البطل شبه الأولمبي يوارَى الثرى اليوم في قرية "أقني إيقغران"
وداعا محمد علاق... الأبطال لا يموتون
- 3255
انتقل إلى رحمة الله صباح أمس، العدّاء الجزائري محمد علاق عن عمر ناهز 42 سنة بعد صراع مع المرض لمدة طويلة، لتفقد الجزائر أحد أبطالها في رياضة ذوي العاهات، والذي أهداها ستة ميداليات أولمبية، خمس منها ذهبية حصدها خلال مشاركاته في الألعاب شبه الأولمبية، إضافة إلى 12 لقبا عالميا زيّن بها سجله المشرّف منذ 1994. ورغم انطفاء شمعته أمس إلا أن إنجازاته الكبيرة وتحدّيه للإعاقة في المجال الرياضي، يجعلان منه رمزا من رموز الرياضة الجزائرية، وسيبقى حيا في قلوب وأذهان كل الجزائريين، الذين كان يسعدهم في المحافل الدولية، ليبقى محمد علاك الرياضي الأكثر تتويجا على الإطلاق في رياضة المعاقين الجزائرية من دون منازع.
وكانت انطلاقة الراحل من نادي اتحاد حسين داي مرورا بجمعية بريد الجزائر، ثم مولودية الجزائر قبل أن يقرر قبل أربع سنوات، وضع حد لمشواره الرياضي المشرّف، عندما كان ينشط تحت ألوان المجمع البترولي، ليتحول بعد ذلك إلى مجال التدريب، قبل أن يوقفه المرض، الذي عانى منه في صمت لمدة طويلة، فبعد سيطرته المطلقة على المستوى الوطني والجهوي والقاري تمكن من فتح أبواب المجد العالمي بفضل إرادته الفولاذية وجديته الكبيرة في العمل؛ فقد كان علاق كبيرا، واستطاع ولوج ساحة الكبار بداية من الطبعة الأولى من بطولة العالم ببرلين بألمانيا سنة 1994، وهي المنافسة التي أعلن فيها بصراحة، انضمامه للنخبة العالمية من خلال إحرازه ميداليتين، منهما ذهبية، حيث قال آنذاك: "هذا التتويج سيبقى للأبد من أعز إنجازاتي، لأنه، بكل بساطة، فتح شهيتي للذهاب بعيدا في مشواري".
وكان له ما نواه، ليواصل ابن قرية ‘أقني إيقغران" بتيزي وزو ـ نفس قرية الفنان الكبير سليمان عازم ـ حصد الألقاب الواحد تلو الآخر، فقد كان عدّادا حقيقيا لحصد الأرقام القياسية في كل المنافسات، أبرزها الأرقام القياسية العالمية لسباقات الـ 100 متر و200 متر و400 متر، وهي الأرقام التي استمرت لعدة سنوات، وقال في ذلك: "كنت طموحا جدا، وسعيت بجدية لأن أكون مثلا يُحتذى به من طرف زملائي من جيلي وكذا الجيل الصاعد من الشباب، الذين أوكلت لهم مهمة حمل مشعل رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة. أعتقد أنني نجحت نسبيا في تحقيق هذا الهدف بالرغم من أن الإمكانيات المتاحة في وقتي كانت محدودة". وفعلا نجح علاق، الذي ترك رصيدا كبيرا وسجل اسمه بأحرف من ذهب.
وفي الألعاب شبه الأولمبية، حصد محمد علاق أول لقب له في أطلانطا بأمريكا سنة 1994، حيث فاز فيها بذهبيتين في الـ 100متر والـ 200 متر قبل تأكيد قوّته أربع سنوات بعد ذلك بإحراز ثلاث ذهبيات في دورة سيدني، ليختم الحصيلة ببرونزية في (أثينا-2004)، وتبقى دورة بكين 2008 الأخيرة في مسيرة محمد علاك الرياضية؛ "في بكين شعرت أنني فقدت الكثير من إمكانياتي، وقررت حينها وضع حد لمشواري الرياضي الدولي. رياضة الأشخاص المعاقين، مثلها عند الأصحاء، تتطلب الكثير من التحضير واللياقة البدنية العالية والاستعداد الجيد، الأمر الذي افتقدته بسبب الإصابات المتعددة". ويبقى علاق على مر الأوقات، العربة التي تقود القاطرة، حيث خطف بفضل نتائجه المشرّفة وبعفويته الكبيرة وشخصيته المرحة، حب ومساندة الجميع، وأصبح بحق الرياضي المحبوب الذي رفع راية الجزائر عاليا في مختلف المواعيد التنافسية العالمية، هذه الأسباب مجتمعة أهّلته بجدارة لتقلّد وسام "الأثير" من يدي رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سنة 2008 بملعب 5 جويلية على هامش نهائي كأس الجزائر لكرة القدم بين وداد تلمسان وشباب بني ثور.
وعن هذا التقليد أكد البطل الأولمبي الجزائري بلهجة ممزوجة بين التأثر والاعتزاز، أنه عاش أياما سعيدة جدا؛ "إنها أسعد فترات حياتي، لم أصدّق نفسي وأنا أقوم بجولة شرفية بالملعب أمام آلاف الجماهير. وما زاد من سعادتي وتأثري هو قيام رئيس الجمهورية بمنحي هذا الوسام الشرفي؛ تقديرا لي على الميداليات الذهبية الثلاث التي فزت بها في دورة سيدني. فرحتي كانت غير قابلة للوصف". وتبقى الجزائر تعتز وتفتخر بمحمد علاق، الذي سيبقى إلى الأبد مفخرة رياضة ذوي العاهات والرياضة الجزائرية بشكل عام، فنم يا محمد قرير العين، فقد تركت وراءك ما سيخلّدك إلى الأبد، فالأبطال لا يموتون، غفر الله لك وتغمدك برحمته وألهم ذويك الصبر والسلوان. وسيوارَى البطل الثرى اليوم بعد صلاة الظهر بمقبرة أقني إيقغران بتيزي وزو؛ "إنا لله وإنا إليه راجعون".