كمين "الخطيفة" بالبيض (أكتوبر1956)
مشهد نضالي آخر في سجل بطولات المجاهدين
- 2253
يشكل كمين "الخطيفة" الذي دارت وقائعه بالجبال الحدودية لولايتي الأغواط والبيض بالقرب من منطقة تاويالة في الثاني من أكتوبر1956، مشهدا نضاليا في سجل بطولات جيش التحرير الوطني والذي يعكس مدى بسالة ونخوة الثوار، كما تؤكده إحدى شهادات أحد صانعي هذا الحدث الثوري بتلك المنطقة التابعة للولاية التاريخية الخامسة.
وذكر المجاهد البشير النوري (80 سنة) الذي فر من الجيش الفرنسي في أفريل 1955 وإلتحق بجيش التحرير الوطني بمسقط رأسه بالبيض، أن المهمة التي أوكلت للكتيبة الثالثة التي كانت تحت قيادة المجاهد الراحل محمد لعماري المدعو المقراني كانت تهدف إلى تأمين الطريق الرابط بين البيض وآفلو (منطقة الأغواط) المجاورة، وقد أحيطت بالسرية التامة حيث كان يحتفظ بخطتها قادة الكتائب الثلاثة (لحسن بوشريط وعبد الوهاب مولاي ومحمد لعماري).
وتتمثل هذه الخطة في تنفيذ هجوم على سجن مدينة آفلو وتحرير المعتقلين السياسيين (في حدود 400 سجين حسب بعض المصادر) إلا أن جملة من المستجدات جعلت من كتيبة القائد لعماري تخوض عملية موازية كتب لها النصر وحققت انتصارا كبيرا على جيش العدو.
ففي الساعات الأولى من صباح الثاني من أكتوبر1956 شرعت عناصر كتيبة محمد لعماري التي كانت تتشكل من نحو60 مجاهدا في تفقد وتنظيف أسلحتهم تأهبا للمهمة التي أوكلت إليها والمتعلقة بتأمين الطريق المؤدي إلى مدينة آفلو، غير أنهم رصدوا وبشكل مفاجئ رتلا متحركا لقوات العدو يتشكل من 135 شاحنة عسكرية تعبر المنقطة غير بعيد عن تمركز الكتيبة.
وظل المجاهدون -يقول المتحدث- يراقبون الوضع عن كثب وشاهدوا الجنود الفرنسيين ينزلون من أعلى شاحناتهم العسكرية الواحد تلو الآخر بغرض تمشيط خيم المواطنين القاطنين بالمنطقة بأساليب همجية وغير إنسانية، والتي انتهت بأسر ثلاثة شباب، وتواصلت عملية التمشيط من طرف الجنود سيرا على الأقدام وسط مراقبة لصيقة لضابط فرنسي برتبة نقيبلم يبرح مقعده على سيارة الجيب،دون أن يشعروا بوجود الثوار بالمنطقة.
وبينما كان جنود فرنسا في مهمة التمشيط كانت كتيبة المجاهد لعماري هي الأخرى تتأهب لمجابهة أي طارئ، حيث قسمت أفرادها على فصيلتين انفصلتا في التموقع بنفس المنطقة وذلك وفق تكتيك قتالي ذكي مكن من تنفيذ العملية إستنادا للمجاهد النوري البشير.
وحينما تأكد الجنود الفرنسيون من عدم بلوغ غايتهم ، شرعوا في مغادرة المكان مساء في رتل متنقل تتقدمه سيارة جيب الضابط، فيما بقيت فصيلة مشكلة من ثلاث شاحنات مرابضة بنفس الموقع، وحينها بدأت الاتصالات بين المجاهدين لنصب الكمين وترك سيارة الضابط تمر لأنها كانت تتقدم سير الشاحنات.
وبدأ أفراد كتيبة لعماري وبشكل مباغت في إطلاق النار على جنود العدو وهم عازمين على التصدي لهمجية المستعمر، خصوصا وأن غالبيتهم كانوا يراقبون عن بعد ما تعرض له سكان المنطقة من سلب لأموالهم وتفتيش وتنكيل، وهي كلها مشاهد زادت من نخوتهم وشجاعتهم لمقاومة جيش العدو، كما يروي المجاهد النوري الذي شارك في هذه العملية العسكرية.
وحقق أفراد كتيبة لعماري إنتصارا كبيرا في هذا الكمين، وذلك ما يؤكده حصولهم على معدات عسكرية كانت بحوزة العدو، من ضمنها 35 قطعة سلاح وثلاثة أجهزة راديو لاسلكي إلى جانب أسر خمس جنود فرنسيين وحرق ثلاث شاحنات عسكرية، في حين بلغ عدد القتلى في صفوف الجيش الاستعماري نحو 39 جنديا، وفقا لشهادة وردت في كتاب للضابط الفرنسي أندري هارفي الذي شارك في عملية التمشيط.
وسقط في ميدان الشرف الشهيد الشريف مغربي من مجموع أفراد كتيبة المجاهد الراحل محمد لعماري وتم تحرير الأسير الجزائري محمد قندوزي -من سكان منطقة تاويالة- فيما أصيب المجاهد أحمد مالكي بجروح خلال كمين "الخطيفة" الذي مهد لمعركة الشوابير التي شهدتها نفس الجهة في اليوم الموالي للكمين بتاريخ 3 أكتوبر1956 . وتركت هذه المعركة الشهيرة أثرا كبيرا في مسار ثورة التحرير المجيدة،نظرا للخسائر الفادحة التي منيت بها حينها القوات العسكرية الفرنسية.