تم عرضه في مهرجان وهران السينمائي

فيلم "هواجس الممثِّل المُنفرد بنفسه"مرآة لواقع الفنان

فيلم "هواجس الممثِّل المُنفرد بنفسه"مرآة لواقع الفنان
  • القراءات: 940
 ج.الجيلالي ج.الجيلالي

يطرح الفيلم الوثائقي الطويل (103 دقيقة) "هواجس الممثِّل المُنفرد بنفسه" جملة من التساؤلات الجوهرية تخص ماهيّة الفن وجدواه ورسالته التي ينبغي له الوصول إليها. العمل من إخراج وتصوير وتركيب حميد بن عمره الذي يملك رصيدا كبيرا من تجارب الإخراج والتصوير ، وشارك في التمثيل كل من محمد أدار ، ستيفاني بن عمره و هناء بن عمره و حميد بن عمره و رويشد و رشيد بن علال  بالإضافة إلى كوكبة أخرى من الممثلين . 

مباشرة بعد عرضه بمناسبة المهرجان الدولي للفيلم العربي الذي احتضنت وقائع فعالياته مدينة وهران   تبادرت لدى الحضور بعض الأفكار والتعليقات الخاصة بالمضمون والتقنيات المستعملة  إضافة  للرموز  والمعاني العميقة سواء في السيناريو أو في المشاهد المختلفة  كشفت روح البحث والمغامرة عند المخرج بعيدا عن الأطر الكلاسيكية التي تعود عليها المُشاهد ،  علما أن المخرج تنقل بحرية تامة بين الماضي والحاضر فدخل أرشيف الأبيض والأسود ، كذلك مع الحاضر بمشاكله ورهاناته والمستقبل بغموضه وصورته غير الواضحة.

نقل "هواجس الممثِّل المُنفرد بنفسه" انشغالات قطاع السينما والمسرح والفن عموما ،كما عبّر الفنان القدير محمد أدار عن هواجس الممثلين العرب الذين يعيشون  واقعا مزيفا ومُرّا و هم مجبرون على التعايش معه  .

الفيلم ترجم أحلام وومخاوف الممثل المسرحي الجزائري  محمد أدار الذي عايش الأجيال المسرحية المتعاقبة ، وقد اعتمد المخرج حميد بن عمره  في هذا على تصوير مشاهد تمثيلية تجريدية حية لهذا الرجل الفنان  في العديد من المناطق والفضاءات الموحية ،  وقد كانت غنية بالدلالات المعبرة عن لحظات البوح  حيث يمكن للمشاهد أن يرى  محمد أدار وهو يناجي واقعا ما في أحد أعماله المسرحية  أو التمثيلية لينتقل بعدها المخرج إلى المشهد التمثيلي الرمزي لهذا البوح  إذ نجد مثلا امرأة ترتدي برنوسا  تمتطي حصانا على شاطئ البحر أو في حديقة ما، أو طفلة صغيرة ترتدي هي الأخرى برنوسا أحمر اللون مما يجعلنا نرحل إلى التراث الأدبي العالمي حيث سادت قصة "ذات القبعة الحمراء" التي بقيت خالدة في الوجدان .

يلاحظ اعتماد المخرج على الأرشيف المسرحي المصور حيث نقل من خلاله مقاطع مهمة أبرزها تلك التي أخرجها  محمد أدار أو مثّل فيها وهي عبارة عن صيحات خالدة أثثّت لمسار المسرح الجزائري.

من ذلك  مسرحية "الخبزة" رفقة الممثل المغتال عبد القادر علولة  أو دوره في مسرحية "القراب والصالحين" لعبد الرحمان كاكي ناهيك عن مشاركته البارزة مع المخرج كاتب ياسين في نص مسرحي أُخذ عن محمد ديب بعنوان "الرجل ذو النعل المطاطي"  أما تجارب الإخراج فقد برزت بشكل كبير في مسرحية "حمى الكوردوني"  وقد تجلّت مقاربات هذه المسرحية في الفيلم الذي ظهر فيه السيد عز الدين ميهوبي أيضا وهو يتحدث ويدافع عن خيارات المؤسسات الجزائرية من خلال دعمها إنتاج الأفلام الثورية والحربية التي تساعد على حفظ الذاكرة.

محمد أدار طرح العديد من الأسئلة منها سؤال متعلق بالسبب الذي جعل الجزائر تتأخر في إنجاز فيلم يليق بمقام الأمير عبد القادر وهو رجل الدين والعسكري والسياسي والمُصلح الاجتماعي  في حين نجد  بأن فرنسا  مثلا أنتجت أكثر من 30 فيلما عن شخصية " نابيلون بونابرت" وفي موضع آخر نجد محمد أدار يتساءل بسخرية لاذعة عن النظام الاشتراكي الذي لا يُفرِّق بين من يعطي قليلا والذي يعطي أكثر إذ يساويهم جميعا  وهذا ظلم في اعتقاده ويسرد في ذلك قصة حدثت له " حيث أشار بأنه كُلف بإنجاز عمل مسرحي، ومن ضمن العمل تم وضع بعض الممثلين الثانويين الذين كان ظهورهم لبعض الوقت فقط، وعندما تم تسلم الأجرة أخذوا مثله ومثل الذي أدوا الأدوار الرئيسية.

من هنا جاء الفيلم عامرا بالتنوع  يخلق دهشة مستمرة  يُكسر في الكثير من الأحيان أفق التوقع للمشاهد  بفعل العملية التقنية  كما نتج عن ذلك كله روح المتابعة والتشويق  ،كما أن محمد أدار الممثل الرئيسي كان في حركية دائمة خصوصا في المشاهد الخارجية حتى أن اللحظات التي نجده ثابت كان فيها متحركا كالقطار مثلا  أو على السلم الآلي  وغيرها من المشاهد الأخرى.