حضور التاريخ والثوابت الوطنية بمنتدى الذاكرة

حماية تشريعية تفرضها سلطة المؤسّسات الدستورية

حماية تشريعية تفرضها سلطة المؤسّسات الدستورية
  • 1080
مريم. ن مريم. ن

فتح "منتدى الذاكرة" أمس، النقاش حول موضوع "حماية الذاكرة والمحافظة على الرموز والمعالم التاريخية للثورة التحريرية"، حيث تباينت آراء المتدخّلين في منتدى "المجاهد" بين من رأى بأنّ مسودة الدستور تكفل بشكل كاف المحافظة على هذه الموروثات، وبين من دعا إلى ضرورة تعزيزها بشكل أعمق وأوضح في المشروع وإخراجها من إطار العموميات لتثمينها قانونيا وكي تعطى لها سلطة حماية الهوية والذاكرة الوطنية موحّدة هذا الشعب والتي أصبحت تعاني من هجمة شرسة لم يسبق لها مثيل. افتتح اللقاء وزير المجاهدين الأسبق، محمد كشود (أوّل من صاغ قانون المجاهد والشهيد)، حيث أشار إلى أنّ الدستور المقترح للتعديل في مادته 51  يكرّس مبادئ أساسية في تولي المسؤوليات والمتمثّلة أساسا في الجنسية الجزائرية الأصلية أوالإقامة بالجزائر لفترة لا تقل عن 10 سنوات، وهو شرط تباركه الأسرة الثورية وتطالب بتعزيزه أكثر بقوانين عضوية أخرى.

ويضيف المتحدّث أنّ المشروع احتوى القيم والمبادئ الأساسية وكذا رموز السيادة الوطنية منها الدين الإسلامي وأيضا اللغة والحدود المشتركة التي تلزم بعدم جواز التنازل عن شبر واحد من التراب الوطني. وبالنسبة للديباجة، فقد فصلت ـ حسبه - في مسائل الهوية والتاريخ خاصة فيما يتعلق بالإسلام والعروبة والأمازيغية، كما تضمّنت الأهداف المشتركة وبعضا من الأماني والآمال المرجوة، وجاء أيضا ذكر الجيش الوطني، سليل جيش التحرير في نفس الديباجة، وهو أمر أغفلته الدساتير السابقة. وفي المادة 8، تأكّد دعم مكتسبات الثورة التحريرية، وتمّ أيضا التنويه بقيمة جبهة التحرير الوطني كتراث ثوري وهناك أيضا مواد فصلت في التاريخ والهوية باعتبارها الجامع والضامن للوحدة الوطنية.

أشار المتحدث إلى أنّه تمّ تقديم مقترحات أخرى لم تتجسّد بعد في المسودة منها الاحتفال بغرة نوفمبر في الساعة الواحدة بدل من الساعة صفر، ذلك لأنّ الوثيقة التي أمضاها الراحل بوضياف في سنة 1954، تؤكّد انطلاق الثورة في هذه الساعة. ومن المقترحات أيضا تقديم العلم الوطني من اليمين إلى اليسار، أي من الأخضر إلى الأبيض وليس العكس، كما يجري مع العلم الفرنسي، إضافة إلى عبارة تأسيس الدولة عوض إعادة تأسيس الدولة إذ أنها كانت قائمة قبل سنة 1830. من جانبه، ثمّن الدكتور بوجمعة صويلح الوثيقة التمهيدية للدستور، وأشاد بديباجتها التي تبدأ بعبارة "الشعب حر" وأنّ هذا البلد مصر على البقاء من خلال الرجوع إلى تاريخه الغابر، كما ثمّن ترسيم الأمازيغية، واصفا ذلك بالقرار الحكيم والشجاع واستجابة لآمال الشعب.

وأكّد الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي الدكتور، سعيد مقدم على مكانة الذاكرة في الدستور، لكنّه تحفّظ على اللغة المستعملة وهي فرنسية إدارية وليست لغة قانونية وبالتالي دعا إلى ضرورة الالتفات إلى هذا الجانب قبل الشروع في التصديق، معتبرا أنّ الذاكرة مرتبطة بالأجيال الصاعدة لذلك لا بدّ من إعطائها المكانة اللازمة خاصة من الجانب القانوني الذي أصبح ملحا منذ سنة 2005 عندما تبجّحت فرنسا بإصدار قانون 23 فيفري المشؤوم الممجد للاستعمار، ولم يقابله عندنا قانون أو تشريع مناسب خاصة في الدستور، وبالتالي اقترح مقدّم دستورا معدلا يتمثّل في مذكرة إيضاحية (بيان أسباب) كما تفعل ذلك الدول المترسخة في القانون. من جهته، ثمّن الأستاذ محمد بوعزارة المادة 62 في فقرتها الرابعة حول ما يتعلق بترقية كتابة التاريخ وتلقينه للأجيال، هذا التاريخ الذي تعرّض لهجمات شرسة من الداخل والخارج للنيل من ذاكرته.

واختتم اللقاء، الدكتور لحسن زغيدي بعرض شامل للمشروع خاصة في ديباجته في بعض مواده، لكنه كان يؤكّد في كلّ مرة أنّ حضور الذاكرة لم يكن بالعمق المطلوب، وبالتالي يجب وضع آليات للمحافظة على هذا التراث والأولوية فيها يجب أن تكون للتنصيص (نصوص قانونية صارمة) وتحديد كيفية الحماية ومجالاتها وفي أي إطار يجب أن تكون، كما أنّ مصطلح ترقية كتابة التاريخ في الدستور، مصطلح فضفاض، فالدساتير لا بدّ أن تقرأ بالثابت وليس بالمتغيّر مؤكّدا أنّ المهمة لا بدّ أن تكون على عاتق مؤسسات دستورية كي تحمى الثوابت وتنص العقوبات للمتجاوزين. ووصف زغيدي ديباجة الدستور بالرائعة، لكنه أعاب غياب نص وثيقة بيان 1 نوفمبر الذي يسرد بصريح العبارة الثوابت والمقومات والمنهج، متمنيا أن يتم تدارك ذلك عند المراجعة والتصديق.