن طرف الراحل مفدي زكريا، الذي وعّى الناس بهذه المخاطر في مختلف أشعاره منها مثلا في "نشيد الفدا" الذي قال فيه "تبّت يد كل من فرّقا"، وهنا أشار الأستاذ بشيشي، إلى أن ديغول أطلق سنة 1959 فكرة تقرير المصير لكن حيكت حولها المناورات والتصريحات المشبوهة كتلك التي تزامنت واتفاقيات إيفيان، من أن الجزائر ما هي إلا مجموعة اثنيات وهويات وأعراق ما جعل الراحل كريم بلقاسم، يرفض استمرار المفاوضات ليتوجه إلى بكين عند ماو تسيتونغ، الذي اعترف بوحدة الشعب الذي انخرط عن بكرة أبيه في جيش التحرير.
عن مخططات التقسيم دائما استحضر المتحدث مخطط طرحته فرنسا سنة 1957، خاص بالشمال الجزائري والذي يجعل قسنطينة عاصمة للمنطقة الممتدة من الحدود التونسية وحتى ذراع بن خدة بتيزي وزو، وتلمسان كدولة بالغرب الجزائري، أما المنطقة من العاصمة وحتى وهران فهي ضواحي فرنسية وكلها مخططات أحبطتها الحكومة المؤقتة.
من جهته ثمّن الدكتور عبد المجيد شيخي، فكرة الوحدة عند مفدي زكريا طيلة مسيرة حياته الحافلة بالمآثر والمواقف، ليشير بأن الشاعر كان صديقا لوالده المعلم تعرف عليه بفضل الشاعر الكبير محمد العيد آل خليفة رحمة الله عليه.
اعتبر المتحدث أن شاعر الثورة تجاوز الشعر ليكون فيلسوفا وسياسيا ومثقفا رائدا، كما أنه لم يكن ملتزما مع أية جهة أو طرف بل كان التزامه الوحيد هو الجزائر، كرّس حياته من أجل وحدة الأمة ثم كللّها بإلياذته الخالدة التي هي وصية تركها للأجيال.
أسهب المتدخل في عرض مناقب الراحل منها تمكنه من صناعة الشعر وامتلاكه لناصية اللغة لذلك طابق رأيه رأي الشيخ الإبراهيمي، الرافض للشعر الحر مثلا وكان يرى أن الشعر الحر ليس حرا إذا لم يلتزم بالميزان والقافية.
تقدم بالمناسبة أيضا الأستاذ أبو اليقظان، الذي روى وبتأثر والدموع تنساب من عينيه كيف كان أول من أدى النشيد الوطني "قسما" بتونس، مع مجموعة صوتية بإذاعة تونس وبحضور محمد التريكي سنة 1955، كما روى لقاءه مع مفدي زكريا سنة 53 ضمن البعثة البيوضية ليستمع منه لنص النشيد.
توالت بالمناسبة القراءات الشعرية بمناسبة اليوم الوطني للشعر، مع مجموعة من الأصوات تقدمها الشاعر الشاب عبد العالي مزغيش، الذي أهدى بتأثر كبير مرثية لوالدته.
للإشارة فقد كان من بين الحضور السيد طيب زيتوني، وزير المجاهدين الذي أشاد بدوره بتاريخ شاعر الثورة المجيدة الذي سيبقى صوت أشعاره مدويا، كما صرح بالمناسبة لـ«المساء" بأن احتفالات الـ20 أوت ستجرى هذه السنة بقسنطينة.
أقيم على هامش الندوة التي احتضنها مركز الأرشيف الوطني صورا للشاعر مع بعض زعماء الثورة وبعض زعماء العالم، وأثناء محاضراته ومع المثقفين العرب والأجانب وفي جلسة منفردة مع الرئيس بوتفليقة في بداية الستينيات، كما علقت بعض قصائده وخطاباته المشهورة منها مقطع من خطاب "عقيدة التوحيد" ألقاها في المؤتمر الرابع لطلبة شمال إفريقيا الذي انعقد بتونس سنة 1934 والتي جاء فيها "كل مسلم في شمال إفريقيا، يؤمن بالله ورسوله ووحدة شماله هو أخي وقسيم روحي، فلا أفرّق بين تونسي وجزائري ومغربي، وبين مالكي وحنفي وشافعي وإباضي وحنبلي، ولا بين عربي وقبائلي، ولا بين مدني وقروي، ولا بين حضري وأفاقي، بل كلهم إخواني أحبّهم وأحترمهم، وأدافع عنهم ماداموا يعملون لله والوطن، وإذا خالفت هذا المبدأ فإنني أعتبر نفسي أعظم خائن لدينه ووطنه". للتذكير فإن الشاعر من مواليد سنة 1908 ومتوفى في سنة 1977.