بن خالفة يطمئن مجلس "الشيوخ" بشأن قانون المالية:

تحصيل الغرامات الصغيرة جزء من الحلول الاستباقية

تحصيل الغرامات الصغيرة جزء من الحلول الاستباقية
  • القراءات: 1113
حنان حيمر حنان حيمر

كشف وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة عن "مبادرات منسقة" ستتم بين مختلف القطاعات، لتحصيل "حق الوطن والأمة" في "آلاف الغرامات الصغيرة المتراكمة" التي تَخلف أصحابها عن دفعها، مشيرا إلى أن "عشرات الملايير من الغرامات القضائية لم تُدفع إلى حد الآن"، وأن الدولة تجد نفسها أمام إشكاليتين، هما "التهرب الضريبي الناتج عن القطاع الاقتصادي غير المهيكل" و«النقص في الحس المدني والمواطنة الضريبية"، مما جعله يقول إن "بعض المواطنين مقصّرون في حق الوطن والأمة"، وأن الحكومة ستعمل على وضع حد لهذه الظاهرة.

واعتبر السيد بن خالفة الذي دافع من جديد عن مضمون قانون المالية 2016، بمناسبة رده أمس على تساؤلات أعضاء مجلس الأمة عقب اختتام جلسات النقاش، أنه من الضروري تجديد السياسة الجبائية من خلال مكوناتها وميزاتها، وتوسيع الوعاء كشرط أساس لرفع جاذبية الاستثمار الداخلي والخارجي. وأكد أن تحقيق هذا المبتغى سيتم عبر عدة اتجاهات منها تحسين أدوات التحصيل على مستوى الشركات الكبيرة والمتوسطة، وتعزيز المراقبة البعدية على أرقام الشركات محاربةً للتهريب الضريبي، حيث تحدّث عن  تحصيل أكثر من 25 مليار دج عن طريق إعادة التقويم الجبائي خلال التسعة الأشهر الأولى من 2015.

ننتظر توافدا أكبر للمدخّرين بعد وضع منتجات بدون فائدة

 وبخصوص الاحتواء المالي المرتبط بالامتثال الجبائي الإرادي الذي ذكر بأنه ليس "إعفاء ضريبيا" كما قيل، فإن الأمور تسير ببطء، حسبما أوضح عندما قال: "نحن ننتظر توافدا أكبر؛ لأننا لم نشهد بعد توافدا كبيرا للمدخرين والتجار والمتعاملين، خصوصا أن البنوك تحضّر اليوم لإدراج منتجات جديدة بلا فائدة، مرتكزة على أقتسام الهوامش". وردا على بعض الملاحظات حول تقصير الحكومة في العملية الاتصالية المتعلقة بقانون المالية، أشار الوزير إلى أنه "نظرا للظروف الخاصة التي أتى فيها، فقد استفاد القانون من عملية تنشيط إعلامي متحكم فيها"، مضيفا أن الحكومة لم ترد التوسيع في العمل الاتصالي؛ لأنها كانت تنتظر المصادقة عليه نهائيا. وفي هذا الصدد أكد في تصريحات صحفية جانبية، أن عدة عمليات لعرض وشرح تدابير القانون، ستتم مباشرتها بعد المصادقة عليها، أولها يوم 21 ديسمبر الجاري من خلال لقاء للوزير مع الصحافة.  

التحكم التدريجي في منظومة الدعم والإعانات

ولأن قضية الدعم الاجتماعي كانت حاضرة في تدخلات أعضاء مجلس الأمة، فإن السيد بن خالفة أكد أن الحكومة ستعمل على "التحكم التدريجي في منظومة الدعم والإعانات"؛ بالنظر الى حساسية الملف وتعقيده التقنين في ظل انشغال الحكومة بالمحافظة على أسس التضامن الوطني وحماية الشرائح المعوزة. وكشف عن الشروع في "عمل تحليلي لتصنيف ملف الإعانات على أسس معيارية دقيقة من حيث رقعتها والمستفيدين منها، ومن خلال تحليل تجارب أجنبية ناجحة وفاشلة في هذا المجال". وقال إنه سيتم كذلك الشروع تدريجيا في استدراك الهوة بالنسبة للبنزين والكهرباء والغاز التي تميز الفرق بين سعر الإنتاج وسعر التسويق، لاسيما أنها تعرف تبذيرا وتهريبا. وتحدث في السياق عن تهيئة استراتيجية وآليات تقنية تمكن على المدى المتوسط من التحكم في أصناف الدفع ومستواه للخروج من النهج الحالي ذي الطابع العادي والشامل.

ودعا الوزير إلى "صحوة تسييرية" في المؤسسات العمومية، مشيرا إلى أهمية التدابير المتخذة بشأنها في القانون الجديد لاسيما المادة 66. وعن الاستدانة من الخارج، عبّر عن موافقته لرأي الأغلبية في القول بضرورة استغلال الموارد المالية الوطنية وعدم اللجوء إلى "الاستدانة الكلاسيكية"، إلا أنه لم يستبعد اللجوء إلى "تمويلات مركبة" بين عدة شركاء.

وأشار من جانب آخر إلى العمل على تنويع العملات المتعامل بها، من خلال اتفاق مع الصين؛ باعتبارها أول ممون للجزائر في إطار "اتفاقية مقاصة" للتعامل بالعملة الصينية. وإذ وصف قانون المالية 2016 بـ"القانون العادي الذي جاء في ظرف استثنائي"، فإن الوزير أوضح أنه مكمل للسياسات العمومية والقطاعية والتي تؤطر المجال الاقتصادي، مذكرا بوضع قانون صفقات عمومية جديد وقانون استثمار سيناقش قريبا في البرلمان، إضافة إلى قانون جمارك تمت دراسته أمس في مجلس الحكومة، وقانون آخر حول المؤسسة الاقتصادية يوجد حاليا قيد الدراسة. قوانين تدل على أن للدولة "رؤية طويلة الأمد ومهيكلة" و«نظرة استشرافية"، إذ شدد وهو يطمئن أعضاء المجلس، على أن العمل الحكومي "يستند على عمل مجموعات متخصصة تشتغل يوميا للنظر في مختلف التغيرات الاقتصادية وتداعياتها على جميع المؤشرات".

رؤساء الكتل: تثمين وتنبيه إلى مخاطر الوضع الراهن

ثمّن رؤساء الكتل في مجلس الأمة مضمون قانون المالية 2016، لاعتبارات تتعلق بالوضع الإقليمي الذي يحيط بالبلاد وكذا الانهيار في أسعار المحروقات. لكن ورغم "التصفيق الكلامي" لمحتواه، فإن التخوف من آثار أزمة البترول على المدى الطويل في حال تواصل الأزمة، بدا انشغالا واضحا لدى ممثلي الكتل الذين لم يبد عليهم الاقتناع بمدى قدرة الإجراءات المتخذة في بناء اقتصاد مستقل عن المحروقات. وأولى هذه المخاوف التي عبّر عنها رئيس كتلة حزب جبهة التحرير الوطني عبد القادر زحال، هي "اللجوء مجددا الى الاستدانة"، وهو ما دفعه الى القول بأنه يجب على "الأزمة أن تلد الهمة"، وأن تستغل للتخلي عن الاعتماد على مداخيل المحروقات، لاسيما من خلال تطوير قطاعات بديلة، أهمها الفلاحة التي دعا إلى تطوير أساليب العمل فيها وعصرنتها، حتى لا تبقى حبيسة النظرة التقليدية التي تطغى عليها وتجعل الكثيرين لا يحبون الاشتغال بها.لكن هذا لا يمنع أن الحزب يقف "قلبا وقالبا" مع الحكومة من خلال تثمينه قانون المالية الذي أعدته، داعيا المعارضة إلى "احترام رأي الغالبية والالتزام بالديمقراطية".

وبالنسبة للمتحدث، فإن ما أثير حول القانون هو "مغالطات" لاسيما ما تعلق بالمادة 66 منه، ودليله في ذلك أن نفس المادة تمت المصادقة عليها في قانون المالية التكميلي 2015 بدون أي شوشرة أو اعتراض. وأضاف أن "عهد المزايدات قد ولى"، وأن "البلبلة لا تخدم البلاد"، مشيرا الى أن أكبر خطر يحيط بالبلاد هو الاستمرار في اعتماد النمط الاقتصادي الحالي، لأنه هو الذي "يشكل خطرا على السيادة الوطنية". وفي اتجاه مماثل جاءت مداخلة رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي لخضر سيدي عثمان، الذي استخدم بدوره كلمة "مغالطات" في وصف ما ذهبت إليه المعارضة حين انتقادها لمضمون قانون المالية 2016. فالمشروع الذي قوبل "بالتهويل والاستثمار في المغالطات، هو كسابقيه"، كما أوضح، إذ إنه "لا يعدو أن يكون قانونا يترجم سياسة الدولة في تسيير نفقاتها ومواصلة مسيرة التنمية التي باشرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة منذ عقد ونصف عقد "ونجني ثمارها اليوم".

ومثل سابقه اعتبر أن القانون جاء في ظل وضع يتسم بظروف اقتصادية وإقليمية مميزة، ولذا فإنه لم يكتف بتثمين محتواه، وإنما قدم شكره للطاقم الحكومي الساهر على إعداده. وعبّر عن "استغرابه وأسفه الشديد" لما وصفها بـ "الحملة التي شنها بعض السياسيين الذين لا يتوانون في استغلال بعض الفرص من أجل محاولة التشويش على مسيرة التنمية"، خاصة أن الجزائر- كما أضاف - تعيش أجواء استقرار تعود إلى سياسة المصالحة الوطنية التي أرسى معالمها رئيس الجمهورية. ودعا الحكومة ومختلف الشركاء الاجتماعيين إلى "الالتزام بالمسؤوليات الواقعة على عاتقهم"، وتشجيع الاستثمار المنتج وتنويع الاقتصاد وتحسين الوسائل الإنتاجية والرفع من مستوى تنافسية المؤسسات الجزائرية.

وعن الثلث الرئاسي تحدّث عبد الكريم قريشي الذي أكد تثمينه وترحيبه بكل ما جاء في القانون وبكل التدابير المتخذة من قبل الحكومة. وقال إن على الأخيرة مواصلة السياسة الاجتماعية التي تنتهجها، مع "العمل بدون هوادة على مكافحة الفساد والجريمة بكل أشكالها". إلا أنه فضل من باب "النقد الجميل" لفت نظر الحكومة إلى جملة من العوامل أولها قدرة تحمل الاقتصاد الجزائري على المدى القصير، وهو ما يجب توظيفه في استثمار أموال صندوق ضبط الإيرادات في مشاريع ذات مردودية، محذرا من استثمار الموارد الجزائرية في الخارج. كما دعا إلى وضع سياسة جبائية تعمل على "كبح التبذير في الاستهلاك".

أما على المدى المتوسط، فلفت إلى أن مواصلة الانخفاض في أسعار النفط ستقلص من قدرة الجزائر على تغطية نفقاتها إلى عامين، وهو ما سيؤدي إلى تأثير سلبي على المخططات وضغوط اجتماعية على المدى الطويل، لأنه كما قال "من الصعب إعادة النظر في الأجور أو في الدعم الاجتماعي للمواد واسعة الاستهلاك"، يضاف إليها التنامي الكبير للاستهلاك الطاقوي على المستوى المحلي.عوامل قال إنه ينبغي مواجهتها عبر "الاستثمار أكثر في الفلاحة وتعزيز الصناعات الغذائية"، و«مواصلة الاستثمار في الطاقات المتجددة" وكذا دعم الاستثمارات التي تخص المواد الاستهلاكية المستوردة، والاستثمار أكثر في مجال تكرير البترول.