مرداسي يؤكد:

زيغود يوسف أطلق الثورة من جديد في هجومات 20 أوت

زيغود يوسف أطلق الثورة من جديد في هجومات 20 أوت
  • 7195
 مريم. ن /لطيفة داريب مريم. ن /لطيفة داريب

أشار الباحث المعروف الدكتور عبد الحميد مرداسي في حديثه لـ«المساء"،  إلى أن تاريخ الـ20 أوت 1955 يبقى محطة مهمة في تاريخنا الوطني المعاصر، باعتباره منعرجا حاسما حافظ على استمرار الثورة، بعدما تهددها الزوال نتيجة استشهاد أو سجن وتشريد قادتها المفجرين وكان الفضل في ذلك راجع لعبقرية الشهيد البطل زيغود يوسف الذي سيبقى للأبد طفرة لن تتكرر في الحنكة السياسية والعسكرية التي عجّزت فرنسا إلى اليوم عن فك شفرتها.

تميز الشهيد بثقافة السياسي التي صقلها نضاله في الحركة الوطنية وبالذات في حزب الشعب، وكذا انتماؤه إلى جيل تبنى الوطنية كمعيار وحيد للعمل والتضحية، سمته السلطات الاستعمارية بـ«حداد كونديس ماندو".

يذكر الدكتور مرداسي أن كل من عرف الشهيد عامله بقدسية، إذ لم يكن رجلا عاديا وبقي كل من عرفه من رفقائه في النضال السياسي والعسكري يذكره بجلاء وتقشعر أبدانهم حين الحديث عنه، وهنا استعرض شهادة المجاهد بن عودة الذي كان يقول على الملأ زيغود؛ رضي الله عنه، ويضيف؛ "يا جماعة لست معتوها أو مخرفا، لكنها الحقيقة، فهذا الشهيد ليس من طينة البشر العاديين".   

أكد ضيف "المساء" أن سنة 1955 كانت حاسمة، فقد كان منتظر فيها أن يجتمع القادة الذين فجروها ليقيموا مسارها طيلة سنة، لكن شاءت الظروف أن يستشهد بعضهم ويسجن أو يشرد البعض، كما بقي كريم بلقاسم منعزلا يقاوم في الميدان، فقطع الاتصال بين القادة الزعماء وأصبحت جبهة التحرير مهددة بالتفتيت وضرب الحصار على الأوراس والقبائل الكبرى، وهنا فكر الشهيد زيغود (سيدي أحمد) قائد الولاية الثانية في حل ما واعتكف شهرا في دوار بين سكيكدة والحروش يدعى "زمان" لطيلة شهر كامل بعدها استدعى مساعديه في جوان 55، وقال لهم (حسب شهادات علي كافي ومصطفى بن عودة وبن طوبال والدموع في أعينهم جميعا) "كنت أخشى أن تكون نهاية الثورة على عاتقي ويبدو أن ذلك قد يتحقق اليوم "لكنه تمكن من دحر الاستعمار ودحر تخوفه وخطط لعمليات متناسقة ضربت في منتصف النهار عبر 24 منطقة استهدفت مواقع دقيقة ويومها رفع العلم الوطني على الجامع الكبير بقسنطينة على يد بلقاسم كريس، وانطلقت الشرارة في الدقيقة نفسها من عنابة إلى قالمة، إلى جيجل وسكيكدة وقسنطينة والحروش وعين عبيد وغيرها، وقتل الخونة مع الإشارة إلى أن الشمال القسنطيني كان حينها أكبر المناطق.

أكد الدكتور مرداسي أن الشهيد زيغود قاد هجوما استراتيجيا لحماية الثورة وإعادة الشرعية للعمل المسلح، ولم تكن أهدافه عسكرية محضة ومحصورة، بل كانت في أساسها سياسية، وهنا أدرك المستعمر أن الثورة يقودها مناضلون من حجم كبير.

بقي الرفقاء أوفياء، فلا أحد يستطيع الحديث عنه دون تأثر، إنه زيغود يوسف الذي عاش يتيم الأب وأمه تطلقت ثلاث مرات، مات أولاده وبقيت سلمى، دخل درس الإعدادي والمدرسة القرآنية، ودخل الكشافة صغيرا، ثم التحق بحزب الشعب، وفي أزمة المنظمة الخاصة ألقي عليه القبض في عنابة، ولأنه عبقري صنع مفتاحا وهرب من السجن رفقة زملائه  سنة 1950، منهم مصطفى بن عودة. 

إن انعقاد مؤتمر الصومام في الذكرى الأولى للهجوم جاء إنصافا لزيغود وتقديرا لمجهوداته الكبيرة وإنقاذه الثورة التي كانت ستفشل فشلا ذريعا لولا نجاح ما حدث في الشمال القسنطيني، واعتبر مرداسي انعقاد مؤتمر الصومام في الذكرى الأولى للهجوم جاء أيضا تكريما لزيغود، رغم الانتقام الفرنسي الذي أدى إلى إبادة 12 ألف جزائري في المنطقة، وشهدت كل من عين عبيد بقسنطينة وملعب فيليب فيل بسكيكدة أكبر المجازر، لكن سمح تكتيك زيغود بفك الحصار عن المنطقة، وتدويل القضية الجزائرية في سبتمبر من السنة نفسها في الأمم المتحدة، ودخلت فرنسا بذلك حربا حقيقية بإعلانها حالة الطوارئ على مستوى كل التراب الوطني، بعد أن كانت مرتكزة في الولايتين الأولى والثالثة، بالإضافة إلى رفعها من عدد الجنود الفرنسيين في البلاد إلى 180 ألفا، وهو دليل كافٍ على أن الحرب التحريرية بدأت فعليا في هذا التاريخ بالنسبة للمؤرخين.

 جمعية العلماء المسلمين طالبت بالإصلاح وليس بالإستقلال

أكد الصحفي والباحث عبد المجيد مرداسي أن جمعية العلماء المسلمين نشرت الوعي والتعليم بين الجزائريين لكنها لم تناد بالاستقلال، ولم تندمج تحت لواء طلب الاستقلال إلا سنة 1958. كما أنها طالبت بتطبيق مبدأ اللائكية بحكم أن فرنسا هي التي كانت تعين القضاة والأئمة في الجزائر، وهو الذي أزعج الجمعية، لتدعو المستعمر إلى عدم التدخل في الشؤون الدينية للمسلمين. كما أضاف أن الشيخ بن باديس لم يطرح قضية الاستقلال بتاتا بل طالب بالإصلاح والحقوق المدنية للمسلمين الجزائريين، أما الشيخ البشير الإبراهيمي الذي خلفه بعد وفاته، فقد قرر العيش في القاهرة ورفض طلب بن بلة في الدعوة إلى رفع السلاح ضد المستعمر، فطلب بن بلة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر وضع الابراهيمي رهن الإقامة الجبرية. في حين رفض الشيخ خير الدين أحد مساعدي رئيس الجمعية، طلب القادة في الجبهة لتحديد موقف الجمعية من حرب الاستقلال وأجابهم "درتوها بيديكم فكوها بسنانكم". أما الشيخ تبسي، المساعد الثاني لرئيس الجمعية، طالب في تيليغرام يملكه المتحدث، بالهدنة واحترام مبادئ الديمقراطية بعد أحداث الهجوم القسنطيني سنة 1955.

من الضروري التفتح على التاريخ بكل مناحيه

قال المؤرخ عبد المجيد مرداسي بأنه لا يخشى تاريخ وطنه ولا يخجل من أية حلقة من حلقاته، داعيا في السياق نفسه إلى معالجة موضوعية لتاريخ حرب الاستقلال، بغية تحقيق الاستقرار العميق للمجتمع الجزائري الذي يعيش هزات كثيرة وتناقضات لامتناهية. كما اعتبر أن نظام الحكم في الجزائر خاصة في فترة حكم الرئيس هواري بومدين، أخفى جوانب قوية سواء المتعلقة بأحداث تاريخية أو شخصيات، كما أنه نادرا ما نجد قراءات نقدية في التاريخ الجزائري. في المقابل لم يعب الباحث اتجاه النظام في تبني تاريخ رسمي بقدر ما أعاب تقبل الشعب لذلك، خاصة أن البعض منه شارك في هذه الحرب وكتم شهادته، ليطالب بضرورة أن نتفتح على التاريخ لدعم الرباط الوطني.

الانشقاقات على مستوى الجبهة خلال حرب الاستقلال، عادية

أكد الباحث والصحفي عبد المجيد مرداسي أن الانشقاقات التي حدثت على مستوى حزب جبهة التحرير أثناء حرب استقلال الجزائر، عادية جدا لأنها تتعلق بصدامات لأجل الوصول إلى السلطة، وهو ما يحدث على مستوى كل الأحزاب في كل الأوقات وفي جميع الدول، ليتساءل عن جدوى إخفاء هذه الحقيقة والتستر عليها، بل شكلت "طابو" لا يمكن الحديث عنه بسهولة، مضيفا أن من طبيعة كل مؤسسة سياسية حدوث صراع على مستواها بين عدة أطراف، وهو ما حدث على مستوى جبهة التحرير.

مصالي أول من طالب بالاستقلال

أوضح الباحث عبد المجيد مرداسي أن مصالي الحاج هو أول من طالب بالاستقلال، والتاريخ يشهد على ذلك، حينما شارك بدون دعوة في التجمع الشعبي الذي نظمه المؤتمر الإسلامي بملعب 20 أوت حاليا، في 2 أوت 1936، بحضور عدة شخصيات جزائرية من بينها الشيخ عبد الحميد بن باديس، حيث حمل حفنة من التراب وقال جملته الشهيرة: "هذه الأرض ليست للبيع"، تعبيرا عن رفضه التبعية لفرنسا، وأضاف مرداسي أنه لم يكن من المسموح نطق اسم مصالي، حيث تحدث عنه الباحث لأول مرة سنة 1983 مع الباحث وصديقه بنجامين ستورا.

عبان لم يناضل من أجل القضية البربرية

فند الباحث عبد المجيد مرداسي، العديد من الأقاويل والإشاعات التي تحوم حول عبان رمضان، ومن بينها نضاله من أجل القضية الأمازيغية، في حين أنه كان وطنيا يحمل مشروع الوحدة الوطنية ويكافح من أجل الاستقلال، حتى أنه وقف مع القيادة في الأزمة البربرية سنة 1949 وأمر بإعدام شخصين من التيار البريري الذي أحدث فوضى، وهو ما تم فعلا، مضيفا أن توريط عبان في القضية البربرية هو ظلم له ولكريم بلقاسم وعميروش وعبد الرحمن ميرة وحسين آيت أحمد ولكل المجاهدين القبائل. وأضاف أن عبان الذي درس في البليدة وعمل في الشرق الجزائري، لم يناضل أيضا من أجل اللائكية، كما أنه عكس روح بيان أول نوفمبر في مؤتمر الصومام، عكس اعتقادات البعض.

مؤتمر القاهرة قتل عبان سياسيا قبل التصفية الجسدية

ذكّر الباحث عبد المجيد مرداسي بتاريخ 20 أوت 1957، وهو تاريخ عقد المجلس الوطني للثورة الجزائرية لمؤتمر بالقاهرة، لدحض قرارات مؤتمر الصومام الذي انعقد عام من قبل، وكذا تعيين قيادات بدون انتخابات، عكس ما كان مشروطا في النظام الداخلي للمجلس، لأن الكثير من القادة يقبعون في السجون، مضيفا أن هذا التاريخ كان إعلان عن موت عبان رمضان السياسي من خلال إلغاء مبدأ أولوية السياسي على العسكري والداخل على الخارج، وكذا إخراجه رفقة أصدقائه من اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير، وتكليفه بالاهتمام بتسيير جريدة "المجاهد" وكفى. ليتساءل المتحدث: "لقد تم اغتيال عبان رمضان سياسيا بعد مؤتمر القاهرة، فلم الحاجة إلى تصفيته جسديا.؟".

المطالبة بفتح الأرشيف الجزائري أمام المؤرخين

تحسر الباحث عبد المجيد مرداسي عن عدم تمكنه من الاطلاع على الأرشيف الرسمي الجزائري الذي بقي سرا لا يمكن الكشف عنه، مشيرا إلى أننا نتحدث عن رغبتنا في استرجاع أرشيفنا من فرنسا، بيد أن أرشيفنا في الجزائر يبقى في خانة المحظور. واعتبر المتحدث أن الأرشيف وهو كل ما كتبته المؤسسات السياسية والاقتصادية والإدارية، يعتبر المصدر الأول لمناهج البحث التي يعتمد عليها المؤرخ، في حين أن المصدر الثاني يتمثل في الشهادات التي لم يفصح عنها أصحابها إلا في الفترة الأخيرة، وفي هذا السياق قال مرداسي بأنه التقى ببروان الملقب سفار الذي كان مساعد بوصوف، رئيس المالغ الذي انسحب من الساحة السياسية سنة 1962، وقال له بأن وزارة التسليح والاتصالات العامة المعروفة بالمالغ، كان يمكن لها أن تطلّع على الرسائل الرسمية التي تُوّجه إلى السلطات العليا للمستعمر الفرنسي قبل أن تصل إليه. كما كان أرشيف المالغ مخبأ في قاعدة ديدوش بطرابلس (ليبيا) تحت مسؤولية الغوثي، واسمه الحقيقي عبد الكريم حساني (زوج ظريفة أخت العربي بن مهيدي)، والذي ساند الرئيس هواري بومدين في أزمة صيف عام 1962، ليتم نقل الأرشيف إلى العاصمة وغلق الستار عليه، حيث قال دحو ولد قابلية بأن الأرشيف غير متاح لأي كان. كما فند مرداسي مقولة تدعي أن فتح الأرشيف سيؤدي إلى اختلالات عميقة في المجتمع الجزائري، بل حذر من جهل الشعب لتاريخ بلده والدليل أنه حينما أجرى امتحان لطلبته في الجامعة وطلب منهم تعريف بن مهيدي، تلقى إجابات صادمة تقول في الكثير منها إنه لاعب كرة قدم. في المقابل، قال المتحدث بأن الأرشيف لا يتعلق فقط بما تكتبه المؤسسات الإدارية والسياسية والاقتصادية بل يمس أيضا صور وصوت يمكن أن يوظفها المؤرخ بشرط معرفة فك رموزها. وهو ما قام به صديقه بنجامين ستورا.