أوراق مسربة عن اجتماع المؤسسين الستة للإتحاد الأوروبي

أوروبا تدفع ثمن الانقلابات وإفشال .. "النيباد"

أوروبا تدفع ثمن الانقلابات وإفشال .. "النيباد"
  • 981
الجزء الثاني والأخير / العربي ونوغي الجزء الثاني والأخير / العربي ونوغي

اعترف القادة الأربعة (من أصل ست دول مؤسسة للإتحاد الأوروبي) الذين حضروا اجتماع برلين قبل أسبوعين لدراسة تداعيات انسحاب بريطانيا من المجمع الأوروبي، بتقصيرهم وخطأهم في عدم إعطاء أهمية أكبر لـ«النيباد".

تماما كما اعترفوا بعيدا عن الأضواء بـ "تسرعهم" في اتخاذ قرارات الحرب والتدخل العسكري في عديد المناطق، لكن على الخصوص في إعلان الحرب على العراق وسوريا وليبيا، وهو أمر باتوا يعلنون صراحة بأنهم جروا إليه جرا دون تشخيص لعواقبه وتداعياته وانعكاساته التي تحولت اليوم إلى أزمات حقيقية تهدد حتى استقرارهم وأمنهم الداخلي. لقد قال البيت الأبيض أمس الأول بأن أوباما ومنذ مجيئه إلى الحكم تورط في معالجة مخلفات الحرب على العراق وانعكاساتها على الولايات المتحدة الأمريكية وأن "صقور البنتاغون" تسرعوا، بل أخطأوا في اتخاذ قرار التدخل العسكري واجتياح العراق. لقد اتخذوا قرار البدء لكن لا أحد بإمكانه التنبؤ بنهاية المأساة.

 هو نفس ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق في مجلس اللوردات البريطاني. اللجنة استوقفت الوزير الأول الأسبق طوني بلير الذي اعترف بارتكاب حماقة المشاركة في حرب الخليج. وقال صراحة بأن بريطانيا "دفعت وأرغمت على المشاركة" أي أنها لم تكن سيدة قرارها. قبل أشهر اعترف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند صراحة أيضا بأن بلاده تدفع تبعات قرار خاطئ اتخذه سابقه ساركوزي في التدخل العسكري في ليبيا والإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.

هذه الاعترافات المتتالية من قبل الذين انساقوا بعيون مغمضة ـ كما يقول المثل ـ وراء نزوات وحسابات ظرفية حركتها أطماع اقتصادية وعسكرية لبيع السلاح وتحريك المصانع. لم يكونوا يستشعرون عواقب هذه القرارات، إلى أن جاءهم زحف اللاجئين الفارين من ويلات الحروب والفتن. وتحول هذا النزيف إلى معارك داخل أوروبا نفسها التي أثقلتها هذه الأعباء الاجتماعية، ووجدت مصاعب كبيرة في التكفل أو في"اقتسام" وتحمل تبعاتها. هو سبب رئيسي أدى إلى حصول تصدعات داخل الإتحاد الأوروبي نفسه بداية بأزمة اليونان ثم بانسحاب بريطانيا والبقية آتية لا محالة  في الأشهر القادمة مثل النمسا وهولندا وسلوفينيا...

أدركوا أخيرا عمق الموقف الجزائري

المتدخلون في اجتماع برلين وجدوا أنفسهم أمام ما حذرت منه الجزائر مسبقا، حيث عارضت الجزائر بقوة تلك التدخلات العسكرية والإطاحة بأنظمة حكم مهما كانت المبررات. ودعت إلى تبني الحوار والمرافقة والمساعدة على التغيير السلمي وليس بأساليب الانقلابات التي أدت إلى الأوضاع الحالية. لقد كان الموقف الجزائري معاكسا للتيار الجارف الذي غذته كثير من الارتجالية والانتهازية والحسابات الظرفية. بل كان الموقف الجزائري سببا حتى في تشنج بعض الأشقاء و "عنترة" بعضهم الآخر. قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وينجلي الغبار ويتبين للجميع بأن الذين كانوا يدعون إلى الحرب ركبوا "حمارا"، فألصقوا فشلهم وعلقوا خطأهم على أجهزتهم الأمنية ومخابراتهم ودبلوماسيتهم. .

حسرة بعد خراب البصرة ..  أو في الوقت بدل الضائع

مصادر جريدة "المساء" إذن تحدثت عن حسرة كبيرة تنتاب دول الحلفاء الذين قادوا الانقلابات ضد صدام حسين والقذافي ومحاولات الإطاحة ببشار الأسد. لقد تأكدوا من أنهم فتحوا أبواب جهنم على مصراعيها على شعوبهم وبلدانهم وأمنهم الاستراتيجي. وفتحوا أبواب نزوح غير متوقف، قلب معادلات كثيرة في المجتمعات الأوروبية، أدى بدوره إلى أزمات اقتصادية وأمنية، باتت هي الأخرى منطلقا ومنبعا للتطرف ونمو الفكر المعادي بل والعنصري الذي يناقض مواثيق الأمم المتحدة في الحريات والمساواة وعدم التمييز العرقي والثقافي وفي المعتقدات. أرضية ساعدت كثيرا اليمين المتطرف الذي وجد في هذه البيئة مرتعا ومنطلقا كما سلف الذكر وغذى الشعور بالوطنية المتعصبة الرافضة للآخر وتحمله كل المتاعب وتفاصيل الأزمة سواء كانت أمنية أواجتماعية (البطالة) أواقتصادية  أو حتى دينية ... تحول ذلك إلى مطلب دون تحكم في آجال نهاية هذه الحروب وتداعياتها. 

الرئيس بوتفليقة: نعم كانت  نظرة ثاقبة

استشعر الرئيس بوتفليقة مبكرا (أي منذ عهدته الأولى) صيرورة التحولات العالمية ومآلاتها. خبير ديبلوماسي واستشرافي بامتياز للتفاعلات الدولية والتوازنات الجيو استراتيجية في العالم. هذه حقيقة ثابتة. لكن أيضا هذا ما يشهد به له الرؤساء والدبلوماسيون والخبراء الذين لا يترددون في إعلان اعترافاتهم وتقديرهم واستفادتهم من النظرة الجزائرية الصائبة لعديد القضايا. وثبات الرؤية وسداد التقدير في المواقف وفي تشخيص أسباب الأزمات وحلولها. إن تسديد المديونية الجزائرية مبكرا تأكيد على قوة استشراف الرئيس بوتفليقة لعواقب الأمور الاقتصادية وطنيا تفاديا لانعكاسات أزماتها الدولية لاحقا. وهو ما حدث فعلا. لقد أدى انخفاض أسعار البترول إلى شح العائدات المالية وتعطلت كثير من المشاريع المبرمجة وقلصت عدة ميزانيات وطنية ومحلية. لقد صاحب تسديد المديونية مسبقا كثير من الضجيج السياسي الداخلي. كثيرون كانوا ينتقدون قرار الاستعجال ويتساءلون لماذا أقدم الرئيس بوتفليقة على ذلك ؟!. طبعا كان الرئيس يمارس صلاحياته وحكمه بناء على استشراف دقيق للأوضاع وطنيا ودوليا. وكان معارضوه يمارسون السياسة لملء الساحة وجلب الأتباع والأصوات. وهذا أيضا حق مشروع يكفله الدستور والتعددية الحزبية. ولو أن ممارسة السياسة تقتضي أيضا الموضوعية والعلم الكبير والكفاءة في رصد وفهم التحولات التي تجري داخليا ومن حولنا. وبكل موضوعية، نطرح السؤال التالي: ماذا لو لم يبادر الرئيس بوتفليقة إلى تسديد المديونية الجزائرية مسبقا ويخلص الجزائر من أثقالها وتبعاتها وانعكاساتها لاحقا ويضع حدا لشروط وضغوط صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. هيئتان عانت الجزائر من "جبروتهما" المالي والاقتصادي طويلا في عز أزمة التسعينيات؟. 

لو استمع الغرب لقادة .. النيباد 

ما سبق استشراف داخلي في تسيير البلاد. موازاة لهذا الاستشراف الداخلي ثمة استشراف للمعطيات والتحولات العالمية. وهو ما شكل محور نقاش حازم وجازم في الاجتماعين كما سلف الذكر. 

تقول المصادر إن ما يؤرق الاتحاد الأوروبي أكثر ليس انسحاب بريطانيا فحسب أو ما قد يتبعها من انسحابات لدول أخرى ولكن متى يتوقف نزيف النزوح وطوفان الهجرة إلى "إغراق" أوروبا ؟!.إنه أكبر هاجس وانشغال يؤرق أوروبا حاليا. 

وتضيف ذات المصادر بأن القادة الذين اجتمعوا في برلين أدركوا أخيرا أهمية ما كان يدعوا إليه الرؤساء المبادرون، بوتفليقة ومبيكي وأوباسنجو، وواد ومبارك بعد ذلك من خلال مبادرتهم المعلن عنها من لوزاكا في 2001 (مبادرة الشراكة الجديدة للتنمية في إفريقيا). الرئيس بوتفليقة الذي لعب الدور الرئيسي كما يشهد به زملاؤه من المبادرين، كان يسعى إلى تخليص إفريقيا من التخلف والنهوض باقتصادها وتنميتها اجتماعيا في شراكة متفتحة ومتجددة. المبادرة كانت تهدف إلى تجميع الكفاءات والفرص والإمكانيات في القارة السمراء وتحريكها بما يحقق التنمية المستدامة والاعتماد على الإمكانيات المحلية بالشراكة مع الاقتصاديات القوية أي بالمرافقة. نجاح "النيباد" يعني ببساطة تحقيق الاستقرار في إفريقيا. وكان من المرسوم له أن يحول دون هذا النزيف الذي تشهده أوروبا حاليا من الهجرة السرية في قوارب الموت. 

تقول مصادر "المساء" بأن الدول الغربية ينتابها شعور بالتقصير في عدم إعطاء الدعم والمرافقة اللازمة للرئيس بوتفليقة ونظرائه في "النيباد" لإنجاح مبادرتهم. ونجاحها كان سيجنب أوروبا ما هي فيه اليوم من زحف بات يهدد وحدتها التي أضحت على كف عفريت بفعل التصدعات. وأنهم باتوا يفرون نحو الانفصال والطلاق المبين. 

أوروبا تدفع فاتورة تعنت في مواقف سابقة لم تستشعر خطورة تبعاتها وانعكاساتها. إنها تدفع بالمختصر المفيد تقاعسها في عدم إعطاء الأهمية اللازمة والدعم الكافي لمبادرة الشراكة الجديدة للتنمية في إفريقيا. وأيضا فاتورة وتبعات تعنت وأخطاء الانقلابات وقلب الأنظمة في العراق وليبيا وغيرهما... التي خطط لها الذين حركوا مصانعهم الحربية وآبار النفط وخلق "الجيا والقاعدة وداعش ..." ثم رحلوا وتركوا بلدانهم، بل العالم بأسره يعيش أسوأ مراحله الأمنية.