طبنة الإسلامية ببريكة

آثار ترقد تحت التراب وتبحث عن متنفس في إقليم الزاب

آثار ترقد تحت التراب وتبحث عن متنفس في إقليم الزاب
  • 1765
ع.بزاعي ع.بزاعي
تُعد آثار مدينة طبنة الإسلامية من ضمن أهم الكنوز التاريخية بمنطقة الأوراس التي تعاقبت عليها العديد من الحضارات، وتوجد على بعد 4 كلم جنوب مدينة بريكة، 88 كلم جنوب ولاية باتنة على الطريق المؤدي إلى مدينة بسكرة. وتتميز طبنة، المنطقة الضاربة في عمق الجذور، بمعالم تاريخية وأثرية كفيلة بنفض الغبار عن تراث المنطقة، وجعل السياحة بها موردا اقتصاديا يدعّم الحركة السياحية والثقافية. ومن بين هذه المعالم التاريخية مسجد قديم يعود للفترة الأموية، ويُعد أقدم مسجد في المملكة؛ حيث تم بناؤه في القرن الثامن ميلادي؛ أي في الفترة الأموية. وقد تم بناء مسجد جلعاد المشابه له في مدينة السلط في نفس الفترة الزمنية.
ونوّهت العديد من البحوث والدراسات بأهمية هذه الآثار التي تشكل إرثا حضاريا، والوجهة المفضلة لكثير من الحضارات التي استوطنت وسكنت المنطقة، حيث تشير الدلائل وآبار تجميع المياه المحفورة بطريقة ذكية ورائعة، إلى أن العديد من الحضارات تعاقبت على المنطقة واستمرت إلى العصور الإسلامية المختلفة. وأشارت المراجع إلى أن مدينة طبنة لم يكن يُعرف عنها شيء في عصر ما قبل التاريخ إلا في العهد الروماني، الذي انتشرت فيه القلاع المحصَّنة بتيمقاد ولمبازيس، وكانت "طبنة" تقع في الممر الذي يربط هذه القلاع بمدن الوسط. ولعبت هذه الحصون دورا مهمّا ضمن الاستراتيجيات العسكرية المعتمدة وقتها. كما شهدت هذه المدن، حسب بحث للأستاذ سليمان قراوي، خرابا شديدا على يد الوندال في الفترة الممتدة بين القرنين الرابع والخامس الميلاديين.
ولم تنل طبنة حظها من الدراسات العلمية التي تكشف عن ماضيها السحيق، ولم تقم فيها حفريات متنوعة، وذلك على الرغم من آثارها الظاهرة للعيان، مثل كثرة الحارون وقطع الحجارة المهذبة وغير المهذبة، والتي تشير، فيما يبدو، إلى نشأة صناعة حجرية قديمة، وكذا إلى احتضانها حياة بشرية وحيوانية. كما كشفت حفريات علمية عن نماذج قديمة جدا لإنسان قديم في منطقة العلمة وشلغوم العيد، وتمثلها نماذج إنسان عين الحنش ومشتى العربي.
وتنتمي طبنة في نظر الجغرافيين القدماء إلى إقليم الزاب واسع الامتداد الذي يوجد حداه عند مشارف أشير وأطراف المغرب الأدنى أو إفريقيا، ويصفونها بمدينة الزاب الكبرى، ولم تستعد مكانتها إلا في العصر الفاطمي. وقد عرفت تطورا وازدهارا، ومثلت دورها كاملا في نصرة الفاطميين، وكان أميرها علي بن حمدون، ثم أبناؤه جعفر ويحيى يشرفون على المنطقة كلها، وأصبح بلاطهم فيها مركز جذب للنبهاء والحذّاق من الكتّاب والشعراء، مثل ابن رشيق وابن هانئ الإفريقي الأندلسي، الذي خلّد جعفر بشعره ووصفه بالملك. ولاتزال آثار طبنة في حاجة لمن ينفض عنها الغبار وينبش عن كنوزها التي ترقد التراب، وكذا تثمين أهميتها التاريخية وتستدعي تدخّل وزارة السياحة ودائرة الآثار العامة، حيث إن آثارها مهددة بالزوال بفعل العوامل الطبيعية ويد الإنسان التي امتدت إليها وزحف العمران، وهي انشغالات حملتها جمعيات ثقافية بالمنطقة إلى المسؤولين المعنيين.
وما يُروى عن طبنة أن أحد أبواب مداخلها الرسمية المصنوعة من الفضة وتحمل نقوشا لآيات قرآنية، قد وُظف فيما بعد بابا للمدخل الرئيس للمسجد العتيق بسيدي عقبة. كما يؤكد أخصائيون على ضرورة القيام بمبادرات لوضع منطقة طبنة الأثرية في صدارة الاهتمامات؛ مما يقتضي وضع خارطة سياحية للمحافظة على هذه الكنوز التاريخية التي تحدثت عنها بحوث تعود إلى العصر الروماني والبيزنطي؛ حيث تم العثور على ضريح يعود لأحد القادة الرومان، وقرية سكنية وآبار وبرك لتجميع المياه، إضافة إلى معاصر النبيذ التي كانت مشهورة في ذلك الوقت، علاوة على كهوف محفورة بالصخور، يُعتقد أنها كانت قد وُظّفت كسكنات.