الشاعر عاشور بوكلوة لـ"المساء":

الترجمة لا تعني الخيانة، بل هي مثاقفة بالدرجة الأولى

الترجمة لا تعني الخيانة، بل هي مثاقفة بالدرجة الأولى
  • القراءات: 1356
حاوره: بوجمعة ذيب حاوره: بوجمعة ذيب

يُعد الشاعر عاشور بوكلوة واحدا من بين الشعراء المتميزين، استطاع أن يجد لنفسه مكانة كبيرة في عوالم الشعر اللامتناهية حدوده الذي لا تنضب كلماته. متواضع بشوش يحمل في عمقه هموم الكلمة العربية الراقية. "المساء" التقت به وأجرت معه هذا الحديث.

ما هو جديدك في عالم الإبداع؟ 

 بعد ديوان "غوايات الصخر والجسور" الذي طُبع في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 وديوان "الرعود التي خاصمت برقها" الذي طُبع في "مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر" بالقاهرة مطلع 2016، أعكف حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لديوان شعري جديد يحمل عنوان "خماسيات الوجد"، وهي تجربة مختلفة عما جاء في الدواوين السابقة من حيث أنها تنتمي لعمود الشعر العربي، وهي عبارة عن مقاطع من خمسة أبيات، هذا في مجال الكتابة. أما في مجال النشاط فأنا مدعو للمشاركة في تظاهرات ثقافية مختلفة، منها دعوتان إلى المغرب الشقيق للمشاركة في المهرجان الوطني للشباب المبدعين بمكناس منتصف شهر أفريل القادم، وملتقى عيون الأدب العربي نهاية شهر ماي القادم، كما سأزور معرض تونس الدولي للكتاب نهاية شهر مارس بحول الله.

هل أنت مع ضرورة تكسير الطابوهات في الكتابة الإبداعية شعرا كان أم رواية، أم أن المبدع مقيَّد بضوابط أخلاقية لا يجوز له التعدي عليها؟

 تكسير الطابوهات ليس مهمة الكاتب أو الكتابة، وليست مهمتهما المحافظة على الضوابط الأخلاقية؛ فالطابوهات مفهوم متدحرج مختلف غير ثابت. وما هو "طابو" هنا ليس بالضرورة "طابو" هناك، والأمر نفسه مع الضوابط الأخلاقية والأعراف الدينية والعادات الاجتماعية؛ فهي مختلفة وغير ثابتة. ونظرة الناس إليها تختلف من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر؛ فهي أمور نسبية تحددها إما منطقة جغرافية معيّنة أو تعاليم دين ما أو سلوكات ثقافة بعينها؛ لهذا أقول لكم بأن الكتابة أوسع من هذا؛ فهي فعل إنساني عام، والكاتب الناجح في تصوري هو الذي ينطلق من ذاته كإنسان وينتهي فيها وإليها أيضا بغضّ النظر عن هذه الضوابط وهذه الطابوهات؛ فمهمة الكاتب - في تصوري أيضا - هي خلق الانسجام بين مكونات الحياة، وكشف زيف الناس والأشياء وإظهار الجمال وبعثه ومعالجة السائد المعيش والارتقاء به نحو الممكن وفق تصورات يراها مناسبة للإنسانية كافة مع الانحياز النسبي لما يؤمن به من مقومات الحياة الكريمة التي تفرزها ثقافته ومعتقداته، والكاتب حرّ في تكسير ما يراه حاجزا بدون تحقيق حلمه، وفي التقيد بما يراه مناسبا من ضوابط اجتماعية أو دينية مادام لا يتعدى على حرية الآخر ولا يهين مشاعره وشعائره.

ماذا يمثل لك مصطلح الحداثة؟ 

أجيب على سؤالك بقول "رولان بارت": "إن الحداثة انفجار معرفي لم يتوصل الإنسان إلى السيطرة عليه، فيقع بعض الناس منبهرا به، ويقف بعضهم الآخر خائفا منه". ويرى بعض المنظرين الغربيين بأنها زلزلة حضارية عنيفة وانقلاب ثقافي شامل، وأنها جعلت الإنسان يشك في حضارته ويرفض حتى أرسخ معتقداته الموروثة؛ فهي بهذا المعنى ثورة على الدين وعلى التاريخ وعلى التراث وعلى اللغة والأخلاق وعلى المعتقدات وعلى الماضي بكل مظاهره، بل حتى على الإنسان ومنجزاته كلها؛ فهي اتجاه فكري يكرّس الثورة الشاملة على كل ما كان وما هو كائن، وينتصر فقط للمستقبل على حساب الماضي والحاضر. صدّقني إن قلت لكم عقلي الصغير لم يتوصل بعد لهضم هذا المفهوم الهدام؛ لذلك أرى أن الحداثة منهج فكري شامل لكل مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والمعيشية، يسعى لتغيير مظاهر وسلوكات الناس نحو الأفضل بدون الاعتماد على مفاهيم مترسخة سابقا، ومن ثم فهي حركة إبداع وتطوير، تهدف إلى تغيير أنماط التفكير، والعمل والسلوك وتغيير النظرة الجامدة إلى المفاهيم والمعتقدات والأشياء والكون والحياة إلى نظرة أكثر حيوية، نظرة تكفر بكل ما هو جامد، هذا في شقها الفلسفي والفكري. أما في شقها الأدبي فهي ثورة على الأشكال التقليدية للكتابة، وبخاصة عمود الشعر العربي، وهي في نظري حلقة من حلقات تطور الكتابة والأدب مادامت تستهدف البحث عن الأفضل والأرقى.

لماذا البعض يعتبر مصطلح الحداثة مشكلة؟ 

 نعم، أكيد هناك الكثير من المنظرين العرب وغير العرب الأمس واليوم وغدا يقفون في وجه الحداثة خاصة المنتصرين للدين والمنادين بضرورة المحافظة على التراث العربي الإسلامي؛ فهم يعتبرون أن الحداثة مشكلة حقيقية، بل مذهب أخطر من باقي المذاهب الأخرى كالليبرالية والعلمانية والماركسية وغيرها التي تحارب الدين والأخلاق؛ فهي عند كثير من الدعاة تتنافى مع ديننا وأخلاقنا الإسلامية؛ لكونها معول هدم، جاءت لتقضي على كل ما هو إسلامي دينا ولغة وأدبا وتراثا إضافة إلى أنها تروّج لأفكار ومذاهب هدامة في نظرهم، وهي أخطر وأشد فتكا بقيم المجتمع العربي الإسلامي؛ لأنها تحاول القضاء عليه والتخلص منه وإحلال محله مجتمع يؤمن بالفكر الغربي المبني على العقل وحده.

هل تعتقدون أن الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية متفوق على نظيره المكتوب بالعربية؟ 

هذا السؤال أكبر من اطلاعي لأجيب عنه بموضوعية، ولكني أعتقد أن التفوق تحدثه بعض النصوص من هذا الأدب المكتوب بالفرنسية أو من الآخر المكتوب بالعربية، ويبقى الإعلام وحده من يكرس تفوّق هذا أو ذاك، ولا أتصور أن مسألة التفوق اللغوي مسألة جوهرية؛ فالمهم أن يكون أدبا جزائريا معبّرا عن قيم المجتمع وجمالياته، مبرزا خصوصية الإنسان الجزائري وطبيعته، ثم بعدها يكتب بالعربية أو بأي لغة أخرى؛ فلا مشكل طبعا مع انحيازي الشخصي التام للغة العربية؛ باعتبارها مقوما أساسيا من مقومات الوطن.

هل تعتقد أن ترجمة أي عمل جزائري إلى اللغة العبرية هو نوع من التطبيع والخيانة؟ 

لا أبدا الترجمة لا تعني الخيانة ولا تعني التطبيع ولا تعني الانصهار أو الذوبان في الآخر. الترجمة هي مثاقفة بالدرجة الأولى، وهي نقل المعارف والعلوم والآداب من لغة إلى أخرى، وقد تحدُث بدون علم الكاتب أو تحدُث لنصوص وأعمال توفي أصحابها، أو هي من التراث فقط، يمكننا أن نعتبرها نوعا من التطبيع في حالة واحدة، وهي أن تكون هذه الترجمة وليدة اتفاقية مشتركة تبرَم بين مؤسستين تابعتين للدولتين.

كيف تنظرون اليوم إلى المشهد الثقافي في الجزائر؟ 

المشهد الثقافي في الجزائر يتمظهر في جوانب مختلفة، منها المطبوع ومنها المصور ومنها المنطوق. وأتصور أن الوضع في مجمله في حركية مقبولة نسبيا من حيث ظاهرها؛ لأننا نعيش حركية طبع أفضل من الأعوام السابقة وحركية إنتاج أفضل وحركية تفاعل تؤثثها الملتقيات والمهرجانات الثقافية، وهي أيضا أفضل من الأعوام السابقة. وكما تلاحظ فإن هناك اهتماما واضحا بالإنتاج الأدبي في وسائل الإعلام، وعند المجتمع والدولة أيضا، إضافة إلى كل ذلك ها هي مواعيد ثقافية وأدبية تحاول بلورة المشهد الثقافي وإعطاءه الصورة التي تليق به من خلال موعد مع الرواية وبيت الشعر وشاعر الجزائر وغيرها بدون أن ننسى ما يقدَّم في مجالي السينما والمسرح مدعوما بما أُنجز من هياكل ومؤسسات ثقافية كبرى وما ستقدمه المكتبات الرئيسة من دعم لتفعيل المشهد وترسيخ القراءة بشكل كبير؛ لذا أتصور أن المشهد في حاجة إلى تقويم وإلى ضبط المعايير بصورة دقيقة، ليرقى إلى المستوى المنتظر قبل أن يعُمّ التمييع، فيصبح كل من يهذي شاعرا، وكل من يروي روائيا، وكل من يكتب حرفا كاتبا، وكل من يعطي انطباعا أو رأيا ناقدا، ليبقى كل هذا في حاجة إلى المتابعة المستمرة والدعم المتواصل خاصة من وسائل الإعلام، لترسيخ الثقافة كسلوك يومي لدى المواطن. ولا أخفي عليك إن قلت بأنني أحلم أن أرى المسارح - مثلا - مفتوحة يوميا أو أسبوعيا على أقل تقدير، وأن يصبح ارتيادها عادة في سلوك الجزائري.

ألا ترى أن اتحاد الكتّاب الجزائريين اليوم تحوّل إلى ما يشبه حزبا سياسيا؟ إن كان كذلك كيف يمكن إصلاح الوضع؟ 

يؤسفني أن أرى اتحاد الكتّاب الجزائريين يتحول إلى مجرد جمعية وطنية للكتاب ولا فرق بينه وبين الجمعيات الوطنية الأخرى؛ سواء الثقافية أو الخيرية أو السياسية أو الحرفية. يؤسفني فعلا أن يكون الاتحاد مصدرا للتفرقة حينا وللسخرية حينا وللإقصاء حينا آخر. يؤسفني أيضا أن أرى الاتحاد مشلولا من أي نشاط إلا ما تكرمت به بعض الفروع الولائية من حين لآخر، ويؤسفني أن يكون تمثيل الجزائر في المحافل الأدبية والثقافية مقتصرا على أعضاء الهيئة القيادية للاتحاد من جهة، أو على الاجتهادات الشخصية للكتّاب من خارج الاتحاد، فأصبح كل من له علاقات شخصية بأي جهة تنظم تظاهرة ما، يمثل الأدب الجزائري، وانظر معي من مثل الجزائر في مهرجان المربد الشعري بالعراق، وهو أكبر مهرجان شعري عربي فعلا، يؤسفني أن يطلّق الكتّاب اتحادهم وأن يقصي الاتحاد كتّابه.. الوضع مخز.

ماذا تقول عن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية؟ 

 لا يمكنني أن أقول أشياء كثيرة لأنني لم أحضر فعالياتها، قرأت بعض ما كُتب عنها، شاركت في أمسية شعرية بجامعة قسنطينة، وحضرت مستمعا في ليلة المغرب ضمن ليالي الشعر العربي، ومستمعا في أمسية الخليج العربي التي أقيمت بسكيكدة، ربما أجمل ما حصل فيها هو ما بقي لأهل قسنطينة، الذين غُيّبوا عن التظاهرة، بحسبما قرأنا؛ من منشآت وهياكل وإصلاحات وترميمات.

شاركت في مسابقة شاعر الجزائر ولم تتأهل للدور الثاني، حدثنا عن هذه التجربة؟

أولا أقول إن مشاركتي في مسابقة شاعر الجزائر كانت دعما للفكرة ومساندة للشعر، وهي المسابقة الأولى والوحيدة التي تقدّم الشعر في برنامج تلفزيوني جزائري بغضّ النظر عن كل ما صاحب الفكرة من كلام وتهم وتأويل، وثانيا مازلت أدعم المسابقة والبرنامج بكل ما أقدر عليه ولو بالمشاهدة والدعوة لها، وذلك أضعف الإيمان، وثالثا ما أقوله الآن هو من باب النقد البنّاء، والغرض منه هو تطوير البرنامج وتحسينه. وفيما يخص عدم تأهلي فذاك راجع لأسباب أراها لخطأين ارتكبتهما؛ فالأول حين صدّقت أن المسابقة لا تعير أهمية كبيرة للشكل الشعري المقدم، وأن اللجنة والهيئة المديرة للمسابقة تقيّم النصوص على محمولاتها وجمالياتها الشعرية فقط.

كلمة أخيرة

أناشد الوزير الشاعر عز الدين ميهوبي والسيد والي ولاية سكيكدة، مساعدتنا في إعادة بعث مهرجان الشاطئ الشعري.