أنطاليا ‘’السياحة الحلال":
باب آخر للإغراء والثراء

- 621

يرتبط عادة مفهوم السياحة لدى الكثيرين بالشواطئ المختلطة والمتعة التي لا حدود لها، حتى وإن كان يبقى البعض لا يستحسن ذلك، ما دفع بالعديد من الخواص للاستثمار فيما يعرف بالسياحة الحلال، أو ما يعرفه البعض بالسياحة الإسلامية العربية. استثمار جذب أصحاب أفخم الفنادق والوكالات السياحة نظرا لتنامي الطلب على هذا النوع من السياحة الملتزم بتعاليم الإسلام، وعادات العائلات العربية المحافظة.
ومن الدول التي استثمرت في هذا المجال، تركيا في مدينتها أنطاليا التي تمثل الوجهة السياحية المفضلة للعرب وبالخصوص الجزائريين الذين تفتحوا على هذه الدولة بمدنها المختلفة لاستحسانهم التقاليد الشبيهة بالتقاليد العربية لما يمكن وصفه بـ«السياحة الحلال" التي طور روادها تلك المفاهيم تماشيا مع متطلبات الأسر المحافظة التي تفضل الفنادق "بدون خمور"، والتي تقدم أطعمة دون التخوف ما إذا كانت "حلال" أم لا، وغيرها من التفاصيل التي تمنح السائح العربي والجزائري الراحة التامة داخلها.
ومن خلال هذا الوصف، يمكن أن نعرف طبيعة هذا النوع من السياحة، التي تستند إلى المعايير المحافظة في الحراك السياحي، والتي تكون مفاهيمها بعيدة عن مفاهيم السياحة التي لها برامج السياحة المتحررة من مختلف القيود كالمنتجعات المختلطة والمطاعم التي تقدم الخمور وأماكن السهر وغيرها..
المشهداني: تكيّفنا مع المجتمعات المحافظة
حول هذا الموضوع، كان لـ«المساء" لقاء مع المدير العام لوكالة "كارناك" التركية للسياحية والأسفار، ومدير لسلسلة فنادق بأنطاليا السيد سردار المشهداني، الذي أوضح أن توجه المستثمرين الأتراك في قطاع السياحة الحلال حديث، وذلك تلبية لمتطلبات السياح العرب، خصوصا الجزائريين الذين أصبحوا يتوافدون على الفنادق التركية التي تلبي الرغبات "المحافظة" للعديد من الأسر الباحثة عن المتعة "الحلال" والعطلة الخالية من الخلطة، مشيرا إلى أن هذه المفاهيم البديلة للسياحة بمفهومها الكلاسيكي هي الأخرى تحقق مداخيل عالية، بدليل ذلك توسع نطاقها وابتكار وسائل جذب جديدة متعلقة بها.
وأوضح المتحدث أن الجزائريين بطبعهم أسر محافظة، يبحثون خلال عطلهم عن الراحة، ما يجعلهم يقبلون بشدة على هذا النوع من الفنادق التي تشهد تزايدا في عددها من سنة إلى أخرى. وأضاف أنه بالرغم من إرادة المروجون للسياحة العادية في كسر الرغبة في تطوير السياحة الحلال بالإشاعة أنها سياحة غير ممتعة و لا مردود لها وأن الفنادق التي تمتنع في تقديم الخمور، لا تشهد إقبالا عليها إلا أن الأمر ليس كذلك مطلقا، وهذا ما يثبته التوافد المتزايد للسياح العرب وخصوصا الجزائريين.
وأكد مدير الوكالة أن هذا النوع من السياحة ليس حكراً على المسلمين، بل هناك مَن يبحث عنها من أولئك الذين ينتمون إلى ديانات أخرى، بما في ذلك سياح غربيون، والمقصد المثالي للسياحة الأسرية، لأنها تقدم كل الخدمات اللازمة في هذا المجال، ولأنها تعرف احتياجات الباحثين عن "السياحة الحلال" لاسيما أن خدمات هؤلاء ليست مكلفة.
ويكشف التقرير ـ حسب مدير الوكالة ـ أن الاقتصاد الإسلامي يقدر بـ 11 في المئة من الإنفاق العالمي على أسواق السفر، وهذا دافع أساسي للاستثمار في هذا النوع من السياحة، معتبرا أن "سفر المسلمين لقضاء العطلات والترفيه قد تجاوز إطار الاقتصاد الإسلامي وأصبح في حد ذاته قطاعا رئيسيا في الاقتصاد العالمي الأوسع".
وتضع شركة "كارناك"، وهي واحدة من الشركات الأولى المستثمرة في مجال السياحة الحلال ضمن خدماتها برامج خاصة بالسياح الجزائريين والعرب عامة، في إطار سياحة عائلية إسلامية محافظة، من أطعمة حلال وتحديد أوقات الصلاة برفع الآذان داخل الفنادق، وتحديد اتجاهات القبلة ومواعيد الطعام في شهر رمضان، مع عدم تقديم الخمر، أو الاختلاط في المسابح وغيرها..
وفي مقابلة أجرتها معه "المساء" على هامش القمة العالمية للسياحة العربية التي عقدت بأنطاليا مؤخرا، قال مالك الوكالة السياحية إن هذا السوق ينمو بمعدلات متسارعة نظرا لنمو عدد المسلمين في العالم ونظرا لاتساع الطبقة الوسطى داخل المجتمعات الإسلامية وهي الطبقة الأكثر إقبالا على السفر.
المسلسلات التركية رفعت عدد السياح من100ألف إلى 3 ملايين
أكد السيد سردار المشهداني، المدير العام لوكالة "كارناك" التركية، أن المسلسلات الدرامية تساهم بشكل كبير في الترويج للسياحة، حيث زادت السياحة العربية من 100 ألف إلى ثلاثة مليون سائح، في ظرف زمني لم يتعد ثلاث سنوات بالنسبة لتركيا، مشيرا إلى أن الجزائريين يمثلون نسبة 20 بالمائة من مجمل العرب الزائرين لهذا البلد خلال السنة.
وعلى هذا الأساس، ارتأى مدير الوكالة السياحة، على تفعيل الدراما العربية في المدن التركية مثل مدينة أنطاليا، حيث قال: "لقد تم منح رخصة مؤخرا لتصوير فيلم عربي بشركة إنتاج وكاميرات تركية، في إحدى الفنادق بمدينة أنطاليا، وذلك سوف يخلق علاقات جديدة بين تركيا والدول العربية، سوف تعمل على الترويج للسياحة من جهة، وكذا للدراما العربية من جهة أخرى.
وعلى صعيد آخر، أكد المتحدث أن السائح الجزائري له ميول للعادات والتقاليد التركية، وتفتحه على تلك الثقافات دفع الشعبين إلى الاحتكاك أكثر فيما بينهم، الأمر الذي يتجسد بصورة واضحة في تبادل السياحة بين البلدين، مشيرا إلى أن الأتراك هم كذلك أصبحوا يقبلون بشكل كبير على زيارة الجزائر، نظرا لتأثرهم بثقافة الجزائريين وإعجابهم بها، وهو الأمر نفسه بالنسبة للسياح الجزائريين في تركيا.
وإن التقارب الثقافي التركي ـ العربي، أوالتركي ـ الجزائري، جعل الشعوب تتبادل التجارب فيما بينها، سواء من حيث العادات أوالمعارف، أوالسياحة أوالدراما أو غيرها، الأمر الذي عزز التقارب الفكري بشكل كبير.
وبمناسبة الندوة الصحفية التي نظمها سردار المشهداني بمناسبة إطلاقه للمسلسل العربي الذي نال فيه أحد الأدوار الأساسية والذي عرض على الشاشات العربية خلال شهر رمضان، أكد أن الدراما العربية هي الأخرى باتت اليوم تستهدف السياح الأتراك، مشيرا إلى أن "المسلسل" أصبح مجالا فعالا في الترويج للسياحة ليس للتعريف بمناطق بلد معين فحسب وإنما أيضا للتعريف بتفكير تلك الشعوب، وعاداتها وتقاليدها وغيرها من الجوانب الايجابية بها، الأمر الذي يحفز السائح إلى زيارة تلك الدول دون تردد.
وأشار المتحدث إلى إمكانية ترويج الفنان لبلده سياحيا وليس على حساب العمل الدرامي من خلال إضافة الجمال إلى الدراما التي يمثل بها والتي تعكس الواقع بكل تفاصيله، لافتا إلى أن الفنان هو أكثر عنصر يمكن أن يروج سياحيا لبلده حتى لو كان بلده لا يملك البنى التحتية الفاخرة للسياحة. وطالب المتحدث بضرورة الاهتمام بتوفير كل مقومات الجذب السياحي، مؤكدا على المضي لدعم كل ما من شأنه الارتقاء بالواقع السياحي بالتعاون والتنسيق مع كافة الجهات المعنية، وقال:«رغم الدور الذي تلعبه الدراما في الترويج للسياحة، إلا أنه لابد من جهة أخرى أن تتوفر البنية القاعدية للسياحة، فلا يمكن إيهام السائح بما هو غير موجود، فالدراما وحدها لا تستطيع خدمة السياحة أو التروج للمنتج السياحي دون أن يتوفر ذلك المنتج، وذلك حتى يكون الترويج السياحي في الأعمال الدرامية تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية للإمكانات السياحية المتوفرة.