محاكمة الإعلام العربي في اختتام أشغال مؤتمر اللاجئات بالقاهرة

تقصير في القضايا الإنسانية وتوظيف سياسي مفضوح

تقصير في القضايا الإنسانية وتوظيف سياسي مفضوح
  • 683
مبعوثة "المساء" إلى القاهرة: حنان حيمر مبعوثة "المساء" إلى القاهرة: حنان حيمر

تحول اليوم الأخير من مؤتمر قضايا اللاجئات والنازحات الذي اختتم أشغاله مساء الخميس بالعاصمة المصرية إلى جلسة محاكمة للإعلام العربي الذي لم يقم بالدور الذي كان يتعين عليه القيام به للتحسيس بقضية اللاجئات والنازحات في الوطن العربي وعدم الاعتماد على ما تكتبه وسائل الإعلام الغربية. وأجمع المتدخلون على القول أن وسائل الإعلام العربية لم تقم بدورها لإبراز معاناة اللاجئين في مختلف البلدان العربية التي تعيش حروبا أهلية واكتفت بـ«استنساخ" ما يكتبه الإعلام الغربي والتركيز فقط على الجوانب السلبية منه. وخصصت الجلسة التي ترأستها الإعلامية ميسون عزام لمناقشة "موقف الإعلام العربي من قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة" عرض خلالها ياس عبد العزيز الباحث في الشأن الإعلامي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر دراسة حول الكيفية التي غطى بها الإعلام العربي قضايا اللجوء والنزوح حيث أكد على فشل واضح في تشخيص ظاهرة اللجوء بعد أن أخذت التغطية الإعلامية لها "منحى توظيفيا".

وأخذ هذا التوظيف شكلا تجاريا بعد أن تحولت القضية إلى قضية اتجار بالبشر والدعارة في مخيمات اللاجئين بينما استغلها آخرون استغلالا سياسيا "مفضوحا" من خلال سعى أطراف النزاع إثارتها للدفاع عن مواقفها أو استخدامها كورقة"تخويف" بالنسبة للأطراف التي توجد بعيدا عن نطاق هذه النزاعات. وهو ما جعله يدعو الإعلام العربي للاعتماد على قدراته الذاتية حتى يتمكن من معالجة حقيقية لهذه المعاناة الإنسانية بعيدا عن أي عن توظيف يخرجها عن طبيعتها وحتى تبقى بمعزل عما وصفه بـ«الكيد السياسي بين الأطراف المتنازعة". وأكدت وزيرة الإعلام المصرية السابقة درية شرف الدين أن التغطية الإخبارية طغت عليها مواقف "الأطراف المتحاربة" في موقف قاسمها فيه المصور الصحفي احمد هيمن الذي زار مخيم الزعتري للاجئين بالأردن ووقف على حقيقة أن وسائل الإعلام العربية "لا تولي أهمية لمعاناة اللاجئين" وتفضل بدلا عن ذلك الاعتماد على ما تروج له وكالات الأنباء العالمية.

وفي نفس السياق أعابت نفيسة لحرش الناشطة في مجال حقوق المرأة بالجزائر اعتماد الإعلام العربي في نقله لقضايا اللاجئين من المصادر الإعلامية الغربية مستشهدة في ذلك بظاهرة زواج القاصرات التي تم الترويج لها دون التأكد من حقيقتها في أرض الواقع. وأضافت أن المشكل المطروح أن "الأطراف المتورطة في سفك الدماء والنزاعات تستخدم الإعلام لتبرير صراعها"، وهو ما انعكس سلبا على لجوانب الإنسانية في هذه الحروب. ولم يخرج تدخل مرفت تلاوي المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية عن سياق اللوم على وسائل الإعلام العربية والغربية على السواء معتبرة أن الجانبين قصرا بشكل كبير في ايلاء الاهتمام الكافي بقضايا اللاجئين متهمة الدول الغربية بافتعال النزاعات في المنطقة العربية دون أن يقوم الإعلام العربي  بفضح ذلك للرأي العام العربي مما جعلها تحمله "مسؤولية تاريخية" في هذا المجال.

ولكن ماجد عاطف الإعلامي بوكالة "بوزفيد" الأمريكية  دافع عن الإعلام الغربي بقناعة انه قدم أشرطة وثائقية هامة عن اللاجئين في الدول العربية رافضا القول بأنه يهتم فقط بالجوانب الجنسية، رغم اعترافه أن بعض القنوات الغربية ركزت فعلا على ظاهرة زواج القاصرات واهتمامها فقط باللاجئين السوريين وتناست نظراءهم في دول عربية أخرى. واعتبر في الختام أن مواقف الإعلام الغربي بالقضايا العربية، تبقى رهينة مصالح الدول الغربية بالنظر إلى كون الظاهرة انعكست على نسيجه الاجتماعي وعلى حسابات قواها السياسية. 

وبالإضافة إلى هذه الظاهرة فقد شكلت الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش" جزء من نقاش المؤتمر تمت الإشارة خلاله إلى لجوء هذه الجماعات لاستخدام تقنيات إعلامية متطورة من اجل "زرع الخوف" في نفوس الشعوب العربية ضمن خطة مدروسة لتحقيق أهدافها. واختتم المؤتمر بإصدار بيان ختامي أكد على ضرورة الوقف الفوري للأعمال القتالية والعسكرية التي تشكل السبب الأساسي في تراكم أزمتي اللجوء والنزوح. بما يستدعي توافقا سياسيا إقليمي ودوليا حقيقيا "و"احترام مبدأ لم شمل الأسر وحث الدول على توفير حلول ملائمة لتحقيق هذا الهدف. كما طالب المؤتمرون مجلس الأمن الدولي بالعمل على تنفيذ القرار 1325 بشأن المرأة والأمن والسلام وإلى دعم الدول العربية المستقبلة للاجئين حتى تتمكن من توفير ظروف المعيشة الكريمة لهم. كما طالب البيان بتعزيز الدعم الدولي الموجه للاجئين والعمل على ضمان وصول هذا الدعم لمستحقيه وإشراك اللاجئات في عمليات صنع القرار الرسمية وغير الرسمية على مختلف المستويات.

ودعا إلى تنشيط آلية الإغاثة الإنسانية لجامعة الدول العربية التي تأسست بموجب قرار القمة العربية في الكويت شهر مارس 2014 وتكثيف الجهود العربية من أجل حل المشاكل القانونية والإدارية التي تواجه اللاجئين من خلال منح قضايا حماية اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية أولوية على جدول أعمال جميع الاجتماعات العربية الرسمية. وأكد بيان المؤتمر على ضرورة كسر الحاجز النفسي بين اللاجئ والبلد المضيف بكيفية لا يشعر فيها بالاغتراب وحتى لا يظهر كعبء على البلد المضيف ولكن كمورد بشري يعزز ثراء الموارد البشرية الوطنية. ودعا إلى قيام وسائل الإعلام العربية بتوجيه اهتمام أكبر لقضايا اللجوء والنزوح والتعريف بأبعادها ومراعاة طرح الجانب الإنساني لهذه الأزمة وتدريب الإعلاميين على كيفية مقاربة هذه القضايا وتطوير قدرات المؤسسات الإعلامية على اعتماد أدلة ومدونات مهنية وسلوكية لتعزيز تغطية تلك القضايا.