دور الديمقراطية في الوقاية من التطرّف العنيف والإرهاب
الجزائر تقترح ميثاقا دوليا لاستئصال الظاهرة
- 599
اقترحت الجزائر أمس، ميثاقا دوليا حول مكافحة التطرّف والإرهاب خلال الورشة الدولية التي تنظمها تحت عنوان "دور الديمقراطية في الوقاية من التطرّف العنيف والإرهاب ومكافحتهما"، كما تعتزم في هذا السياق إعداد كتيب من 100 صفحة حول تجربتها في مجال المصالحة الوطنية بغرض التعريف بها أمام المشاركين، مثلما أكده وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل، على هامش الأشغال.
السيّد مساهل، نقل للمشاركين خلال هذه الورشة التي تتواصل في أشغال مغلقة انشغالات الجزائر بخصوص تنامي ظاهرة التطرّف والإرهاب في ظل تطور أساليب التجنيد والترويج للأفكار الهدّامة، كما أبرز أهمية الارتقاء بالعمل الديمقراطي من أجل صد هذه الظاهرة العابرة للحدود، مؤكدا أن الجزائر أدركت مبكرا أهمية تعزيز المسار الديمقراطي كون تدمير هذا المبدأ هدف تتقاسمه الجماعات الإرهابية من جميع الانتماءات بغية إقامة نموذج حكم تيوقراطي يقمع الحريات الفردية والجماعية ويقوم على منطق الإقصاء والتهميش.
في هذا السياق أكد أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي بادر به الرئيس بوتفليقة، يشكّل من خلال قيم السلم والإخاء والتسامح التي تقترحها وكذا من خلال الدعم الجماعي الذي استفادت منه 97 بالمائة من الأصوات المعبّر عنها، الرد الديمقراطي الأمثل لمؤيدي
الخطاب المتطرّف.
كما أشار إلى أن هذا المسعى سمح بكشف وتهميش ورفض الخطاب المتطرّف الذي يستعمل القناعات الدينية ونقاط ضعف المجتمع لأغراض الفتنة والتفرقة.
على هذا الأساس فإن الديمقراطية تعد أفضل حصن ضد هذه الظاهرة -يضيف الوزير- انطلاقا من أنها تمكن من كشف مخاطرها ومن ثم عزلها وتهميشها وجعلها تلقى الرفض القاطع، وعبّر في هذا الصدد عن تصور الجزائر المرتكز على الاستجابة لبعض المتطلبات بما في ذلك تنفيذ سياسات واستراتيجيات لمكافحة عوامل الإقصاء والتطرّف والتهميش وكذا توسيع فضاءات القانون والحريات الفردية والجماعية الضرورية لتطور الأفراد وتقدم المجتمعات وازدهار الاقتصادات وتنمية البلدان، فضلا عن مواصلة تعزيز الديمقراطية التشاركية وركائزها المؤسساتية وترقية العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
كما لفت إلى أن الجزائر التي استخلصت العبر من المأساة المؤلمة التي عاشتها في التسعينيات، أصبحت لديها القناعة الراسخة بأن الحفاظ والتوطيد اليومي للمسار الديمقراطي والتعددي يعد الإجابة الأنجع للإرهاب الذي شنّه المتطرفون ضد الشعب والمؤسسات، مذكّرا بما قاله الرئيس بوتفليقة سنة 1999، عندما أكد أنه ينتمي إلى المدرسة الديمقراطية. وأنه انطلاقا من هذه القناعة الراسخة جعل من ترقية الديمقراطية أولوية ثابتة في عمله.
مساهل الذي أشار إلى توفر البلاد اليوم على مؤسسات ديمقراطية وجمهورية تقوم شرعيتها على أساس الإرادة الوحيدة للشعب المعبّر عنها بشكل منتظم عن طريق التصويت في إطار الاقتراع العام، أوضح أن "هذا المسعى سمح للأمة بأسرها بتضميد جراحها إثر المأساة الوطنية في ظل الحوار، التسامح وسيادة القانون -وليس العنف والمجابهة وقانون الأقوى- وكذا أدوات التعايش في إطار الاحترام المتبادل لتنوّع الحساسيات والآراء السياسية التي توجد بالضرورة في مجتمع كمجتمعنا" . كما أضاف من جهة أخرى أن "التعديل الدستوري الأخير الذي جرى يوم 7 فيفري يندرج ضمن هذا المنظور.
مساعد كاتب الدولة الأمريكي المكلّف بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل توم مالينوفسكي، قال في كلمته الافتتاحية إن الجزائر وبلاده مقتنعتان بأن السبيل الوحيد لمكافحة الإرهاب و التطرّف يكمن في مواصلة تعزيز المؤسسات الديمقراطية ودور المجتمع المدني، واصفا التعاون الثنائي في هذا المجال بـ«القوي جدا" .
في هذا الصدد أشاد بمبادرة الجزائر في تنظيم اللقاء لاسيما وأنها من أولى الدول التي واجهت الآفة، مشيرا إلى ضرورة ترقية التعليم والتشغيل وتوفير الأمن للشباب من الفئات المحرومة وكسب ثقتهم لتفادي تجنيدهم من طرف الجماعات الإرهابية.
أما ممثل الاتحاد الإفريقي السيّد إيساكا قاربا عبدو، فقد أكد أن تنظيم هذه الورشة يعد ثمرة التزام الجزائر المتواصل بالعمل من أجل مكافحة الإرهاب بكل الوسائل، مؤكدا أن التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب والتطرّف العنيف تعد رائعة في العالم وتستحق الاستفادة منها.
في هذا الصدد أوضح أن الورشة "ستمنح لنا فرصة جيّدة لتبادل الخبرات والآراء ووجهات النظر" حول هذه الظاهرة التي أخذت أبعادا خطيرة في ربوع العالم، مشيرا إلى أهمية المواضيع المطروحة للنّقاش.
للتذكير يعكف المشاركون في هذه الورشة التي تختتم اليوم على تناول العديد من المحاور المتعلقة أساسا بالقيم الديمقراطية في مواجهة التطرّف العنيف وأهمية الدولة القوية والقادرة القائمة على سيادة القانون في مواجهة الإرهاب ودور المواطنين في مكافحة الظاهرة، وكذا حريات التعبير والإعلام في حالات الأزمات في إطار مكافحة الإرهاب.
كما يشارك فيها خبراء من العديد من الدول والهيئات على غرار الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ووحدة التنسيق والاتصال لدول الساحل الإفريقي والمركز الإفريقي للبحث والدراسة حول الإرهاب، وكذا المركز الكندي للوقاية من التطرّف المؤدي إلى العنف، بالإضافة إلى جامعيين وخبراء أمنيين جزائريين.