البارح أفضل من اليوم
أزمة توجت بأفلام المناسبات
- 930
«أفلام السبعينات والثمانينات أفضل من الأفلام التي تُصنع حاليا"، مقولة رددها الكثيرون سواء من محبي الفن السابع أو حتى من المهنيين، ولكن ما مدى صحتها؟ هل يمكن أن نجزم بأن الأفلام القديمة أكثر جودة من الأفلام الحديثة؟ وإن كان نعم فأين تكمن هذه الجودة؟ في المضمون أم في الإخراج؟ في قدرات التمثيل العالية أم في المساس بهموم الجمهور وحتى بأفراحه؟
أسئلة حاولت "المساء" إيجاد إجابات عنها من خلال اتصالها بأصحاب الاختصاص الذين تباينت ردود أفعالهم؛ فإن كان بعضهم اتفق مع هذه المقولة معددا في السياق ذاته، كل العوامل التي أدت إلى تراجع المستوى الفني للأفلام الجزائرية؛ مثل غياب التكوين، حل المؤسسات العمومية للإنتاج السينمائي، غلق قاعات السينما، انعدام معاهد متخصصة في صناعة الفن السابع، غياب المخابر وكذا ضبابية سياسة صناعة السينما في بلادنا، سنوات العشرية السوداء التي أحدثت القطيعة بين الجمهور والفن السابع، مشكل توزيع الأفلام، أزمة كتابة السيناريو، صناعة أفلام متعلقة بالتظاهرات الكبرى.
بالمقابل، نوّه بعض المهنيين بمستوى بعض الأفلام التي قُدمت في الآونة الأخيرة من طرف الشباب، والتي ظفرت بجوائز محلية ودولية، مؤكدين أنها استطاعت برؤية حديثة وبالاعتماد على التكنولوجيا، نقل مشاغل الشعب وطرحها بصورة ذكية رغم أن معظمها يصب في خانة الأفلام القصيرة والوثائقية .
أعاز الناقد السينمائي، نبيل حاجي الأسباب وراء تراجع القيمة الفنية والجمالية للأفلام السينمائية الجزائرية إلى عدّة أسباب منها العشرية السوداء والأزمة الأمنية التي عاشتها بلادنا وتراجع معها الإنتاج الثقافي بشكل عام وحدث شرخ بحل المؤسسات الحكومية المعنية بالإنتاج السينمائي مما خلق تصدعا.
كلّ التجارب السينمائية التي حدثت منذ مطلع الألفية الجديدة إلى غاية اليوم ـ يقول نبيل حاجي ـ هي نتاج مشاركات سينمائية خاصة بدعم حكومي وهذه المؤسسات ليست لها تقاليد في تحقيق أعمال منسجمة إلا ما شاذ منها وتتعلق بتلك التي توجت خلال مهرجانات سينمائية، بينما يرى تراجع القيمة الفنية والجمالية للأفلام السينمائية الجزائرية نتيجة عدة عوامل أهمها وجود أزمة حقيقية في كتابة السيناريو ، حيث لايوجد ببلادنا مهنة اسمها كاتب سيناريو، فأغلب السيناريوهات تكتب بتواضع شديد مع الأسف بدون عناية دقيقية، فعندما يكون النص ضعيفا بالضرورة، ينتج عنه عمل سينمائي ضعيف فالسيناريو الجيد هو أساس كل عمل فني جيد والعكس صحيح مهما وفرت له الإمكانيات.
أفلام المناسبات
أثار نبيل حاجي إشكالية أخرى أطلق عليها اسم مرحلة “أفلام المناسبات” التي بدأت منذ سنة 2003 مع سنة “الجزائر عاصمة الثقافة بفرنسا” ثم عاصمة الثقافة العربية ومهرجان الثقافة الإفريقي ثم تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية إلى غاية 2015 “قسنطينة عاصمة الثقافة العربية”، الممولة من قبل وزارة الثقافة والتى جاءت ـ حسبه ـ على عجل من أجل إرضاء طبيعة المناسبة سواء كانت أفلاما تاريخية أو تلك التي تتعاطى مع مواضيع لها صلة بالتاريخ على حساب القيمة الفنية والجمالية للعمل نفسه.
كذلك غياب الحوار الثقافي حول السينما في الجزائر ـ يضيف نبيل حاجي ـ والنقاش الجاد لتقييم هذا المنجز السينمائي، هو ما عزز من مشكل تراجع مستوى السينما إذا أضفنا إليها مسألة أنها لا تعرض أساسا إلا خلال هذه المناسبات، كذلك التحوّل التكنولوجي في ميدان الإنتاج السينمائي بينما نحن لم نؤسس بعد لأبجديات التعاطي معها ولقواعد علمية ومهنية جادة، ولازلنا نشتغل بشكل تقليدي وحرفي، بحيث هناك مواضيع مهمة تتعاطى معها السينما الجزائرية مثلا عن الأزمة الأمنية، الهوية، المرأة لكن في ظلّ غياب حوار ونقاش جاد حول علاقتنا بالسينما وهو ما جعل هذه الأعمال بالرغم من النوايا الحسنة تأتي هزيلة غير منسجمة ومقاربات لا تعكس الواقع الذي عشناه.
لوزارة الثقافة جانب من المسؤولية
كما يحمّل الناقد نبيل حاجي وزارة الثقافة جانب من المسؤولية في تدنى وركود مستوى السينما ببلادنا بحسن النية أوسوئها باعتبارها المموّلة للعديد من الأعمال السينمائية التي انتجتها منذ سنة 2002 ولم تقم بمتابعتها عن كثب، ماذا جنينا منها؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، حتى عندما نقول أن هناك فيلم جزائري توج في مهرجان معين، نكتشف أنها مبادرات مستقلة لمخرجين يقيمون في المهجر لم يتلقوا الدعم المالي من قبل الدولة، بينما عدد قليل جدا من الأفلام السينمائية المتوّجة موّلت من قبلها.
كذلك لانستطيع أن نطوّر السينما الجزائرية ـ كما يضيف الناقد السينمائي نبيل حاجي ـ في ظل غياب ذلك الحراك السينمائي الذي تصنعه المهرجانات باعتبارها فرصة لمعاينة هذا المنجز السينمائي، وتقييمه أمام الحكم الذي هو الجمهور الجزائري الشغوف منذ القدم بالسينما الوطنية والأفلام بشكل عام، إلى جانب غياب دور السينما مثلا بمدينة وهران كعاصمة ثانية للبلاد حيث بعدما كانت تضمّ 34 قاعة سينما، تقلص العدد إلى ثلاث قاعات فقط، اثنين منها تبقى مغلقة مدة 11 شهرا وثلاثة أسابيع، فكيف يمكن لنا أن نربي الذوق ونخلق حوارا جادا بين النخب والجمهور الذي تطوّر ذوقه من أجل أن نرتقي بفعالياتنا السينمائية بشكل حقيقي مثلما نجده في بلدان شقيقة لاداعي لذكر اسمها ـ يقول حاجي ـ .
كما يرى المتحدث أن ضعف مستوى الممثل الجزائري يعدّ كذلك من بين أسباب تراجع السينما الجزائرية بسبب نقص التكوين، فالكتابة للتلفزيون تختلف عن الكتابة للسينما، نوعية الصورة وتقنياتها، المحاباة والمجاملة في منح الأدوار السينمائية.
تفاؤل بالجيل الجديد
يطرح نبيل حاجي إشكالية مهمة حول هوية السينما الجزائرية وعلاقتها بالواقع المعاش، حيث قال “هل يمكن اليوم أن نجزم أن ما يقدّم من أعمال سينمائية له صلة بالتحولات التي يعيشها المجتمع الجزائري؟ ويقول “مازالت هناك أفلام تتحدث عن حرب التحرير وأنا لست ضدها لكن المواطن يريد أن يرى نفسه يتطوّر.. لقد عشنا أزمة أمنية سنوات التسعينات وهناك تصدعات حدثت في وجدان المواطن الجزائري، كيف تعاطت معها السينما الجزائرية التي تحتاج لتتصالح مع الجمهور، باعتبار أنها أهم وسيلة اتصالية وثقافية لخلق هذا الانسجام والتفاعل بين الثقافة والفن بشكل عام، والجمهور الذي هو عنصر أساسي في المعادلة الثقافية بشكل عام ولايمكن أن نتطوّر ونرتقي بدون حوار جاد وصريح بين جميع شركاء هذا القطاع”.
لكن ومع كل هذه المثبطات والعراقيل التي حالت دون الارتقاء بالقيمة الفنية والجمالية للسينما، يبدي الناقد نبيل حاجي تفاؤله بالجيل الجديد من المخرجين السينمائيين الذين يسعون للتعاطي مع التكنولوجيات الحديثة والتحرّر من قيود السينما الرسمية من خلال تقديم البديل وصناعة أفلام سينمائية سواء كانت طويلة أو قصيرة أو وثائقية على سبيل المثال الفيلم الروائي “راني ميت” للمخرج ياسين محمد بلحاج والوثائقي الطويل “في رأسي رومبوان “ للمخرج حسان فرحاني، “قنديل البحر” لداميان أونوري.
المخرج عبد الرحمان حراث: نقص التوزيع أضعف السينما
أرجع المخرج عبد الرحمان حراث، أسباب تراجع السينما الجزائرية من منظور تجربته المتواضعة إلى نقص التوزيع فلا وجود لتوزيع منظم بالجزائر بالرغم من وجود أفلام جيدة، كما أن نقص قاعات السينما وغياب ثقافة السينما لدى غالبية الشعب الجزائري وراء كل هذا التراجع، مضيفا أن نقص السيناريو هو الآخر ساهم في تراجع السينما الجزائرية.
وأشار إلى أنه، وبتوفر القاعات والأعمال الجيدة يمكن
أن تعود السينما لمكانتها وعلى كل مسؤولي الثقافة العمل على دعم السينمائيين وإعادة السينما الجزائرية لسكتها.
الممثل نصر الدين جريوم: المال لا يصنع الفيلم
عاد الممثل نصر الدين جريوم إلى تصريح لوزير الثقافة عز الدين ميهوبي، حينما قال بأن الجزائر بحاجة لفتح قاعات السينما. وأوضح قائلا: "نحن ننتج أفلاما هامة سنويا كفيلم العقيد لطفي وزبانة وعدة أفلام أخرى بطور التصوير. وأعتقد أن المال لا يصنع الفيلم. كما أن السيناريو والحوارات ناقصة جدا. وبكل صراحة، لا توجد جدية في بعض الأعمال السينمائية. والمشكل الرئيس يتعلق بالذهنيات. كما أن الدعم المالي متوفر، غير أن عدة أعمال دُعّمت بمبالغ ضخمة ولكنها لم تكن في المستوى، واختفت بمجرد عرضها محليا. كما يجب توفر قاعات سينما بكل ولايات الوطن مع فتح المجال للتوزيع نحو دول العالم العربي.
وأكد المتحدث أن الدارجة الجزائرية ليست عائقا أمام الأفلام الجزائرية؛ بدليل أن الأفلام الجزائرية في السابق، أُنجزت بنفس اللغة وبنفس المصطلحات ولكن كان لها صدى دولي.
❊ أحمد راشدي: السينما في أحسن أحوالها
من جهته، يختلف المخرج الكبير أحمد راشدي مع هذا الطرح، معتبرا أن السينما الجزائرية حاليا في أحسن أحوالها بفضل مخرجين شباب قدّموا محاولات جيدة وذات قيمة فنية وجمالية عالية تستحق التشجيع. البعض منها نال جوائز بمهرجانات داخل الجزائر وخارجها، وهذا يُشعر بالفخر والاعتزاز.
مرزاق علواش: لا يمكن صنع الجمال من العدم!
أما المخرج مرزاق علواش فقد انتقد غياب دور السينما ببلادنا التي لا تُفتح إلا في المهرجانات، إلى جانب عدم وجود معاهد متخصصة في صناعة السينما بكل تفاصيلها الصغيرة في ظل غياب استديوهات التصوير وشركات الإنتاج. لا نستطيع أن نتكلم، حسبه، عن المستوى الفني؛ فـ "لا يمكن أن نصنع الجمال من العدم!".
حسان بن زراري: ضعف المستوى سببه نقص التكوين
فيما يرى الممثل حسان بن زراري أن الجيل الحالي من المخرجين السينمائيين يختلفون كثيرا عن نظرائهم من جيل الثورة، الذين تلقوا تكوينهم في معاهد دول شقيقة وأجنبية، إلى جانب تحلّيهم بالروح الحماسية عكس الجيل الحالي، الذين يحملون أفكار العصر الحالي، معترفا في نفس الوقت، بضعف مستوى الإخراج السينمائي بسبب نقص التكوين، في ظل غياب سياسة واضحة لصناعة السينما في بلادنا.
الأديبة زينب الأعوج: ليس لدينا مدرسة سينمائية قوية
الأديبة والروائية زينب الأعوج تتوافق مع الناقد نبيل حاجي في العديد من الأسباب التي أدت إلى تراجع مستوى السينما الجزائرية، في مقدمتها سنوات التسعينات التي اعتبرتها قطيعة بين مختلف المؤسسات الثقافية والجمهور بما فيما السينما، كذلك اعتماد الكثير من المخرجين السينمائيين على الدعم المالي للدولة إلى جانب غياب مدرسة سينمائية قوية، ونقص الاهتمام بالأعمال الروائية الجزائرية الكبيرة، التي لاتزال تبحث عن كاتب سيناريو مبدع ومحترف يحوّلها إلى أعمال سينمائية.
الممثل بوعلام بناني: آسف لانعدام مدارس متخصصة
الممثل بوعلام بناني صاحب دور عمر قتلاتو، تأسف كثيرا لما آلت إليه حال السينما في بلادنا، قال: "لا يمكن أن أقبل بأي دور سواء في السينما أو التلفزيون يشوّه مشواري"، مبديا أسفه لعدم وجود مدارس متخصصة في تكوين السينمائيين بجميع التخصصات، "حتى العامل الذي يقود شاريو تتبّع لقطات التصوير، إذا لم يكن محترفا سوف يؤثر على المشهد أثناء التصوير".