شعلى هامش معرض الزهور في طبعته الثانية بعنابة

مشاتل للزينة والبستنة في أيادي المساجين

مشاتل للزينة والبستنة في أيادي المساجين
  • 1583
هبة أيوب هبة أيوب
تنوعت أجنحة معرض الزهور في طبعته الثانية بعنابة، الذي تحتضنه ساحة الثورة بوسط المدينة على مدار أسبوعين كاملين، بين عرض مختلف مشاتل نباتات الزينة، وتربية المائيات، إلى جانب تقديم زاوية خاصة بالفنون التشكيلية والتحف الفنية الرائعة المستوحاة من التراث القديم، منها الأواني الفضية والنحاسية، إلى جانب الإبداع الفني الذي أضفى على المعرض الذي شارك فيه 45 عارضا لمسة خاصة، بتخصيص جناح لإبداع المساجين يظهر من خلال نشاطاتهم التي جذبت أكبر عدد من الزوار والسياح الأجانب.
كانت محطتنا الأولى بالمعرض جناح مشتلة مساجين المؤسسة العقابية العلاليق، التي يشرف عليها عون إعادة التربية بنفس المؤسسة، السيد عباس عمار الذي عرفنا على مختلف نباتات الزينة المعروضة بتشكيلات محلية متنوعة ذات ألوان ربيعية وصيفية، وأضاف السيد عباس أن أهم النباتات المعروضة للبيع هي أشجار غابية منها؛ "كاسحة الرياح" ونبات العطرشة والصبار والجيرانيوم وزهور أخرى أخذت منها العائلات العنابية مكانا لتزيين شرفات المنازل، لإعطائها إشراقة خاصة، علما أن هذه المشاتل التي جذبت عددا معتبرا من الزوار يشتغل عليها عدد من المساجين من ذوي العقوبات قصيرة المدى، وهي من بين الحرف التي تدخل في إطار سياسة إدماج المساجين في المجتمع، مع تكوينهم في عدة اختصاصات توفرها المؤسسة لتأهيل المسجون بعد فترة الخروج منها. وهي النشاطات التي تعطي المسجون نفسا إيجابيا يقضي على الفراغ في حياته ويغير ذهنيته التي تدوم 6 أشهر، حسب السيد عباس.
وبعد انقضاء هذه الفترة التي تنتهي مع نفاذ العقوبة، يتم استحداث ورشات خارجية، وعليه تتابع مؤسسة العلاليق المسجون مهنيا. وقدم لنا نفس المتحدث شهادات حية عن بعض المساجين الذين تمكنوا من فتح فضاءات للمشاتل الخضراء والمشاركة في المعارض الوطنية والدولية، وآخرين قاموا بفتح مؤسسات مصغرة، ومنه توفير مناصب إضافية للبطالين، إلى جانب هذا، مايزال هؤلاء الذين انتهت عقوبتهم بالمؤسسة العقابية العلاليق يعززون مشاركتهم مع المؤسسة في المعارض ومساعدتها على توسيع نشاطها وتكوين أكبر عدد من المساجين لتفعيل النشاط الحرفي، خاصة في شعبة تربية النحل والبستنة، علما أن المؤسسة العقابية بوزعرورة كانت حاضرة هي الأخرى من خلال عرض كميات معتبرة من عسل النحل التي لقيت رواجا كبيرا من طرف الزوار، لأن الطريقة التي يتم بها إنتاج مادة العسل مستوحاة من الطبيعة.
جناح التراث العنابي الذي احتضن تحفا فنية وأواني نحاسية شهد هو الآخر إقبالا واسعا من طرف طلبة الجامعة والمثقفين والنساء، حسبما أكدته لنا السيدة حكيمة مناصرية، عضو بجمعية حماية التراث العنابي التي أشارت إلى أن الجمعية حديثة النشأة ومهامها ترتكز حول الحفاظ على الموروث التقليدي والثقافي لمدينة عنابة، خاصة الأواني المنزلية التي كانت تستعملها المرأة الجزائرية في وقت مضى في حياتها اليومية، من بينها الفرن القديم الذي تعدى عمره 200 سنة، ويشغل بالفحم والحطب، وهي القطعة التي جلبت أكبر عدد من الزوار إليها، حيث أخذوا صورا لها من أجل حفظها في الذاكرة الجماعية، إلى جانب تزيين الجناح بقطع من النحاس، منها طاقم خاص بالقهوة والشاي، علما أن الصينية العنابية القديمة كانت لا تخلو من هذه التحف المصنوعة من النحاس الخالص التي تعتبرها العائلات من أجمل القطع التي تعطي البيت قوة مميزة، خاصة بوجود القدر النحاسي الذي كان يجمع الأهل في المناسبات والأفراح. تزين المعرض كذلك بالحقائب اليدوية التي كانت تستعملها العروس قبل 100سنة، والمصنوعة من أشجار الزان والسنديان، بالإضافة إلى المحبس وهو أجمل قطعة كانت تأخذها العروس العنابية لغسل أطراف زوجها، وهو دليل على الطاعة والاحترام. وفي الزاوية الأخرى، عرضت جمعية حماية التراث العنابي عدة أفرشة تقليدية، منها الزرابي والحنبل والصوف. أما الألبسة التقليدية فتمثلت في "قندورة المجبود" العنابية ذات اللون "العنابي" وهو اللون الموحد الذي كانت تأخذه العروس إلى بيت الزوجية، بالإضافة إلى هذا تم تقديم تشكيلات رائعة من السلال والقناديل منها "الكانكي" الخاص بأهل القرى والقنديل العادي الذي كان يستعمله الرجل في المدينة.
من جهته، أكد الباحث والمختص في الأثاث العنابي القديم، السيد عبد الكريم نواجي، أن مثل هذه التحف في طريقها للانقراض، والجيل الحديث لا يعرف عنها شيئا بعد أن تم تهريب العديد منها إلى الدول المجاورة أو إلى متاحف باريس، ليضيف أنه تم تجميع هذا التراث من عدة منازل بمختلف ولايات الوطن، منها قسنطينة، عنابة، وهران والعاصمة وغيرها من المناطق الأخرى، إلى جانب التنقل إلى الأسواق الشعبية والأحياء القديمة. وطلب الباحث من الجهات المحلية الاعتناء بهذا التراث لأنه جزء من التاريخ وتقاليد أجدادنا، مع إحياء يوم وطني خاص بالتراث القديم من أجل تعريف الأجيال بهذا الموروث الثقافي وحفظه في الذاكرة الشعبية.