في مرافعته أمام "الشيوخ" للمصادقة على قانون العقوبات:
لوح: "ترك الأمور على حالها سيؤدي إلى جرائم قتل"
- 756
انتقد وزير العدل، حافظ الأختام، الطيب لوح معارضي قانون العقوبات الجديد في شقه المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة. وقال إن هؤلاء "حرّفوا ما جاء به القانون لأغراض سياسوية وغلّطوا الرأي العام وعاكسوا الواقع... وهذا شيء غريب". وأكد أن القانون جاء ليحمي الأسرة الجزائرية من التفكك وليحافظ على توازنها، لاسيما من خلال إقراره "مبدأ الصلح والصفح" الغائب عن القانون الحالي. ولم يتردد الوزير أمس، وهو يعرض محتوى قانون العقوبات المعدل والمتمم أمام أعضاء مجلس الأمة، في القول بأن منتقدي القانون زايدوا عليه وإن ما جاء على لسانهم "بهتان" وتحريف لحقيقة نص القانون وحتى للواقع، الذي فرض وضع المواد الجديدة وتعديل الأخرى.
والأرقام هي دليل هذا الواقع الذي أشار إليه السيد لوح، حيث سجلت سنة 2014 وحدها 7737 قضية تخص العنف بين الأزواج على مستوى المحاكم، ومن بينها قضايا "تعدي زوجات على أزواجهن"، كما أوضح. تضاف إليها 3202 قضية تخص تعدي أحد الأقارب على المرأة، و767 قضية اعتداء على المرأة من قبل زملاء في العمل، و15705 قضايا تخص اعتداءات على المرأة من طرف أشخاص آخرين. ومن خلال عرضه لهذه "الأرقام الواقعية" كما شدد عليه، باعتبارها تخص قضايا عولجت في المحاكم، أراد الوزير التنبيه إلى أن قضايا العنف الأسري خرجت من الدائرة العائلية إلى أروقة المحاكم "في ظل القانون الحالي"، وهي أرقام تبرز تنامي الظاهرة، وبالتالي ضرورة وضع إطار قانوني للحد منها وكذا للوقاية. فالقانون ـ كما أشار إليه - يعد بمثابة "تنبيه للمعتدي أو الذي يريد القيام بفعل الاعتداء"، وسيتم تطبيقه ميدانيا، إلا أن مساهمة أطراف أخرى مثل المدرسة والمسجد وهيئات أخرى في مكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة لابد منها.
ولم ينس التذكير بأن ما تقوم به الحكومة في هذا المجال يعد استكمالا للمنظومة التشريعية والقانونية التي تضمن ردع أعمال العنف بكل أشكالها، في الاطار العام لمحاربة العنف في المجتمع الجزائري، إضافة إلى تجسيد الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد المرأة التي وضعت في 2007، تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، في ظل الحرص على ترقية حقوق المرأة وفق قيمنا الحضارية وخصوصياتنا الثقافية والدينية ضمن إطار قانوني شامل. ويتضمن نص القانون خمس مواد جديدة وأربع مواد معدلة ومتممة تخص تجريم العنف الزوجي وحماية المرأة من العنف الجنسي وتوسيع نطاق تجريم التحرش الجنسي وتشديد عقوبته وكذا تجريم مضايقة المرأة في الأماكن العمومية.
في هذا الشأن، وفي إطار دفاعه عن القانون المعروض في الجلسة العلنية التي ترأسها السيد عبد القادر بن صالح، رئيس المجلس، أوضح الوزير أنه فيما يتعلق بالمسألة الأولى، فإن الهدف هو تكريس مبدأ الصفح والصلح وذلك حفاظا على الأسرة، لأنه في الوقت الراهن لايمكن للقاضي سحب الدعوى أو الكف عنها في حال تم الصفح أوالصلح، وبالتالي فإن العقوبة تطبق، وهو ما يمكنه الإخلال بتماسك العائلة. في السياق، أشار إلى أن كلمة "زوجه" في نص القانون تدل على الشريك، أي "الزوج أو الزوجة"، وهو ما يعني أن العقوبات تطبق على المعتدي سواء كان زوجا أو زوجة. كما أشار إلى توسيع مجال تجريم التحرش الجنسي ليشمل الزملاء في العمل، بعد أن كان مقتصرا على المسؤولين الذين لديهم سلطة على المرأة العاملة.
أما بخصوص محاربة العنف ضد المرأة في الأماكن العمومية، فإن الوزير الذي تحدث عن توسع هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، شدد على أن الأمر لا يمس المرأة وحدها وإنما الأسرة كلها، وفضل في الأمثلة التي أعطاها الاشارة دوما إلى حالات عائلات تتعرض للاعتداء اللفظي أثناء تنزهها في الأماكن العمومية، إلا أنه لم يغفل التذكير بحادثة القتل التي تعرضت لها سيدة مؤخرا بعد مضايقات من طرف الجاني. ولهذا نبه إلى أن القول بان العنف اللفظي أمر عادي غير معقول، مضيفا بأن "ترك الأمور على حالها سيؤدي إلى حدوث جرائم قتل". وفي الشق الاقتصادي، فإن القانون جاء ليجرم حرمان المرأة من ممتلكاتها ومواردها المالية، تطبيقا للنصوص الشرعية التي تؤكد على استقلالية الذمة المالية للمرأة في الإسلام.
تثمين القانون وانشغال بكيفيات تطبيقه ميدانيا
وثمنت تدخلات أعضاء مجلس الأمة ـ التي اقتصرت على سبعة تدخلات فقط، رغم الجدل الكبير الذي أحدثه القانون - في عمومها ما جاء به النص، حيث دافع منصور معيزية، من التجمع الوطني الديمقراطي عما ورد فيه من أحكام، مشيرا إلى مطابقتها لأحكام الشريعة الاسلامية، فيما اعتبرته لويزة شاشوة من الثلث الرئاسي "أفضل ضمان للنساء ضحايا العنف"، قائلة إنه يشكل "قفزة في مجال حماية المرأة ببلادنا". ودعت بالمناسبة إلى مراجعة قانون الأسرة لمكافحة كل أشكال اللاعدالة. وبالنسبة لموسى تمدارتازا من جبهة القوى الاشتراكية، فإن القانون جاء ليسد فراغات قانونية، ولذا أعرب عن أمله في أن يتجسد ميدانيا ولايبقى مجرد حبر على ورق لتقوية انسجام العائلة وليس العكس. وبدورها ثمنت رفيقة قصري، من الثلث الرئاسي ماجاء به القانون، نافية أن يكون منافيا لديننا الحنيف أو قيم مجتمعنا، لكنها طالبت بالمقابل بإعادة النظر في الأساليب التربوية وتعزيز دور النخب الدينية والثقافية لتكريس مبادئ الرحمة والسلم والأخلاق.
ورغم دفاعه عن القانون، فإن عمار الطيب عن حزب جبهة التحرير الوطني، عبر عن تخوفاته من "التعسف في الحماية الجزائية"، وهو ما سينجر عنه نتائج عكسية لا يريدها المشرع، لذا أكد على أن الإشكال هو كيفية تطبيق القانون. ونفس الإشكال طرحه حسني سعيدي، من التجمع الوطني الديمقراطي الذي اعتبر أن سوء فهم القانون قد يؤدي إلى تفكيك الأسرة. وذهب بعيدا عندما أكد بأن العنف ضد المرأة في مجتمعنا "تمّ تهويله" لأنه "لايمارس بشكل ممنهج ومنظم"، معتبرا أن العنف يمس عدة شرائح من المجتمع وأنه يجب طرحه في شكله العام، بل قال إن القانون الجديد "يشجع النساء على إيداع شكاوى ضد أزواجهن"، ويسمح بإفشاء "الأسرار الحميمة" للعائلات.
أمر نفاه وزير العدل، مشيرا في رده إلى أن "المسؤول الوحيد في الدولة الذي يضطلع على أسرار الأسرة هو القاضي" وإن القضاء يحمي حرمة الحياة الخاصة، كما أن قانون الإعلام يضمن عدم التشهير. للإشارة، فإن المصادقة على القانون الجديد للعقوبات سيتم يوم الخميس على مستوى الغرفة العليا للبرلمان. وقد أحدث ضجة كبيرة عند طرحه للنقاش في الغرفة السفلى واعتبر مساسا بمبادئ الأمة، ونظرا لتأخر مناقشته في مجلس الأمة، تم الحديث عن إمكانية إلغائه وهو ما تم نفيه ببرمجته هذا الأسبوع ضمن سلسلة من القوانين المعروضة للمصادقة عليها.