الدكتور محمد العريبي لـ "المساء":

المثقف سياسي والحياة الحزبية تحتضر

المثقف سياسي والحياة الحزبية تحتضر
  • 755
لطيفة داريب لطيفة داريب

في عالم يشهد زلزالا كبيرا وتدهورا عظيما في القيم الأخلاقية، يبقى الفكر الفلسفي بإحدى الوسائل الناجعة لتحليل الوضع، وهو ما أكده الدكتور محمد العريبي، أستاذ الفلسفة في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية، والمشرف على مركز الأبحاث الدراسية والدراسات ـ حلقة الحوار الثقافي ـ في دردشة جمعته بـ"المساء"، على هامش مشاركته مؤخرا في الملتقى العربي الخامس للأدب الشعبي.

أوضح الدكتور محمد العريبي أنّ الفكر الفلسفي ضروري ويواكب تطوّر كلّ المجتمعات في مختلف العصور وتحت طائلة أيّ ظرف، كما يحاول هذا الفكر أن يطرح أسئلة حول المشكلات التي يعيشها المجتمع في كل عصر ويحاول أن يجد إجابات لها، ويضيف أن إجابات الفلسفة غير قاطعة، بل تسعى إلى تقديم حلول غير كاملة وغير منجزة نهائيا، لأن الفكر الفلسفي مفتوح بمجالاته الواسعة، كما أنه لا يتوقف عند الحاضر، بل يرجع إلى التاريخ ويستشرف المستقبل.

وأضاف صاحب كتاب "فكر ابن رشد" أن العالم شهد دائما صراعا مريرا بين تيارين أحدهما تنويري والآخر ظلامي، لكن العالم الإسلامي كان يتحد رغم اختلافات في الفكر الفلسفي حينما يحدق به الخطر الخارجي من حملات صليبية وهجوم التتار والمغول، فكان يحتم عدم الدخول في عملية التكفير وما شابه ذلك، ليضيف أننا بحاجة حاليا إلى مثل هذا القرار الصائب الذي أقرّه الإمام الرازي عندما أطلق مقولته الشهيرة "لن يكفر أحد من أهل القبلة".

وأضاف الدكتور أن ابن رشد وابن رازي حاولا تنقية الرواسب الموجودة في فكر كل منهما، والتي جعلتهما في معارضة مع الآخر، فصفى الرازي علم الكلام لدرجة أنه جعله فلسفة، وصفى ابن رشد الفلسفة الإسلامية كي يجعلها فلسفة صافية وقال بأن الفلسفة لو لم تساير علم الكلام لما وقعت في الأخطاء التي وقعت فيها، وعلم الكلام عندما لا يساير الفلسفة يصبح فلسفة، فلم يعد هناك فرق بين الاثنين، فكل واحد منهما اعتبر أن هناك مسلكا وطريقا، وهو مسألة التوحيد، أي اعتبرا أنهما يسلكان لبلوغ غاية واحدة، ولا بأس أن يكون هناك طريقان لبلوغ هذه الغاية.

أما عن دور المثقف العربي في زمن تشهد خلاله عدة دول عربية العديد من الاهتزازات، قال الدكتور بأن المثقف لا يدرك أنه "مسجون" وأنه لا يقوم بدوره الفّعال في حل مشاكل المجتمع وتطويره، مضيفا أن الفكر ليس سلاحا فتاكا قاتلا، باعتباره يعتمد أولا على الإقناع والحوار و«نحن لا نعيش هذه الحالة مع الأسف".

علاقة المثقف بالسياسة، أوضح بشأنها المتحدّث أنّ كلّ ثقافة هي سياسة وكل فلسفة هي فلسفة سياسية، كما أن الإنسان كائن سياسي أيضا، ليشير إلى ضرورة أن لا يبتعد المثقف عن السياسة وإلا اعتبر شخصا مستقيلا. في المقابل، تأسف الدكتور عن حال الأحزاب في العالم العربي، معتبرا أن الحياة الحزبية قضي عليها مع أن الأحزاب هي التي تطور المجتمعات وليس الفرد، ليضيف أنه في كل البلدان العربية قضي على الحياة السياسية الصحيحة.

وأرجع المفكر سبب تدهور أوضاع العديد من الدول العربية إلى الغزو الخارجي الذكي الذي استطاع أن يستفيد من كل الدراسات التي أجريت في العلم العربي واستغلها في الوقت المناسب، كما عرف هذا الغزو كيف يدخل في تفاصيل حياتنا في المجتمعات العربية وتفكيكها، ليضيف أنه مع الأسف، لم ندرك ذلك إلا بعد فوات الوقت، لأننا ندرك فقط ما يظهر وليس قبل أن يحدث مع أن الإعداد له يكون قبل سنوات طويلة، وهذا بسبب غياب النظرة الاستشرافية.

ما هي الحلول التي ستؤدي بنا إلى الخلاص؟ يجيب العريبي بأنّه يجب محاولة التحصين والحفاظ على الوجود لأن الهجمة كبيرة على عالمنا، ليضيف أن ما يحدث في عالمنا ليس مسألة دين أو فكر، بل هي قضية مصالح واقتصاد، ويضيف "للأسف يريدون ما تحت أقدامنا ونحن نفكر في ما فوق رؤوسنا".

في إطار آخر، اعتبر الدكتور أن الأدب الشعبي هو نتاج لما يحدث في المجتمع، فلا يمكن أن يكون مخالفا له، أما عن السخرية في هذا الأدب والذي كان موضوع الملتقى العربي الخامس للأدب الشعبي، فهو عبارة عن تنفيس للمجتمع من كل الضغوطات التي يعيشها.