رئيس مجلس المنافسة يطمح لاستعادة دوره في ضبط السوق
المطالبة بإعادة النظر في القانون واسترجاع استقلالية الهيئة
- 777
دعا رئيس مجلس المنافسة، عمارة زيتوني، إلى إعادة النظر في القانون المنظم لعمل المجلس، مشيرا إلى أنه بعد التعديلات التي مسته في السنوات الأخيرة، أصبح عاجزا عن أداء مهامه، بسبب حرمانه من الإمكانيات البشرية والمادية، وخصوصا من "استقلاليته" التي تمكنه من أداء دوره في ضبط السوق، لاسيما في الفترة الراهنة. وضم خبراء ومتعاملون اقتصاديون أصواتهم إلى صوت السيد زيتوني، داعين إلى ضرورة إحياء هذه الهيئة وتمكينها من الاضطلاع بمهامها.
وأكد السيد زيتوني على ضرورة إعادة النظر في الأمر رقم 03-03 الصادر في جويلية 2003 المتعلق بالمنافسة، بما يسمح بتجسيد المبادئ التي نص عليها دستور 2016 في مادته الـ43، التي تنص على "تكفل الدولة بضبط السوق ومنع الاحتكار والمنافسة غير النزيهة"، معتبرا أن التعديلات التي أجريت على هذا الأمر في 2008 ثم في 2010 زادت الطين بلة، وأفرغت المجلس من المهام المنوطة به.
وأهم العوائق التي ذكرها رئيس المجلس في تصريحات صحفية على هامش اليوم الدراسي المنظم، أمس، بالعاصمة، حول "دور مجلس المنافسة في ضبط السوق"، غياب مقر للهيئة، وهو ما يحرمها من توظيف موارد بشرية، حيث يعمل حاليا بثلث حاجياته. وقال المتحدث "منذ 20 سنة ونحن نقدم تقاريرنا إلى رئاسة الحكومة والبرلمان بغرفتيه ووزارة التجارة، فنحن حاليا نعمل بـ28 موظفا في حين أننا نحتاج إلى 250".
لكن الأهم من ذلك، كما أضاف، هو تقليص استقلالية المجلس ومهامه، والأدهى أن قانون 2003 شكل تقهقرا مقارنة بقانون 1995 الذي أنشئ بموجبه مجلس المنافسة، وهو ماجعل الجزائر تتراجع في هذا المجال مقارنة بجيرانها كما أشار إليه، دون إغفال "التناقضات" التي حملها النص القانوني الجديد، والتي يأمل أن يعالجها التعديل، إضافة إلى تغييب القضاة عن عضوية المجلس، التي باتت تقتصر على خبراء وعاملين في مجال حماية المستهلك.
ولذلك، فإن السيد زيتوني يطالب بتغيير 90 بالمائة من النص القانوني، مذكرا بأن الحكومة أوكلت مهمة دراسة هذا الأمر لخبراء دوليين تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "كنوسيد"، التي تحضر لخبرة جديدة في هذا المجال، بهدف تأهيل المجلس مع المعايير الدولية.
أما بخصوص مسألة "الوصاية" على مجلس المنافسة التي انتقلت من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة ثم وزارة التجارة، فإن السيد زيتوني رفض كلمة "وصاية" وقال في هذا الخصوص "الوصاية لايجب أن تكون علينا كمجلس...لأنه يجب أن يكون مستقلا مثل كل هيئات الضبط... وهذه الاستقلالية ليست تجاه الدولة لأنه يعمل باسم الدولة، لكن تجاه التدخلات في عمله... فيجب التفريق بين أن تكون تابعا لجهة إداريا وأن تكون تحت وصايتها... فمبدأ الاستقلالية عالمي".
رغم العوائق.. النظر في أكثر من 100 قضية
لكن رغم هذه "العوائق"، فإن المجلس الذي "جمد" عمله لمدة 10 سنوات، عاد للنشاط في السنوات الأخيرة ويواصل عمله الذي يقدمه في نشرياته الدورية، حيث فصل في العديد من القضايا المطروحة عليه، في هذا السياق صرح رئيسه "لايمكننا أن نغطي الشمس بالغربال، لدينا عوائق لكننا نعمل والحوصلة التي قدمناها في نشريتنا تشير إلى أننا فصلنا في أكثر من 100 قضية قديمة وجديدة". وأجمع الخبراء الذين نشطوا اليوم الدراسي على أهمية استعادة المجلس لقوته وهيبته، لاسيما في الوضع الراهن. وقال الأستاذ الجامعي محمد شريف بلميهوب إننا نحتاج إلى "هيئات قوية لضبط الأسواق، ووضع قواعد تسير هذه الأسواق بفعالية"، مشيرا إلى أن الجزائر في واقع الحال لاتملك "اقتصادا تنافسيا"، لان هناك حالات احتكار واضحة. رغم أنه اعتبر أن فرض "‘احتكار نسبي" في بعض القطاعات لابد منه أحيانا وهو "أحسن من المنافسة" خاصا بالذكر الصناعات الصيدلانية والطاقة وتكنولوجيات الاعلام والاتصال.
على صعيد آخر، قال الخبير الاقتصادي إن أفضل طريقة لمواجهة ظاهرة تضخيم الفواتير وبالتالي ارتفاع حجم الواردات ليس "نظام الحصص" وإنما "البيع بالمزاد العلني" الذي اعتبره أحسن طريقة لتسيير المنافسة.
من جهته، قال الخبير مصطفى مقيدش أن مشكل الجزائر هو الانتقال "العنيف" من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق الذي منح مكانة هامة للاقتصاد الموازي، وهو ماتعاني منه البلاد لحد الآن، مشيرا إلى أن خلق هيئات الضبط تم فقط استجابة لرغبات الهيئات المالية الدولية في سياق معين، ثم للتماشي مع متطلبات اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لذا تبقى هيئات بدون روح. وأكد أن الفترة الحالية مواتية لإعطاء هيئات مثل مجلس المنافسة نفسا جديدا من أجل العمل بقوة وبطريقة جيدة، لكن بشرط التخلص من كل "بؤر الريع".
وبالنسبة لمقيدش، فإن غياب دور مجلس المنافسة ساهم في استفحال الكثير من الظواهر السلبية، منها عدم انعكاس المزايا الاستثمارية بالجزائر- لاسيما سعر الطاقة المنخفض- على أسعار المنتجات، خاصا بالذكر الاسمنت والحديد، إضافة إلى مشكل وكلاء السيارات المطروح حاليا، وكذا مواصلة احتكار توزيع الكهرباء من طرف سونلغاز رغم صدور قانون لفتح الاستثمار في هذا المجال.
وبدوره، شدد رئيس الكونفدرالية العامة لأرباب العمل، عبد المجيد دنوني، على ضرورة إعطاء الأولوية لمجلس المنافسة في تنظيم السوق، من خلال منحه "الأهمية والقوة والحرية ووضعه مباشرة تحت سلطة رئيس الجمهورية، ليلعب دوره كما يجب وينظم الأسواق".
وأكد أن الجزائر يمكنها أن تعيش بـ30 مليار دولار واردات سنويا، وليس 60 مليار دولار المسجلة العام الماضي، التي كان يمكن التقليص منها لو أتيح للمجلس أن يحدد حصص الاستيراد. حيث أشار إلى أن للمجلس دورا يلعبه في دراسة الأسواق والأسعار داخل وخارج الجزائر، لكنه لم يقم به بعد تهميشه.
واستغل المتحدث قرب انعقاد الثلاثية التي ستخصص لإعداد سياسة اقتصادية جديدة للدعوة إلى الاهتمام بالمجلس واسترجاعه لصلاحياته واستقلاليته ومنحه الامكانيات المادية والبشرية ليضطلع بمهامه جيدا. أما بالنسبة للخبير الاقتصادي عمار بلحيمر، فإنه لايمكن اليوم الحديث عن "المنافسة والضبط" في الجزائر طالما أننا "لانحترم حرية التجارة والصناعة في غياب نظام واضح للملكية الفكرية".