فيما فتح الدرك تحقيقا معمّقا
اتهامات في كل الاتجاهات حول حريق ميناء سيدي فرج
- 640
تسبّب الحريق الذي شبّ بالمرفأ السياحي البحري لميناء سيدي فرج غرب الجزائر العاصمة، في إتلاف 12 يختا أتت عليها ألسنة اللهب؛ ما كبّد أصحابها خسائر مادية كبيرة بدون تسجيل أي إصابات في صفوف البحارين. ولاتزال تُجهل أسباب نشوب هذا الحريق التي عرفت روايات وتأويلات عديدة في انتظار ما سيكشف عنه التحقيق الذي فتحه الدرك الوطني لفك الملابسات وتحديد المسؤوليات في ذلك، لكن الذين تحدثوا إلى "المساء" من البحارة وأصحاب الزوارق اختاروا أقرب الطرق، ووجهوا أصابع الاتهام إلى الجهات المسؤولة عن تسيير هذا المرفأ، التي حمّلها المتضررون مسؤولية التسيّب والتهاون في توفير شروط تأمين مثل هذه الفضاءات البحرية.
تطلّب التدخل لإخماد الحريق الذي اندلع في ساعة متأخرة من ليلة أول أمس السبت إلى الأحد، حسب المدير الفرعي للإحصائيات بالمديرية العامة للحماية المدنية السيد فاروق عاشور، تجنيد 10 فرق كاملة لتطويق ألسنة اللهب الكثيفة التي تمت السيطرة عليها في آخر المطاف بصعوبة كبيرة، وهذا بعد إخلاء فضاء المرفأ من البحارين وكافة اليخوت التي كانت مركونة بعين المكان. وأضاف السيد عاشور في تصريحه للصحافة، أن مصالح الحماية المدنية بسيدي فرج تدخّلت فور إعلامها بنشوب حريق على متن يخت تابع لأحد البحارة، حيث تمكّن أعوان الإطفاء من السيطرة عليه بعد عدة ساعات، لكن لم يحل ذلك دون أن تمتد ألسنة النيران إلى اليخوت الأخرى التي أتلفتها عن آخرها وتغرقها بالكامل، والمقدر عددها بـ 12 يختا.
تأويلات عديدة... والفاعل مجهول
حسب تصريحات العديد من البحارة ومالكي هذه اليخوت الذين تحدثوا إلـى "المساء"، فإن أسباب اندلاع هذا الحريق تظل مجهولة وغير واضحة بشكل رسمي. وأكد البعض أن ذلك يعود لسبب تقني في محرّك يخت، تسبب في اشتعال النيران به وانتقالها إلى 12 يختا مجاورا له؛ ما أدى إلى إتلافها بشكل كلي لعدم قدرة صاحب اليخت على إبعاد هذه الأخير عن المكان لتفادي خسائر مادية أخرى، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فيما أكد البعض أن السبب الرئيس في حدوث هذا الحريق يعود إلى إقامة أحد الشباب حفلا لعيد الميلاد على مستوى يخت وسط المياه بالمرفأ، حيث نسي هؤلاء الشباب شمعة كانت مشتعلة؛ ما أدى إلى نشوب الحريق، لكن آخرين ذهبوا بعيدا واعتبروا ما حصل بفعل فاعل ومجهولين، يراد من ورائه وضع حد لنشاط هؤلاء البحارة على مستوى المرفأ، باعتبار أنهم يؤجّرون يخوتهم للمواطنين والعائلات وحتى الأجانب، للراحة والاستجمام وقضاء أوقات ممتعة وسط مياه البحر في إطار الاستثمار في القطاع السياحي البحري، وهو الطرح الذي يرجحه أغلب البحارة والمشتغلون بهذا المرفأ البحري.
مسيّرو مرفأ سيدي فرج في قفص الاتهام
في السياق، تقاطعت تصريحات البحارة المتضررين حول تحميل مسؤولية اندلاع هذا الحريق للجهة المسيّرة للمرفأ، متهمين إياها بالتهاون والاستخفاف في توفير شروط ووسائل حماية وتأمين الميناء من احتمال حدوث حوادث مماثلة، على غرار الحرائق أو حالات الغرق والأعطاب التقنية الأخرى، من ذلك أكد عمي محمد، وهو أقدم البحارين بهذا المرفأ، أن هذا الحادث المؤسف يقع على عاتق المسؤولين القائمين على تسيير المرفأ البحري لميناء سيدي فرج، باعتبارهم لم يكلّفوا أنفسهم عناء تزويد الميناء بوسائل وشروط الحماية من الحرائق؛ بدليل افتقار المكان لخزانات المياه الخاصة بالإطفاء وأجهزة الإنذار وفرق خاصة للتدخل للحماية المدنية على مستوى المرفأ، إلى جانب غياب عمليات الصيانة خاصة فيما يتعلق بكوابل الكهرباء، موضحا أنه لو توفّرت كل هذه الشروط لما وقع هذا الحادث مثلما جرى في ميناء أرزيو مؤخرا (تسجيل 08 وفيات) ولما كانت الخسائر المادية بالحجم المسجّل في الميدان.
وانتقد بحّار آخر القائمين على هذا المرفأ الذين بادروا عوض أن يقوموا بتأمين هذا الموقع البحري، بزيادة نسبة اشتراك هؤلاء البحارة في حق استغلالهم نشاط هذه اليخوت في إطار الضرائب والإتاوات، حيث يجبر كل بحار مالك اليخت على دفع ضرائب واشتراكات كل 31 جانفي من كل سنة تقدَّر بـ 300 ألف دينار؛ أي ما يعادل 30 مليون سنتيم، وهو ما اعتبروه "عقابا"؛ لأنه لا يعكس حقيقة مداخيلهم، علما أن أغلب هؤلاء البحارين متقاعدون ويبقى نشاطهم مهددا بالزوال في حال عدم الدفع. كما يجدون أنفسهم مجبَرين على دفع 10 بالمائة من قيمة اليخت في حال عرضه للبيع، وهو ما رفضه جل البحارين. كما طالبوا بتوسعة محيط المرفأ، ليتسع لكافة اليخوت الراسية بالمكان مع تخصيص منافذ للنجدة.
نطالب بكشف الحقيقة ونرفض اللجوء إلى العنف
ومن جهة أخرى، طالب الشباب المشتغلون بمرفأ سيدي فرج الجهات الأمنية بكشف الحقيقة وإطلاعهم على الأسباب الرئيسة التي تقف وراء هذا الحادث، والعمل على تحديد المسؤوليات بإقرار المتابعة القضائية، وعدم التساهل مع الفاعل أو الفاعلين، وهذا طبعا في حال ثبوت فرضية العمل الإجرامي في هذا الموضوع، مؤكدين ضرورة العمل على إزالة كل الشكوك وقطعها باليقين، والقيام بإجراءات تعويض المتضررين؛ باعتبارهم مؤمّنين لدى هيئات التأمين. كما رفض هؤلاء اللجوء إلى استخدام العنف للمطالبة بتعويض يخوتهم المحروقة، معتبرين أن تحقيقات الجهات الأمنية كفيلة بكشف المستور وإعطاء الحقيقة كاملة عن هذا الحريق الذي يبقى مجهولا إلى حد الساعة.
كل شيء وارد في انتظار نتائج التحقيقات الميدانية
من جهتهم، باشر أعوان الفرقة التقنية للتحقيقات التابعة للقيادة العامة للدرك الوطني منذ صبيحة أمس الأحد، مهامهم في إطار تحقيق معمّق لتحديد ملابسات الحادث، حيث تم تطويق مكان نشوب الحريق ومنع كل شخص من الاقتراب إلى غاية استكمال كافة إجراءات تحديد البصمات وتحليل العيّنات والمواد المحترقة من هياكل اليخوت. وأكد المكلّف بالإعلام بقيادة الدرك الوطني عبد الحميد كرّود، أن أعوان الفرقة التقنية التابعة للدرك لايزالون يقومون بمهامهم في سبيل تحديد ملابسات هذا الحريق والعمل جاهدين على تحديد المسؤوليات، "حيث لا يمكننا كجهاز درك، أن نعطي أي معلومات مهما كانت أو نتهم أي طرف أو شخص أو نفصل في أي احتمال ما لم ننته من كافة التحقيقات الميدانية". وأضاف: "سنضمّن كل المعطيات والمعلومات المستقاة من نتائج التحقيق في ملف أو محضر قضائي سيسلَّم لوكيل الجمهورية للبت فيه، مع تحديد أحقية التعويضات للمتضررين". ورفض الإدلاء بأي تصريح صحفي في هذا الشأن أو تأكيد فرضية معيّنة، مكتفيا فقط بالقول إن "كل الأمور هي قيد التحقيق". النقيب سهلي هواري نفى الأخبار التي تتحدث عن توقيفات، وأكد أنه لم يتم توقيف أي شخص أو بحّار أو وضعه رهن الحبس الاحتياطي، مؤكدا أنه تم استدعاء البحارة المشتغلين بالمرفأ بشكل قانوني، كشهود للاستماع لأقوالهم وتدوين شهاداتهم حول هذا الحريق؛ لا أكثر ولا أقل.