الفاتح نوفمبر في عيون طلبة الدكتوراه بمعهد التاريخ:
رسالة نوفمبر وصلت وسنعمل على توريثها
- 1639
اعتبرت ثلة من طلاب معهد التاريخ بجامعة بوزريعة، تحدثوا إلى "المساء"، أن الفاتح نوفمبر يبقى المحطة العظيمة من تاريخ الجزائر التي ظلوا يقرؤون عنها دون ملل طيلة عقود من الزمن، حتى ترسخت في أذهانهم قناعة التبليغ عن هذه المحطة للأجيال القادمة، قائلين بأنهم يحسون في أعماقهم بثقل المهمة، لكنهم في المقابل قبلوا التحدي كونهم يعتبرون أن حق الشهداء وكل الشعب الجزائري المناضل يرزح في أعماقهم كجيل الاستقلال.
أساتذة مستقبليون لمادة التاريخ يعترفون بعظمة مهمتهم
أكد طلبة قسم التاريخ بجامعة بوزريعة ممن تحدثوا لـ«المساء"، وهم ينتظرون نتائج الترشح لمسابقة الدكتوراه ببهو المعهد..، فرغم التوتر الذي كان يظهر على بعضهم، إلا أن حديثا إعلاميا عن الفاتح نوفمبر وذكراه لديهم لم يكن ليجعلهم يرفضون الخوض فيه، سألنا هل نفتخر بنوفمبر؟ فرد محدثونا "طبعا" ونستحضره مع كل كلمة من النشيد الوطني.. ونزيد عليه بالثبات على كلمة "فاشهدوا". ونؤكد أننا نشهد لتاريخ نوفمبر والتاريخ الذي بأول نوفمبر. إننا كأساتذة مادة التاريخ مستقبلا سنُشهد أجيال المستقبل على أن تمشي شامخة الرأس وتردد "إخواني لا تنسوا شهداكم ألي ضحوا من أجل البلاد..".
فقال الطالب كمال بأوراس، إن أول نوفمبر محطة من أهم المحطات في تاريخ الجزائر، خاصة وتاريخ العالم بأسره، فهو الانطلاقة لثورة من أعظم الثورات في القرن العشرين، سواء انطلاقا من طول مدة الاستعمار للوطن (132 سنة) أو لأنه كان مفتاحا لثورات تحريرية خاضتها العديد من الدول الإفريقية لاسترجاع سيادتها.
يتابع الطالب حديثه قائلا: "من الأجدر في يوم استشهد فيه العديد ممن حملوا لواء تحرير الوطن من استعمار بغيض، أن نناضل خلاله عن طريق العمل وليس الركون إلى الراحة، أرى أن الاحتفال به بالعمل والجد والكد"، ويواصل بقوله؛ إن الفاتح نوفمبر كمضمون هو بالفعل عيد "لكنني أتأسف عن أن الغالبية لا يعطون هذا العيد حقه، أعتقد أن إحياءه في المؤسسات التربوية وغيرها من المؤسسات في اليوم نفسه وجعله محطة استذكارية للتضحيات حقا، وليس مجرد شعارات فقط".
يفتخر كمال بأنه مرشح لمسابقة الدكتوراه، مؤكدا أنه يسعى إلى أن يكون أستاذا جامعيا لتعليم التاريخ، يقول: "ليس من السهل أن تتعلم تاريخ بلدك وتضعه أمانة في عنقك لتعليمه للأجيال اللاحقة، أطمح أن أكون أستاذا في مادة التاريخ التي أعتبرها من أحسن المواد التعليمية، لأنني بها أبقى دائما على اطلاع على تاريخ وطني، تماما مثلما تتطلب بعض الصفحات الإلكترونية الضغط على زر التحيين، كذلك لا بد لنا من فعل نفس الشيء مع تاريخنا".
من جهته، يرى الطالب حسان سلمي، المرشح للدكتوراه، أن نوفمبر يمثل بالنسبة إليه "البذرة الصالحة المزروعة على الساعة صفر من ليلة الفاتح منه في أرض الجزائر وأنبتت الخامس من جويلية 1962، يقول: "هو تاريخ أفتخر وأعتز به ليس للجزائر فحسب وإنما لكل المنطقة الإفريقية والعربية والعالم بأسره، لأنه يمثل مسار النضال الثوري للشعوب المضطهدة".
يؤكد حسان أنه هو الآخر يطمح إلى العمل مستقبلا كأستاذ لمادة التاريخ: "أول نوفمبر عيد عظيم في عيني، أفتخر بأنني طالب تاريخ لأنني أستحضره في ذهني وأستحضر التضحيات المقدمة لهذا الوطن.. سأعمل لأكون خير خلف لخير سلف وأعلم الأجيال المستقبلية تاريخ وطنهم"، يضيف حسان، مؤكدا أمر عمله في البحث عن تاريخ بعض الأسماء الثورية اللامعة، مثل البطل عبان رمضان الذي كان له بالغ الأثر في شخصية الطالب اليوم، ويؤكد أن رسالة عبان رمضان وكل الشهداء والجزائريين المضطهدين طيلة 132 سنة من الاستعمار، أن رسالتهم النضالية وصلت وسنعمل نحن جيل الاستقلال على توريثها".
وبنفس الحزم والتأكيد على عظمة هذه المحطة التاريخية من تاريخ الجزائر، حدثتنا الطالبة بقسم الثانية دكتوراه سلوى أولطاش، مؤكدة هي الأخرى أن الفاتح من نوفمبر يمثل المنعرج الحقيقي في تاريخ الجزائر المعاصر، وإن كانت تعتبر أن فيه حلقات تبقى غامضة بعض الشيء في هذا الإرث التاريخي، على غرار أرشيف الثورة، إلا أنها تفتخر به كمحطة وحدت شعبا بأكمله بطريقة حقيقية وعفوية.
سلوى تطمح هي الأخرى لتدريس التاريخ مستقبلا، وتؤكد أنها تعمل على بحوث ميدانية لإماطة اللثام عن أسماء ورموز ثورية قالت بأنها لم تستوف حقها من الحديث إعلاميا، "وأعتقد أنه من واجبنا كطلاب مادة التاريخ العمل على إبرازها، ومن ذلك سأحاول البحث في جذور بعض الوجوه التاريخية بمنطقة تيزي وزو، مثل الشهيد محند مزيان بوسعد، بقرية تاريحانت في دائرة ماكودة، وأيضا الشهيد أرزقي عزوز الذي كان ثاني من طبق فيه الإعدام بعد الشهيد البطل العربي بن مهيدي".
أدعو السينمائيين إلى الاستثمار في تاريخ بلدهم
أشارت الطالبة سلوى إلى نقص الأفلام الوثائقية حول مسار الثورة وحقبة وجود الاستعمار الغاشم في أرضنا. كما أنها تتأسف عن اختزال تاريخ عظيم لثورة التحرير في بعض الأفلام السينمائية القليلة، مثل "معركة الجزائر"، أو "أبناء الشمس"، "وهي دعوة أوجهها لصناع السينما في الجزائر لإثراء العمل السينمائي بتاريخ الجزائر"، تقول، واعتبرت أن كل شبر من أرض الجزائر يمكن له أن يكون عملا سينمائيا قارا بذاته، معتبرة أن الذاكرة الشعبية ماتزال تحمل الكثير من الشهادات والصور في الكثير من المناطق، وما على صناع الأفلام إلا البحث والتقصي وإعداد السيناريوهات، موضحة أن السينما من بين أعظم الوسائل للحفاظ على هوية وتاريخ الشعوب.
من جهته، يؤكد طالب الثانية ماستر بوعلام شكاري، أن الأول من نوفمبر لم يستوف حقه من الدراسات الأكاديمية، واقتصار الاهتمام به ضمن بحوث قليلة تطلب بين الفينة والأخرى لتلاميذ المؤسسات التربوية لا غير، ويعتبر "نوفمبر محطة بارزة من تاريخنا، لأنه بمثابة المسار الذي سارت عليه الثورة لتستجمع شتات شعب عانى الويلات لـ132 سنة، لكنها لم تظهر كل خباياها بعد". ويضيف الطالب بتأكيده أن هذه المحطة لم تولد من العدم ويجب أن يتحدث عنها الخاص والعام دون كلل أو ملل، للتذكير فأن الجزائر ضحى من أجلها رجال.
الأستاذ مصطفى نويصر، أستاذ في مادة التاريخ المعاصر بمعهد التاريخ، يقول في هذا المقام بأن الفاتح من نوفمبر لم يحظ بالاهتمام اللازم "وما هو موجود اليوم في رفوف المكتبات لم يرق بعد إلى مستوى هذا الحدث التاريخي ولا إلى مستوى تضحيات الشعب. ونطالب الدولة بتشجيع البحوث والدراسات وإعطاء المكانة اللائقة للتاريخ في المنظومة التربوية".
كما يؤكد الأستاذ نويصر أن "الفاتح نوفمبر مفخرة للجزائر والعرب والإنسانية، كيف لا وهو مفتاح أعظم ثورة تحريرية في النصف الثاني من القرن العشرين، بالتالي هو مفخرة لكل الأجيال المتلاحقة بعده.. علينا أن نفتخر به كجزائريين، لأنه محطة افتخار لكل شعوب العالم".
شباب لايزالون متعطشين لتفاصيل أحداث الثورة
أجمع عدد من الشباب الذين مسهم استطلاع "المساء" حول ماذا يمثل لهم أول نوفمبر 1954، على أن الثورة الجزائرية هي حدث مقدس لدى كافة المواطنين. وأشار أغلب هؤلاء إلى أن تلقين التاريخ للأجيال الصاعدة أمانة لا بد أن تصل إليهم.
يعترف بعض الشباب بأنه لاتزال هناك فئة منهم لم تأخذ حقها المشروع في معرفة الإرث الثوري الذي صنعه الرعيل الأول من المناضلين والمجاهدين والشهداء.
حول هذا التقت "المساء" بمجموعة من الشباب من مختلف المستويات التعليمية والشرائح العمرية، الذين طرحنا عليهم أسئلة بسيطة إلا أنها بأبعاد عميقة، متمثلة في: ماذا يمثل لكم تاريخ أول نوفمبر 1954؟ وماذا تعرفون عن تفاصيل هذا الحدث العظيم؟ وأجمع أغلب من مسّهم الاستطلاع على أن تاريخ الفاتح من نوفمبر هو نقطة التحول من الاستعمار إلى التحرر.
في هذا الخصوص قال سمير طالب جامعي في الحقوق، إن ثورة أول نوفمبر هي حدث عظيم عند الشعب الجزائري، ولها مكانة كبيرة في ذاكرة العديد من الشعوب، كان لها دور عظيم في تحرير الجزائر وكذا العديد من شعوب العالم من الاستعمار، مشيرا إلى أن الأحداث التاريخية تقاس بمدى ما تحدثه من تأثير في الأوضاع الداخلية في البلد نفسه أو في العالم كافة؛ قال: "إن العالم شهد العديد من الأحداث التاريخية الخالدة التي غيرت مجرى حياة البلدان التي انطلقت منها وحتى في الدول الأخرى. ومن بين تلك الأحداث ثورة أول نوفمبر، هذا ما يجعلها حدثا عظيما عند العديد من الشعوب فما بالك بمكانة هذه الثورة لدى الشعب الجزائري نفسه؟! كيف لا يقدس شباب اليوم عظمة هذه الثورة؟! فرد الجميل والعرفان لتلك التضحيات يُفرض علينا أحياءً وتخليد تلك الذكرى والاطلاع ونشر تفاصيلها حتى لا يمحوها النسيان.
مريم شابة في 24 من العمر صيدلانية، أبدت اهتمامها الكبير بثورة أول نوفمبر، قائلة إن "ثورة الفاتح نوفمبر كانت ضد استعمار شرس جثم على الجزاء طوال قرن وربع قرن، الفترة التي حاول خلالها المستعمر تشكيك الجزائريين في تاريخهم وأصلهم وهويتهم. كان حينها يزرع سياسات مختلفة لمحو تاريخ وحضارة هذا الشعب التي تمتد إلى غابر الأزمان، إلا أنه لم يتوصل إلى ذلك، فجاءت ثورة أول نوفمبر لقلب الموازين، فهي فخر لشباب اليوم، فبعد كل تلك الفترة وتحت ضغط المستعمر لم ينس الجزائري أصله، فما بالك اليوم بحريته؛ فكيف له أن ينسى انتماءه، هذا ما يجعل شباب اليوم يتمسكون بوطنيتهم وحبهم لبلدهم والدفاع عن مقوماته".
الشاب صهيب طالب جامعي في الأدب العربي، أوضح بدوره أن أول نوفمبر هو حدث وطني لا بد أن يولى له اهتمام كبير، ويسجَّل هذا اليوم كحدث عظيم بتنظيم محاضرات تهدف إلى إحياء الذكرى ينشطها أساتذة في التاريخ ومجاهدون عاشوا الحدث، موجَّهة خصيصا للشباب حتى يتعرفوا أكثر على تفاصيل تاريخنا؛ لأن الوطنية في الأساس هي أوّلا الاطلاع على هذا التاريخ الذي يكون حافلا بخدمة الوطن، وكذا الغيرة عليه والذود عنه. وأضاف المتحدث أن الجزائري خلال الاستعمار عانى مختلف أشكال الحرمان والظلم والقسوة، إلا أن أخطر ما عانى منه هو محاولة انتزاع منه شخصيته وأصله وتاريخه، إلا أنه رغم كل تلك المحاولات لم ينجح في ذلك حتى بأقصى درجات التعذيب، مضيفا: "هذه قدوة عظيمة لا بد أن يقتدي بها شباب اليوم، فلا بد أن يعلموا أن ثورة أول نوفمبر هي الثورة التي منعت دمج البلاد وشعبها في المجتمع الفرنسي الأوروبي المسيحي، وهي التي أعادت الثقة للمجتمع الجزائري في نفسه، وزادت من تمسّكه بأصالته وهويته".
أما أكرم 29 سنه مقبل على اجتياز شهادة البكالوريا، فقال إن أهمية التاريخ كمجموعة من الأحداث وليس كمادة تعليمية، لا بد أن تلقَّن لشباب اليوم بالبحث عن أساليب تثير أكثر تركيز الطفل أو المراهق أو الشاب، وباعتماد عناصر التشويق لقراءة تلك الأحداث، حتى يعرف شباب اليوم جيدا تضحيات الأجداد من أجل حرية واستقلال هذا الوطن. كما أعرب عن تأسفه لجهل بعض الشباب تفاصيل تاريخهم، واستخفاف بعضهم الآخر بعظمته.
وعن ثورة أول نوفمبر قال إن أول نوفمبر هو التاريخ الذي أدرك فيه المجتمع الجزائري أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وأن الحرية تُنتزع ولا تُعطى، وهي قناعة ظلت راسخة طيلة فترة الاستعمار.