الأمم المتحدة في ذكرى تأسيسها السبعين
حان الوقت لتمكين الشعوب من إسماع صوتها

- 948

تحتفل الأمم المتحدة ومعها المجموعة الدولية بحلول هذا الشهر بذكرى تأسيسها السبعين، وهي مدة كافية لأن يتم تقييم سبعة عقود كاملة من مسيرة لم تكن ناجحة كلها بعد أن وجدت نفسها حبيسة ميثاق قيّد عملها وحال دون أن تكون في مستوى تطلعات شعوب خرجت من حرب كونية مدمرة وأخرى كانت ترزح تحت الاستعمار. وبالعودة إلى السياق التاريخي الذي ولدت فيه الهيئة الأممية في الرابع والعشرين من أكتوبر بمدينة سان فرانسيسكو سنة 1945، فإن الفكرة في حد ذاتها كانت أكثر من رائعة لأنها جاءت والعالم مازال لم يضمد جراح خمس سنوات من حرب عالمية حصدت أرواح 60 مليون شخص، وأيضا لأنها جاءت لتفادي الخلل الذي تركته عصبة الأمم للحيلولة دون وقوع حرب شبيهة بالحرب العالمية الأولى ولكنها فشلت في ذلك.
وهو ما جعل قادة دول التحالف المنتصرين على دول المحور الذين حملوا مشعل الفكر النازي والفاشي في ألمانيا وايطاليا واليابان، يقررون إنشاء هيئة عالمية أخرى أخذت بعين الاعتبار حينها معطيات الراهن الدولي الذي أفرزته الحرب الثانية، وتغير ميزان القوى الذي حكم العلاقات الدولية بظهور قوى ناشئة تمكنت في ظرف سنوات من زعزعة النسق الدولي الذي خضع لمنطق القوى الاستعمارية التقليدية، وكان ذلك سببا في ثورة النازي هتلر والفاشي موسوليني وإمبراطور اليابان هيرو هيتو، الذين سعوا من أجل تغيير منطق بريطانيا وفرنسا اللتين اقتسمتا بقاع الدنيا ضمن نهم استعماري لم يول أي اهتمام لطموح قوى أخرى سعت لأن تكون طرفا في اقتسام "كعكة العالم"، ضمن أكبر أزمة عرفها الفكر الليبرالي الرأسمالي وما أفرزته الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929، والتي شكلت نقطة التحول الكبرى وإحدى أكبر بوادر اندلاع الحرب العالمية الثانية.
والمفارقة أن ألمانيا وايطاليا واليابان التي دفعت بالعالم دفعا لاندلاع هذه المواجهة المفتوحة خرجت خاسرة في رهانها، ووقعت كلها وثيقة الاستسلام التي مازالت تبعاتها قائمة إلى حد الآن لصالح دولتي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي اللتين خرجتا أكبر الرابحين ضمن نسق دولي حمل معطيات وحسابات إستراتجية جديدة تمكنتا من خلالها كسر هيمنة بريطانيا وفرنسا على دول ما أصبح يعرف فيما بعد بدول العالم الثالث. وحملت الولايات المتحدة ضمن لعبة تقاسم الأدوار العالمية راية الفكر الليبرالي، بينما رفع الاتحاد السوفياتي راية الفكر الشيوعي لينقسم العالم على إثرها إلى قطبين واحد غربي وآخر شرقي. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة وسيادة لغة خطوط العرض وخطوط الطول التي حددت معالم تقسيم العالم، ولدت الأمم المتحدة كمنتظم دولي جديد من رحم حرب كونية طغت عليها مصالح المنتصرين في الحرب.
ولذلك فإن ميثاق الأمم المتحدة الذي حمل أفكارا جديدة حملت آمال الشعوب المستعمرة وخاصة في شقه المتعلق بفكرة ترقية وحماية حقوق الإنسان، وإنعتاق الشعوب ولكنها في الواقع كانت فكرة برّاقة في ظاهرها استهوت كل الشعوب التي كانت خاضعة للاستعماريين الاستيطانيين الفرنسي والبريطاني وحتى الاسباني والبرتغالي، بعد أن انفضح زيفها بعد أن أبانت واشنطن وموسكو على نيتهما من وراء تلك الورقة البراقة والتي كانت في النهاية تغيير موازين القوى الدولية لصالحهما كقوتين منتصرتين في الحرب وأحسن وسيلة لزعزعة الهيمنة الفرنسية والبريطانية من خلال ضغوط متزايدة عبر الأمم المتحدة من أجل منح استقلال الكثير من شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكان من نتائج تقاسم الأدوار وصراع القطبين في حرب باردة بنكهة أسلحة دمار فتّاكة اندلاع الحروب بالوكالة التي اشتعل فتيلها خمسينيات وستينيات وحتى سبعينيات القرن الماضي، وجعلت شعوب هذه القارات تدفع ثمنا باهظا لذلك. وكانت الأمم المتحدة في سياق هذا التطاحن سوى مقرا للسجال الإيديولوجي الذي غذاه الصراع المصلحي الذي كانت غايته النهائية ضمان المعسكرين لمصادر المواد الطبيعية الأساسية التي تمكنها من تحقيق هيمنتها الاقتصادية التي نعيش أطوارها الآن.
ويجب القول هنا إن ضعف الأمم المتحدة تضمنه ميثاقها بسبب القيود التي وضعتها دول التحالف للإبقاء على هيمنتها من خلال ورقة حق النقض، الذي منحته لنفسها وأيضا من خلال ميزانية تسييرها التي مازالت ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة التي تخرجها كلما رأت أن مصالحها أصبحت مهددة في هذه النقطة من العالم، أو تلك كونها أكبر مساهم فيها إلى الحد الذي جعل مختلف البعثات والمهام الأممية مرهونة بمدى توفر الأموال التي توفرها القوى الصناعية الكبرى لميزانية تسيير الهيئة الدولية. وهي إشكالية أصبحت تطرح بإلحاح مع بداية الألفية الثالثة، عندما بدأت قوى صاعدة تتحرك معبّرة عن موقفها الرافض لإبقاء الأمم المتحدة حكرا على دول دون أخرى مثل ألمانيا واليابان وأيضا من دول كانت مستعمرة ولكنها تمكنت من فرض نفسها كقوى سياسية واقتصادية لها كلمتها في المنتظم الدولي، مثل الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين.
وهي كلها معطيات تستدعي إعادة النظر في هذا الميثاق وتحيين مواده بكيفية تنهي هذه الهيمنة حتى تتمكن قارات وشعوب من إسماع صوتها والدفاع عن شعوب مقهورة، وحتى لا يبقى العالم حبيس مصالح قوى دون أخرى بعد أن تحول فعلا إلى قرية صغيرة بفعل شبكات التواصل الاجتماعي. ولم تكن دعوة الأمين العام الاممي بان كي مون، مؤخرا بضرورة إعادة النظر في مهام بعثات القبعات الزرق الأممية في مختلف بؤر الصراع إلا أنها تبقى واحدة من بين عشرات القضايا التي يتعين مراجعتها بالنظر إلى المعطيات التي أفرزتها التحولات التي عرفها العالم في سياق خطط الهيمنة التي وضعتها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، ولا تريد إعادة النظر فيها تطبيقا لنظرية القوة التي يدافع عنها أعتى منظري الفكر الداعي إلى التحكم في العالم بالقوة العسكرية والاقتصادية والمالية.
وهو ما جعل قادة دول التحالف المنتصرين على دول المحور الذين حملوا مشعل الفكر النازي والفاشي في ألمانيا وايطاليا واليابان، يقررون إنشاء هيئة عالمية أخرى أخذت بعين الاعتبار حينها معطيات الراهن الدولي الذي أفرزته الحرب الثانية، وتغير ميزان القوى الذي حكم العلاقات الدولية بظهور قوى ناشئة تمكنت في ظرف سنوات من زعزعة النسق الدولي الذي خضع لمنطق القوى الاستعمارية التقليدية، وكان ذلك سببا في ثورة النازي هتلر والفاشي موسوليني وإمبراطور اليابان هيرو هيتو، الذين سعوا من أجل تغيير منطق بريطانيا وفرنسا اللتين اقتسمتا بقاع الدنيا ضمن نهم استعماري لم يول أي اهتمام لطموح قوى أخرى سعت لأن تكون طرفا في اقتسام "كعكة العالم"، ضمن أكبر أزمة عرفها الفكر الليبرالي الرأسمالي وما أفرزته الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929، والتي شكلت نقطة التحول الكبرى وإحدى أكبر بوادر اندلاع الحرب العالمية الثانية.
والمفارقة أن ألمانيا وايطاليا واليابان التي دفعت بالعالم دفعا لاندلاع هذه المواجهة المفتوحة خرجت خاسرة في رهانها، ووقعت كلها وثيقة الاستسلام التي مازالت تبعاتها قائمة إلى حد الآن لصالح دولتي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي اللتين خرجتا أكبر الرابحين ضمن نسق دولي حمل معطيات وحسابات إستراتجية جديدة تمكنتا من خلالها كسر هيمنة بريطانيا وفرنسا على دول ما أصبح يعرف فيما بعد بدول العالم الثالث. وحملت الولايات المتحدة ضمن لعبة تقاسم الأدوار العالمية راية الفكر الليبرالي، بينما رفع الاتحاد السوفياتي راية الفكر الشيوعي لينقسم العالم على إثرها إلى قطبين واحد غربي وآخر شرقي. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة وسيادة لغة خطوط العرض وخطوط الطول التي حددت معالم تقسيم العالم، ولدت الأمم المتحدة كمنتظم دولي جديد من رحم حرب كونية طغت عليها مصالح المنتصرين في الحرب.
ولذلك فإن ميثاق الأمم المتحدة الذي حمل أفكارا جديدة حملت آمال الشعوب المستعمرة وخاصة في شقه المتعلق بفكرة ترقية وحماية حقوق الإنسان، وإنعتاق الشعوب ولكنها في الواقع كانت فكرة برّاقة في ظاهرها استهوت كل الشعوب التي كانت خاضعة للاستعماريين الاستيطانيين الفرنسي والبريطاني وحتى الاسباني والبرتغالي، بعد أن انفضح زيفها بعد أن أبانت واشنطن وموسكو على نيتهما من وراء تلك الورقة البراقة والتي كانت في النهاية تغيير موازين القوى الدولية لصالحهما كقوتين منتصرتين في الحرب وأحسن وسيلة لزعزعة الهيمنة الفرنسية والبريطانية من خلال ضغوط متزايدة عبر الأمم المتحدة من أجل منح استقلال الكثير من شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكان من نتائج تقاسم الأدوار وصراع القطبين في حرب باردة بنكهة أسلحة دمار فتّاكة اندلاع الحروب بالوكالة التي اشتعل فتيلها خمسينيات وستينيات وحتى سبعينيات القرن الماضي، وجعلت شعوب هذه القارات تدفع ثمنا باهظا لذلك. وكانت الأمم المتحدة في سياق هذا التطاحن سوى مقرا للسجال الإيديولوجي الذي غذاه الصراع المصلحي الذي كانت غايته النهائية ضمان المعسكرين لمصادر المواد الطبيعية الأساسية التي تمكنها من تحقيق هيمنتها الاقتصادية التي نعيش أطوارها الآن.
ويجب القول هنا إن ضعف الأمم المتحدة تضمنه ميثاقها بسبب القيود التي وضعتها دول التحالف للإبقاء على هيمنتها من خلال ورقة حق النقض، الذي منحته لنفسها وأيضا من خلال ميزانية تسييرها التي مازالت ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة التي تخرجها كلما رأت أن مصالحها أصبحت مهددة في هذه النقطة من العالم، أو تلك كونها أكبر مساهم فيها إلى الحد الذي جعل مختلف البعثات والمهام الأممية مرهونة بمدى توفر الأموال التي توفرها القوى الصناعية الكبرى لميزانية تسيير الهيئة الدولية. وهي إشكالية أصبحت تطرح بإلحاح مع بداية الألفية الثالثة، عندما بدأت قوى صاعدة تتحرك معبّرة عن موقفها الرافض لإبقاء الأمم المتحدة حكرا على دول دون أخرى مثل ألمانيا واليابان وأيضا من دول كانت مستعمرة ولكنها تمكنت من فرض نفسها كقوى سياسية واقتصادية لها كلمتها في المنتظم الدولي، مثل الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين.
وهي كلها معطيات تستدعي إعادة النظر في هذا الميثاق وتحيين مواده بكيفية تنهي هذه الهيمنة حتى تتمكن قارات وشعوب من إسماع صوتها والدفاع عن شعوب مقهورة، وحتى لا يبقى العالم حبيس مصالح قوى دون أخرى بعد أن تحول فعلا إلى قرية صغيرة بفعل شبكات التواصل الاجتماعي. ولم تكن دعوة الأمين العام الاممي بان كي مون، مؤخرا بضرورة إعادة النظر في مهام بعثات القبعات الزرق الأممية في مختلف بؤر الصراع إلا أنها تبقى واحدة من بين عشرات القضايا التي يتعين مراجعتها بالنظر إلى المعطيات التي أفرزتها التحولات التي عرفها العالم في سياق خطط الهيمنة التي وضعتها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، ولا تريد إعادة النظر فيها تطبيقا لنظرية القوة التي يدافع عنها أعتى منظري الفكر الداعي إلى التحكم في العالم بالقوة العسكرية والاقتصادية والمالية.