تعتبر من أعقد الملفات
النظافة الاستشفائية التي لم تجد بعد حلولا واقعية
- 2275
لا يزال ملف النظافة الاستشفائية من بين أعقد الملفات التي تثار بالنسبة للمؤسسات الصحية في الوطن، كونه يرتبط بالعديد من العوامل، من تسيير النفايات الاستشفائية، إلى تعقيم الأجهزة والعتاد الطبي، مرورا بنقص وسائل التنظيف ومدى تأهيل الطواقم شبه الطبية للتعامل مع هذا الملف المعقد. وحسب معاينة ميدانية لـ"المساء" عدة مصالح طبية في المستشفى الجامعي "مصطفى باشا" بالعاصمة مؤخرا، وقفت على الكثير من أوجه الاختلالات، ومن ذلك العدد الكبير للزوار في كل الأوقات والفوضى السائدة حتى بين الطواقم العاملة، بدءا من عمال النظافة إلى رؤساء المصالح، هذه الفوضى يقول بشأنها رئيس إحدى المصالح الطبية بالمستشفى، إنها تضر أكثر مما تنفع، "لأن كثرة الغدو والرواح في المصالح الاستشفائية كفيل بازدياد نسبة العدوى في الوسط الاستشفائي، حيث وصلت نسبتها الوطنية إلى أكثر من 14%، في الوقت الذي استقر معدلها العالمي في حدود الـ7%".
ويشرح المسؤول قوله بأن سياسة إصلاح المستشفيات التي بدأتها الوزارة قبيل أكثر من عقد أثمرت إخراج مصالح الاستشارة الطبية والفحوصات خارج المستشفيات، "لكن لاحظنا أن فيه الكثير من التسيب والتساهل الذي يؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع العدوى الاستشفائية بسبب كثرة الفحوصات والاستشارات التي تؤدى بالكثير من المحسوبية". أكثر ما تتجسد فيه المظاهر المقلقة في شأن النظافة الاستشفائية في مرافق صحية تفتقد إلى أدنى الشروط الوقائية، وهو ما يتطلب ـ حسب البعض ـ إعادة النظر في وضعية النظافة من طرف الجهات المعنية، خاصة أن الإصابة بالعدوى الاستشفائية تكلف خزينة الدولة ملايين الدينارات سنويا. ومن جملة الملاحظات التي وقفنا عليها ببعض المصالح الطبية؛ دورات المياه المتعفنة في بعض تلك المصالح.. فالحنفيات مكسرة أو تنعدم بها المياه أو تتسرب لتشكل بقعا يتعذر على إثرها المشي، أما المراحيض بمصالح أخرى فقد سقط عنها فرض النظافة الدورية وروائحها الكريهة تصيب الأصحاء بالدوار، فما بالك بالمرضى!
هذه الملاحظة تتقاسمها مصالح طب النساء والتوليد وأمراض السكري والطب الداخلي التي كانت محل زيارة "المساء". وفي دردشة صغيرة مع بعض المرضى الخاضعين للاستشفاء بتلك المصالح، تأكد لنا أن النظافة آخر شيء يتم التفكير فيه، بالرغم من أن الوقاية خير من العلاج، حسبما يتغنى به المسؤولون، حيث قالت مريضة بأنها قبعت بمصلحة أمراض السكري لأكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما يؤهلها ـ حسبها ـ للحديث عن النظافة التي يختصرها الطاقم الطبي وشبه الطبي في قطرات ماء ترمى صبيحة كل يوم من طرف عاملة النظافة وفقط، "نحن نعاني الأمرين مع دورات المياه، خاصة في فترة الظهيرة، فنحن من يقوم بتنظيف المراحيض قبل استعمالها، وإذا طالبنا من العاملة تنظيف المكان، تصيح في وجهنا، قائلة؛ افعلوا ذلك بأنفسكم، أنا عملي أديته صباحا". من جهتها، تشير إحدى مرافقات المرضى إلى أن النظافة هي الغائب الأكبر في مصلحة أخرى، "نرى بأم العين كيف تقوم عاملات النظافة بعملهن اليومي بالكثير من التقاعس.. إنهن لا يغيرن ماء التنظيف أبدا من بداية العمل إلى نهايته.. ماء وفقط دون استعمال أي نوع من المنظفات أو المطهرات.. أو على الأقل قطرات ماء جافيل".
في السياق، يقول مسؤول بمصلحة طبية في نفس المستشفى، إن لجوء إدارة المستشفى بالتعاقد مع مؤسسات خاصة إلى النظافة حل جزءا من المشكلة، إلا أن عدم تأهيل الطواقم العاملة في التنظيف يطرح إشكالا آخر، حيث أن التعامل مع مصالح طبية وجراحية والتواجد ضمن المرضى يفرض على كل الطواقم العاملة في نطاق المستشفى تكوينا معينا، حتى لا يصاب بالعدوى الاستشفائية ولا يكون ناقلا لها". وأضاف موضحا أن الهياكل الصحية كونها تقدم خدمات علاجية على اختلافها تشكل مكانا يلتقي فيه المرضى، وبالتالي ملتقى للعديد من الجراثيم، لذلك فهي أماكن يزداد فيها خطر العدوى، خاصة إذا تدنت مستويات النظافة، وهذا يمس المرضى والأطباء والمستخدمين ويطال حتى الزوار.