داعيا إلى جبهة داخلية قوية:

الرئيس بوتفليقة يرسم التحديات الثلاثة للجزائريين

الرئيس بوتفليقة يرسم التحديات الثلاثة للجزائريين
  • 689
❊ حنان حيمر ❊ حنان حيمر

حدد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة ثلاثة تحديات كبرى يقتضي على الجزائر رفعها، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يطمح إليها المواطنون والتي تمكن من تكوين «جبهة داخلية قوية» تستطيع مواجهة التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية الخارجية. ويتعلق الأمر بـ«تحدي الأمن» و«تحدي التنمية الاقتصادية والاجتماعية» و«تحدي الاستقرار السياسي». ودعا المواطنين إلى المساهمة في تحقيق الأمن والابتعاد عن الخطابات الشعبوية والانتخابية، لاسيما عشية الانتخابات التشريعية والمحلية التي ستعرفها الجزائر في 2017.

ضمن الرئيس في الرسالة التي وجهها للشعب بمناسبة إحياء ذكرى الفاتح من نوفمبر، عديد الأفكار بخصوص ما تقتضيه المرحلة الحالية والمقبلة من تجند وجهود للخروج من عنق الزجاجة، بسبب أزمة متعددة الجوانب تضرب البلاد. واختار رئيس الجمهورية رغم الرهانات الكبيرة، لغة التفاؤل عند حديثه عن مستقبل البلاد، منطلقا من مآثر الماضي أحيانا والقدرات الوطنية الراهنة أحيانا أخرى، ليخلص بأننا قادرون على تجاوز كل التحديات المطروحة.

 الحفاظ على الأمن يتطلب «يقظة جماعية»

واعتبر أن التحدي الأول الذي تواجهه الجزائر أمني بامتياز، سواء تعلق الأمر بأمن «البلاد أو العباد أوالممتلكات» والذي قال إنه من دونه لا تتحقق التنمية، «بل تصبح غير مضمونة». ولايعد ذلك غريبا، فالرئيس بوتفليقة منذ توليه الحكم، اعتبر الأمن أولوية الأولويات، وبنى برامجه الانتخابية على استرجاع الأمن والسلم، لاسيما بعد المأساة التي عاشتها الجزائر طيلة عقد من الزمن. واليوم أكثر من أي وقت مضى، تقتضي الأوضاع الداخلية والجهوية والعالمية الحفاظ على مكتسبات، دفعت الجزائر ثمنها غاليا، حين وقفت وحيدة في وجه إرهاب أعمى.

لهذا فإن الرئيس أشاد باحترافية ووطنية الجيش الوطني الشعبي، مؤكدا أن الجزائر تعوّل على قدراته وعلى طاقات الأسلاك الأمنية وخبرتها في صون حرمة التراب الوطني واستئصال شأفة «بقايا الإرهاب». ووجه «تحية إكبار» لضباط الجيش الوطني الشعبي وضباط صفه وجنوده على «ما هم عليه من تعبئة وتحفز واستعداد وما يبذلونه من تضحيات في سبيل الوطن»، كما نوه بتفاني أفراد أسلاكنا الأمنية واحترافيتهم على سهرهم خاصة، على «أمن المواطنين ومحاربتهم لشتى الآفات التي تهدد مجتمعنا». 

إلا أن الرئيس المدرك للمخاطر الكبيرة التي تحيط بالبلاد أمنيا، لاسيما على مستوى حدودها (ما يحدث في ليبيا من مزالق أمنية خطيرة والأخبار عن وجود قاعدة عسكرية في تونس، إضافة إلى الاضطرابات في الحدود مع المغرب ومحاولات اختراق الحدود، دون إغفال المخاطر الأمنية التي تحيط بنا جنوبا)، وكذا إغراق السوق بالمخدرات لم يستثن المواطنين من مسؤوليتهم في ضمان الأمن، قائلا «إن أمن البلاد والقضاء على الإرهاب ودحر الآفات الإجرامية وحتى الأمن العمومي، كلها قضايا تستوجب أيضا، اليقظة الجماعية التي أدعو كل مواطن وكل مواطنة إلى الاضطلاع بها»، مبررا ذلك باستفحال ظاهرة الارهاب في العالم وفي منطقتنا التي قال إنها تشهد «مستويات خطيرة» من الاتجار بالأسلحة والمخدرات، وهو ما يتطلب «مؤازرة المواطنين» لقوات الجيش والأمن في كافة أنحاء البلاد.

الجزائر بإمكانها تقويم  وضعها المالي والاقتصادي

هذا «الاستنجاد» بالمواطن لايقتصر على الجانب الأمني، وإنما كذلك على الجانب الاقتصادي وهو «التحدي الثاني» الذي ركز عليه الرئيس في رسالته، حيث أكد ضرورة «مواصلة وتكثيف» التنمية الاقتصادية والاجتماعية، رغم التراجع الحاد في العائدات الذي اعترف به الرئيس. 

والمواصلة تعني أن الجزائر التي بذلت جهودا معتبرة في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال العقدين الأخيرين باستثمار مئات الملايير من الدولارات من عائدات النفط لبناء «المدارس والجامعات والمستشفيات والسكنات وتوصيل الطاقة وماء الشرب وتشييد المنشآت القاعدية»، وهو ما ساهم في «تراجع البطالة وتحسين ظروف معيشة فئات عريضة من السكان، ستواصل جهودها التنموية، لسد النقص في الانجازات الذي اعترف به الرئيس حين قال إن هذه الإنجازات لم تكن كافية «بالنظر لفداحة كم الحاجات». 

ويقتضي تكثيف الانجازات اليوم بعد التراجع في مداخيل النفط، الحفاظ على الاستقلالية المالية للبلاد ومعها «استقلالية القرار الاقتصادي» التي تمت بفضل التسديد المسبق للديون والتسيير الرشيد لاحتياطات الصرف، كما ذكر به الرئيس، الذي اعتبر أن الحفاظ على هذه الاستقلالية مسألة تتعلق بـ«أنفتنا الوطنية وإبائنا» وهي مبادئ تحيلنا إلى ثورة التحرير المجيدة التي كانت طريق الجزائر نحو الاستقلال السياسي، وكان لابد للرئيس أن يستحضرها في هذا المقام، بالنظر إلى حساسية الوضع الاقتصادي للجزائر.

في السياق، دعا رئيس الجمهورية إلى «تعبئة وطنية لكي نتقاسم الجهود التي تفرضها علينا مصاعبنا المالية الظرفية، ونواصل مسارنا التنموي الواعد»، مشيرا إلى أن الجزائر بإمكانها تقويم وضعها المالي والاقتصادي، من خلال «النموذج التنموي الجديد» و«بناء اقتصاد أكثر تنوعا وقادرا على تلبية حاجات شبابنا في مجال التشغيل، وعلى ضمان ديمومة خياراتنا الاجتماعية». وهو ما يتطلب «تعميق الإصلاحات» التي تمكن من تحديث التسيير وتنشيط الاستثمار وتعزيز النجاعة في النفقات العمومية التي تم الشروع فيها، دون إغفال أهمية «الحفاظ على السلم الاجتماعي لإنجاح مسعى الإعمار الوطني». ولهذا، فإن الرئيس دعا الجميع إلى «الإسهام في صون السلم الاجتماعي»، ودعا المواطنين خصوصا إلى «تحكيم العقل أمام الخطابات الشعبوية والانتخابوية»، دعوة تحمل في طياتها تخوفات من بعض الانزلاقات التي قد تجرها المرحلة القادمة المتميزة بمواعيد انتخابية هامة، تفتح المجال واسعا أمام «الجدل السياسي» بكل أوجهه الذي يمكنه أن يقوم على مغالطات وعلى استغلال للوضع الراهن لإضفاء أجواء الشكوك. 

التشكيلات السياسية مدعوة  للحفاظ على الاستقرار

ومن هنا، فإن رئيس الجمهورية شدد على أن التحدي الثالث يتمثل في المحافظة على «الاستقرار السياسي»، مذكرا في هذا الشأن بالجهود المبذولة من طرف الدولة لضمان «بنية مؤسساتية وطنية ومحلية منبثقة من الانتخابات التي تجري بانتظام». كما تحدث عن التعديل الدستوري الأخير الذي «عزز بقواعد الديمقراطية التعددية ودعم مكانة المعارضة وحقوقها حتى داخل البرلمان، وأثرى منظومتنا الانتخابية بضمانات جديدة للشفافية والحياد». 

وهي الضمانات التي سيتم تطبيقها لأول مرة في الانتخابات التشريعية والمحلية العام المقبل في إطار قانون الانتخابات الذي تم تحيينه وكذا تنصيب الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات. 

ووعد الرئيس بالسهر على تجسيد كافة هذه المكاسب الجديدة وصونها «حتى تقطع الديمقراطية أشواطا أخرى في بلادنا ويشارك شعبنا أكثر فأكثر في اختيار ممثليه، وتسهم المجالس المنتخبة على المستوى الوطني والمحلي بشكل أكبر في إنجاح الإصلاحات وفي التنمية على كافة الأصعدة». 

بالمقابل دعا جميع التشكيلات السياسية إلى الإسهام في الحفاظ على الاستقرار السياسي، معتبرا أنه «واجب كل واحد منا تجاه الشعب الذي هو مصدر الديمقراطية وتجاه الوطن الذي ليس لنا وطن غيره». 

الأمل مشروع، والشعب قادر على المقاومة ومغالبة التحديات

ثلاثية «الأمن والاستقلال الاقتصادي والاستقرار السياسي»، هي من صلب قناعات الشهداء والمجاهدين الذين خاضوا أصعب الثورات في العالم لتحقيق استقلال ذهب ضحيته «سدس سكان الجزائر»، كما ذكر به الرئيس بوتفليقة، الذي اعتبر أن إحياء الذكرى الثانية والستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة، «هو بمثابة ترحم وطني خاشع جامع على شهدائنا الأبرار، وعرفان نسديه لمجاهدينا ومجاهداتنا الأشاوس، الذين رحلوا والذين مازالوا على قيد الحياة».

وفي الرسالة القوية التي ذكر فيها بمعاناة الشعب أمام الجرائم الاستعمارية، وكم هي عديدة وكثيرة، فردية وجماعية، استعملت فيها كل الأسلحة وكل أساليب التعذيب، شدد على أن هذه الذكرى يجب أن «نرسخها في ذاكرتنا الوطنية»، لكن ليس من باب «زرع الحقد» وإنما «لكي لا ينسى أحد منا الثمن الذي دفعه شعبنا في سبيل أن يعيش حرا مستقلا». 

وذكر بأن الثورة كانت تحمل غايات لعهد ما بعد الاستقلال، نص عليها بيان أول نوفمبر 1954، ومنها على الخصوص «بناء ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية وفي ظل احترام الحريات الأساسية بلا تمييز من حيث العرق أوالمعتقد»، وهو مارسخته دساتير البلاد المتتالية.

وبنبرة التفاؤل التي وصفها بـ«نغمة الأمل المشروع»، ختم الرئيس رسالته إلى الشعب في ذكرى ثورته، حين خاطب المواطنين بالقول «إنكم شعب يحظى بالاحترام والإعجاب عبر العالم وذلك لأنكم شعب يتمتع بمقدرة على المقاومة ومغالبة التحديات، وقد برهنتم على ذلك مرات ومرات». 

وأكد أن الجزائر التي استطاعت أن تسترجع أمنها «ستواصل الحفاظ عليه في هذا المحيط المضطرب»، وإنها «تملك المكتسبات الضرورية للمضي قدما في تنميتها والاستجابة أكثر فأكثر للحاجات الاجتماعية لكل واحد من مواطنيها والالتحاق بركب البلدان الصاعدة»، كما أنها «اعتمدت ديمقراطية حقة سيتواصل تطويرها وترسيخها حتى نثبت للعالم أننا لا نقل عن غيرنا شأنا في هذا المجال». 

نص رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى الـ62 لثورة أول نوفمبر 1954 

 وجه رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أمس رسالة إلى الشعب الجزائري بمناسبة إحياء الذكرى الثانية والستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954. هذا نصها الكامل: 

 «بسم الله الرحمن الرحيم  

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين  

وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين      

بني وطني الأعزاء، 

إن إحياء الذكرى الثانية والستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة هو بمثابة ترحم وطني خاشع جامع على شهدائنا الأبرار، وعرفان نسديه لمجاهدينا ومجاهداتنا الأشاوس، الذين رحلوا والذين مازالو على قيد الحياة وندعو لهم جميعا بموفور الصحة ومديد العمر.  

بالفعل، إننا سنحيي غدا، إن شاء الله، بكل انتشاء واعتزاز، ذكرى الكفاح التحرري الذي جاهر شعبنا برفضه الذي دام عهودا طوالا، لغزو المستعمر واحتلاله لأرضه. 

ما أكثر المجازر التي كانت من قبيل الإبادة أو كادت، التي تخللت الليل الاستعماري، ذلكم الليل الحالك الدامس الذي اكتنف السلب الكاسح الذي طال أراضينا لتصبح ملكا لمستوطنين أجانب، في حين كان الإجلاء إلى ديار المنفى مآل الآلاف من الجزائريين. وكان من مغبة ذلكم الليل الرهيب أن يحاول محو هويتنا الوطنية هي الأخرى. 

ذلكم بعض من كل الحقائق النكراء، حقائق الاستعمار الذي ناخ بكلكله على الجزائر، الحقائق التي لن يقوى أبدا أي خطاب يعلو من وراء البحار لا على تزييفها ولا على محوها. 

لقد أبان شعبنا على مدار قرن من الزمن، من خلال ثوراته المتعاقبة بكل بسالة وبطولة، عن رفضه الصريح البات للاحتلال. ولقد راود شعبنا الأمل في أن يعيد له إسهامه في تحرير أوروبا حريته بالتي هي أحسن، ولكنه باء بالخيبة، كما شهدت على ذلك مجازر مايو 1945 التي أودت بأرواح عشرات الآلاف من أبناء وطننا العزل. 

تلكم هي المسببات العميقة لهبة أول نوفمبر 1954، هبة الخلاص التي بفضلها أقدم الشعب على استرجاع حريته واستقلاله بقوة السلاح. 

وكان الكفاح قاسيا مكلفا وغير متكافئ من حيث الوسائل، وارتوت تربة الجزائر بدماء مليون ونصف مليون شهيد، أي ما يربو عن سدس الساكنة، منهم من استشهد استشهاد الأبطال في ساحات الوغى والسلاح في يده، وراح البقية من الرجال والنساء والأطفال ضحية الاختطاف في المدن والقرى أو قتلوا غيلة في سجون الاستعمار أو ماتوا تحت التعذيب. 

والثمن الذي دفعه شعبنا في سبيل استقلاله يشمل كذلك مئات الآلاف من الأرامل واليتامى ومئات الآلاف من المعطوبين وملايين الأشخاص المهجرين من أراضيهم والمشاتي المحروقة، في غالب الأحيان، بقنابل النابالم. تلكم هي التضحيات الجسام التي نحيي ذكراها اليوم. وهذه هي الذكرى التي من واجبنا أن نرسخها في ذاكرتنا الوطنية، ليس لزرع الحقد وإنما لكي لا ينسى أحد منا الثمن الذي دفعه شعبنا في سبيل أن يعيش حرا مستقلا. 

بني وطني الأعزاء،          

لقد جلبت ثورة نوفمبر المجيدة لشعبنا الإعجاب الذي هو أهل له بجدارة في كافة القارات، وكانت ثمرتها إعادة بعث دولتنا المستقلة ذات السيادة. وما كان لثورتنا هذه أن تؤتي أكلها إلا بتحقيق كافة غاياتها لعهد ما بعد الاستقلال، تلك الغايات التي نص عليها بيان أول نوفمبر 1954، ومنها على الخصوص بناء ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية وفي ظل احترام الحريات الأساسية بلا تمييز من حيث العرق أو المعتقد. 

وكانت الورشة كبيرة كبر التأخر الذي كان لابد من تداركه، وعظيمة عظمة الآمال المشروعة لشعبنا الذي كان سخيا في تضحياته. وسرعان ما هب الشعب، بإيمان وحماس، إلى إعادة بناء بلاده. 

فلقد اعتمدت في أول دستور ارتضاه الشعب الجزائري لنفسه، تلك المبادئ الأساسية المرجعية المنصوص عليها في بيان نوفمبر كثوابت وطنية تواصل تأكيدها وتمتينها من خلال التحيينات التي أدخلت على دستورنا. 

ابتداء من العشرية الأولى بعد الاستقلال، شرع في العمل على قدم وساق، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد التي سجلت لاحقا تقدما كبيرا رغم بعض العثرات. 

وقبل ربع قرن حدث الانفتاح الديمقراطي الذي تخللته، ويا للأسف مأساة وطنية أليمة وفق شعبنا في معالجتها بمقاومة اضطلع بها وحده، ثم تجاوزها بفضل جنوحه إلى خيار حميد مجد، خيار المصالحة الوطنية. 

ولما سبق لي أن تناولت، بمناسبة احتفالنا الفارط بذكرى عيد الاستقلال والشباب، الإنجازات الكبيرة التي وفقتم في تحقيقها في كنف السلم المسترجع والاستقرار الذي تعزز، فدعوني أقاسمكم بعض الأفكار حول مستقبلنا الوطني.  

بني وطني الأعزاء، 

يقتضي إنجاز تنمية اقتصادية واجتماعية كفيلة بتلبية حاجات السكان مجهودا مطردا موصولا يظل معرضا لتقلبات الظروف الاقتصادية والجيوسياسية الخارجية. لهذا، كان النجاح في ربح هذه المعركة يحتاج إلى جبهة داخلية عتيدة قوية من أجل مغالبة التحديات الكثيرة، التحديات التي أتوقف عند ثلاثة منها. 

في المقام الأول، تحدي أمن البلاد والعباد والممتلكات الذي من دونه لا تتحقق التنمية، بل تصبح غير مضمونة. 

إن الجزائر مؤمنة بأن لها أن تعول على قدرات الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، وعلى احترافيته ووطنيته، وكذا على طاقات الأسلاك الأمنية وخبرتها في صون حرمة التراب الوطني واستئصال شأفة بقايا الإرهاب وقطع دابره في أرضها. 

هذا، وأنتهز هذه المناسبة لأوجه تحية الإكبار لضباط الجيش الوطني الشعبي ولضباط صفه وجنوده على ما هم عليه من تعبئة وتحفز واستعداد وما يبذلونه من تضحيات في سبيل الوطن. كما أنوه بتفاني أفراد أسلاكنا الأمنية واحترافيتهم على سهرهم، خاصة على أمن المواطنين ومحاربتهم لشتى الآفات التي تهدد مجتمعنا. 

إن أمن البلاد والقضاء على الإرهاب ودحر الآفات الإجرامية وحتى الأمن العمومي، كلها قضايا تستوجب، أيضا، اليقظة الجماعية التي أدعو كل مواطن وكل مواطنة إلى الاضطلاع عليها. 

إن الإرهاب آفة ما فتئت تستفحل في العالم وفي جوارنا. وقد بلغت المتاجرة بالأسلحة والمخدرات مستويات خطيرة في منطقتنا. لذا، وجب أن يلقى جيشنا وأسلاكنا الأمنية المؤازرة من المواطنين ويعولا على تنامي الحس المدني في سائر أرجاء بلادنا. 

بني وطني الأعزاء، 

أتطرق في المقام الثاني، إلى تحدي التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي علينا أن نواصلها ونكثفها. 

في هذا المضمار وخلال قرابة عقدين من الزمن، بذلت جهود جبارة أثمرت نتائج معتبرة. فقد تمت تعبئة مئات المليارات من الدولارات من عائدات النفط لبناء المدارس والجامعات والمستشفيات والسكنات وتوصيل الطاقة والماء الشروب وتشييد المنشآت القاعدية. 

وقد ساهمت الدينامية هذه فيما ساهمت في تراجع البطالة وتحسين ظروف معيشة فئات عريضة من السكان. كما أن هذه الإنجازات، رغم عدم كفايتها بالنظر لفداحة كم الحاجات، تعد تجسيدا ملموسا لحرص الدولة على العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني. 

والحال أن الجزائر، على غرار غيرها من البلدان المنتجة للنفط، باتت تواجه منذ عامين، تراجعا حادا لعائداتها. 

وكان للإجراءات التي اتخذت خلال السنوات الأخيرة، ومنها التسديد المسبق للديون الخارجية والتسيير الرشيد لاحتياطي الصرف، الفضل في الحفاظ على استقلالية قرارنا الاقتصادي. وإنني على يقين من أن كل واحد منكم حريص على حماية هذه الاستقلالية التي تتوافق وأنفتنا الوطنية وإباءنا. 

ولنا في هذا مدعاة أخرى للدعوة إلى تعبئة وطنية لكي نتقاسم الجهود التي تفرضها علينا مصاعبنا المالية الظرفية، ونواصل مسارنا التنموي الواعد. 

أجل، إنه في وسعنا أن نقوم وضعنا الاقتصادي والمالي. وسيمكننا النموذج التنموي الجديد، المصادق عليه مؤخرا، من تثمين قدراتنا الكبيرة من أجل بناء اقتصاد أكثر تنوعا وقادرا على تلبية حاجات شبابنا في مجال التشغيل، وعلى ضمان ديمومة خياراتنا الاجتماعية. 

لذا، علينا أن نسير قدما بإصلاحاتنا وأن نعمقها من أجل تحديث تسييرنا، وتنشيط الاستثمار، وتعزيز النجاعة في النفقات العمومية، وهي كلها مجالات، من بين غيرها، نسجل فيها يوما بعد يوم، تقدما واعدا. 

كما يتعين علينا أن نساهم يدا واحدة في الحفاظ على السلم الاجتماعي لإنجاح مسعى الإعمار الوطني. 

في سبيل ذلك، باشرت الحكومة الحوار والتشاور مع شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين. 

وإنني أدعو هؤلاء جميعا إلى المساهمة في صون السلم الاجتماعي. كما أدعو المواطنين إلى تحكيم العقل أمام الخطابات الشعبوية والانتخابوية. 

 بني وطني الأعزاء، 

التحدي الثالث والأخير الذي أود التطرق إليه اليوم هو تحدي الاستقرار السياسي. 

بفضل المولى عز وجل، ارتضت بلادنا لنفسها بنية مؤسساتية وطنية ومحلية منبثقة من الانتخابات التي تجري بانتظام. كما أن الدستور الذي تمت مراجعته في مطلع العام الجاري، تعزز بقواعد الديمقراطية التعددية ودعم مكانة المعارضة وحقوقها حتى داخل البرلمان، وأثرى منظومتنا الانتخابية بضمانات جديدة للشفافية والحياد. 

ذلكم هو السياق الذي نتجه فيه اليوم إلى تنظيم انتخابات تشريعية وبعدها انتخابات محلية خلال العام المقبل، في إطار قانون الانتخابات الذي تم تحيينه منذ فترة وجيزة بغرض إدراج ضمانات الشفافية الجديدة التي نص عليها الدستور. وفي نفس الوقت، تم الشروع في وضع الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات لتمكينها من الانطلاق في نشاطها قبل الانتخابات التشريعية المقبلة. 

وبما أن حماية الدستور منوطة برئيس الجمهورية، فإنني سأسهر على تجسيد كافة هذه المكاسب الجديدة وصونها حتى تقطع الديمقراطية أشواطا أخرى في بلادنا، ويشارك شعبنا أكثر فأكثر في اختيار ممثليه، وتساهم المجالس المنتخبة على المستوى الوطني والمحلي بشكل أكبر في إنجاح الإصلاحات وفي التنمية على كافة الأصعدة. 

أجل، إن طموح الوصول إلى السلطة هو الغاية المنشودة من وراء التعددية الديمقراطية، غير أن نجاح الديمقراطية يقتضي الاستقرار. لذا، أدعو جميع تشكيلاتنا السياسية إلى المساهمة في الحفاظ على هذا الاستقرار. وهذا واجب كل واحد منا تجاه الشعب الذي هو مصدر الديمقراطية وتجاه الوطن الذي ليس لنا وطن غيره. 

         بني وطني الأعزاء، 

إنكم شعب يحظى بالاحترام والإعجاب عبر العالم، لأنكم شعب يتمتع بقدرة على المقاومة ومغالبة التحديات، وقد برهنتم على ذلك مرات ومرات. 

بعون من الله، استطاعت الجزائر أن تسترجع أمنها وستواصل الحفاظ عليه في هذا المحيط المضطرب. 

هذا، وإن الجزائر تملك أيضا المكسبات الضرورية للمضي قدما في تنميتها والاستجابة أكثر فأكثر للحاجات الاجتماعية لكل واحد من مواطنيها والالتحاق بركب البلدان الصاعدة. 

كما أنها اعتمدت ديمقراطية حقة سيتواصل تطويرها وترسيخها حتى نثبت للعالم أننا لا نقل عن غيرنا شأنا في هذا المجال. 

كل هذا إنما هو ثمرة جهودكم وتضحياتكم. وكل هذا يدعوكم إلى مواصلة المسيرة وإنجاح الجهاد الأكبر من أجل أن تبقوا في مستوى عظمة ثورة نوفمبر وتضحيات شهدائنا الأبرار. 

على نغمة هذا الأمل المشروع، أختم رسالتي هذه متوجها إليكم، بني وطني الأعزاء، بأحر التهاني بمناسبة إحياء عيدنا الوطني، عيد أول نوفمبر، متمنيا لكم مزيدا من السعادة والرفاه في كنف الجزائر المستقلة ذات السيادة، راجيا من المولى جل جلاله أن يكلأ شعبنا بعنايته ورعايته ويحفظ وطننا من كل سوء ومكروه. 

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار! 

تحيا الجزائر! 

أشكركم على كرم الإصغاء».