بتجربتي شريف عياد وبن عيسى
المسرح المحترف يناقش مسرح المهجر
- 829
ضمن الندوات المرافقة للدورة الحادية عشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، قدّمت بنادي «امحمد بن قطاف» ندوة تناول فيها الدكتور أحمد شنيقي والمسرحي القدير زياني شريف عياد وكذا الأستاذة فاطمة قرماط موضوع «المسرح والهجرة». وتمّ خلالها إبراز السياق الذي ظهر فيه مسرح المهجر، مع تقديم تجربتين هما تجربتا زياني شريف عياد وسليمان بن عيسى.
في هذا الإطار، استعراض الدكتور شنيقي ظروف نشأة مسرح المهجر بفرنسا خلال استعمار الجزائر، وأشار إلى أنّه جاء نتيجة الرغبة في رفع سقف الحرية لمجابهة القمع الفرنسي. واقترنت أولى البوادر مع نجم شمال إفريقيا، ونوّه المحاضر بالبعد السياسي للمسرحيات التي كانت تقدّم، حيث عكست مرارة العيش في ظلّ الاستعمار وحالة الاضطهاد، مضيفا أنّ الكثير من ممارسي المسرح، سواء كانوا كتابا أو مخرجين أو ممثلين خلال الفترة الاستعمارية هجروا الجزائر نحو فرنسا بحثا عن أفق جديد لممارسة الديمقراطية والحرية، ما شكّل في منظور المثقف الراحل مولود معمري ظاهرة إيجابية غذّت الوعي بالحرية والديمقراطية لدى هؤلاء لمساءلة فرنسا عن سبب عدم التزامها بما تنشره من قيم العدالة والحرية والمساواة. وأوضح شنيقي أنّ تجربة كاتب ياسين في مجال مسرح الهجرة سنة 1972 كانت ظاهرة صحية، حيث تجوّل بعرضه «محمد خذ حقيبتك» في كل المدن الفرنسية، كما قدّم العمل إياه في الساحات العمومية والمستودعات والمصانع بعيدا عن الفضاءات التقليدية، مشيرا إلى أنّ سنة 1975 عرفت تنظيم أول مهرجان خاص بمسرح المهجر في فرنسا، وهي سابقة شهدت مشاركة أزيد من ثلاثين فرقة مسرحية جزائرية قدّمت أعمالا بالدارجة وبالأمازيغية والفرنسية.
غياب التوثيق ومحدودية البحث
من جهته، تحدّث المخرج زياني شريف عياد عن التجربة التي خاضها في التسعينيات في فرنسا، والتي أكّد أنّها كانت مختلفة عن تلك التي عاشها رعيل كاتب ياسين. وأرجع ذلك إلى تغيّر انشغالات وهموم المسرحيين وتوجّههم نحو المطالبة بجوّ سياسي عام في ظلّ الشمولية، ما ترتّب عنه إعادة تكييف العروض مع احتياجات ومطالب الجمهور الذي أصبح متعطشا لكلّ ما هو مغاير. وتوقّف زياني عند البيرقراطية التي سادت بداية التسعينيات وكانت حجرة عثرة في مسار توزيع العروض الجزائرية في الخارج، وسرد الحادثة التي وقعت بمهرجان قرطاج عندما طلب أحد المنتجين الكويتيين توزيع عرض «قالوا لعرب قالوا» بالكويت، فصدم لرد رئيس الوفد الجزائري - من إطارات وزارة الثقافة - حيث كانت ردة فعله بعيدة عن الممارسة الثقافية وكان مثال «اللامبالاة»، وأكّد المتحدّث أنّ البيروقراطية ساهمت في انحصار تجربة المسرح الجزائري وعدم وصولها لجمهور أوسع. في سياق حديثه عن تجربته بالمهجر، استحضر زياني الأعمال التي قدّمها فوق خشبات المسارح العالمية على غرار «العيطة» و«فاطمة»، وتطرّق إلى الجمهور الذي كان يشاهد عروضه، موضّحا التباين الموجود بين مختلف المناطق والضواحي الفرنسية. تجربة سليمان بن عيسى في مسرح المهجر، هو ما خاضت فيه الأستاذة فاطمة قرماط، حيث أشارت إلى أنّ مواضيع بن عيسى تركّزت في التاريخ والذاكرة التي شكلت انشغالاته الأولية، وكان همّه أن يوصل معاناة الجزائريين إلى الجمهور الفرنسي، كما تناول عبر شخوصه وضعيات نفسية واجتماعية مأزومة، وعمد إلى البوح بالمعاناة والتطرف والعنف، مشيرة إلى أنّ بن عيسى عبر نصوصه المسرحية والروائية، لم يتحدث عن الجزائر فحسب بل عن المهاجرين في فرنسا، وحاول عولمة الإشكاليات، كما ركّز على المرأة والدين والسياسة وإبراز التناقضات في التاريخ من خلال شخوصه.