الجزائريون يستحضرون اليوم أحداث 11 ديسمبر

الهبة الشعبية التي كسرت شوكة الاستعمار

الهبة الشعبية التي كسرت شوكة الاستعمار
  • 2107
مليكة.خ/ص.محمديوة مليكة.خ/ص.محمديوة

يستحضر الجزائريون اليوم، أحداث 11 ديسمبر 1960، التي شكلت منعرجا حاسما في الانتفاضة الثورية ونقلت المواجهات من الجبال إلى المدن والشوارع، إذ نجحت هذه الهبة الشعبية في كسر شوكة الاستعمار وكذبت أسطورة الجزائر فرنسية، ودفعت إلى تدويل الثورة وأكسبتها المزيد من التعاطف والتضامن الدوليين وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية، التي كانت تهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي، فكانت تلك المظاهرات رسالة قوية لفرنسا الاستعمارية التي أدركت قوة الإرادة للتحرر، فضلا عن ضم العديد من مناصري العالم إلى صفها.

في ذلك اليوم، خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا، وضد موقف المعمرين الفرنسيين الذين ظلوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية، وأخذت منحى التشدد والإصرار منذ ماي 1958، حين تم توجيه نداء استغاثة للجنرال ديغول للعودة إلى الحكم بغرض إنقاذ الجمهورية.

الجنرال ديغول كان يراهن على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تموشنت في 9 ديسمبر 1960، في الوقت الذي عمل فيه المعمّرون من جهتهم على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات يوم 10 ديسمبر 1960 لفرض الأمر الواقع على الجزائريين، والرد على شعار ديغول "الجزائر جزائرية" بشعارهم الحالم لجزائر فرنسية، وأمام هذا وذاك، تدخلت جبهة التحرير الوطني بقوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر مسلمة مستقلة، للرد على الشعارين الغاصبين.

الجماهير خرجت يوم 11 ديسمبر وتجمعت في ساحات مدن الوطن، ففي العاصمة عرفت ساحة الورشات ببلكور وشارع ديدوش مراد، كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال، فحاولت القوات الاستعمارية والمعمرون التصدي لها، فتوزعت المظاهرات عبر مختلف الأحياء الشعبية، منها بلكور والمدنية وباب الواد والحراش وبئر مراد رايس والقبة وبئر خادم وديار السعادة والقصبة ووادي قريش، كما توسعت لتشمل العديد من المدن الجزائرية كوهران والشلف والبليدة وقسنطينة وعنابة وغيرها.. والتقت حول شعار واحد هو المطالبة بالاستقلال، ولم تقتصر على يوم واحد بل امتدت المظاهرات لأزيد من أسبوع. 

في هذا الصدد، ألقى فرحات عباس يوم 16 ديسمبر 1960 خطابا في شكل نداء أشاد فيه ببسالة الشعب وتمسكه بالاستقلال الوطني وإفشاله للسياسة الاستعمارية والجرائم المرتكبة ضد المدنيين العزل. وقد فضح من خلال هذا النداء وحشية وغطرسة الاستعمار الفرنسي.

القوات الاستعمارية تدخلت في عمق الأحياء ومارست كافة أشكال القمع على المتظاهرين بتواطؤ من المعمرين، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا الأبرياء، غير أن صدى الأحداث أثار حالة من الارتباك في صفوف المستعمر، وأثبت مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك السيادة المسلوبة.

 في هذا الصدد ـ يقول المجاهد رضا مالك في شهادته ـ إن هذه المظاهرات "حطمت معنويات ديغول وأحلامه الاستعمارية"، مضيفا  أن هذه المظاهرات تعد انتصارا حقيقيا لجبهة وجيش التحرير الوطني على ديغول الذي كان يعتقد أن زيارته للجزائر وحمله لمشروع قسنطينة سيقضي على جبهة التحرير الوطني، ليصطدم بوضع مدهش لم يكن يتوقعه من قبل عندما استقبل بالرفض القاطع لسياسته الاستعمارية، الأمر الذي جعله يعود إلى وهران من عين تموشنت ليركب طائرته عائدا نحو فرنسا دون تمكنه من زيارة المناطق التي أدرجت ضمن أجندته.

مع اتساع دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم، خاصة العربي منه، خرجت في فرنسا نفسها، الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد، كان لها تأثير على الرأي العام العالمي ودخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية وتعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب المناصرة للقضية الجزائرية، الأمر الذي أجبر ديغول بعد أشهر من تلك الأحداث على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني كانت نتائجها كما خطط لها شباب مقتنع بضرورة الكفاح المسلح في بيان موجه إلى الشعب الجزائري في أول نوفمبر 1954.

من نتائج مظاهرات 11 ديسمبر أن قامت الأمم المتحدة بعد أقل من عشرة أيام بإصدار لائحة اعترفت فيها بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير، وأسقطت ادعاءات الحكومة الفرنسية الاستعمارية بأن ما يحدث في الجزائر قضية داخلية.

بشهادة الصحافة العالمية التي غطت وقائعها آنذاك  ...مظاهرات 11 ديسمبر 1960 مرحلة مفصلية في مسار ثورة التحرير

أجمع المتدخلون في الندوة التاريخية التي نظمتها أمس وزارة الدفاع الوطني بمقر المتحف المركزي للجيش بمناسبة إحياء الذكرى الـ 56 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، أن هذه الأخيرة شكلت مرحلة مفصلية ومنعرجا حاسما في مسار ثورة التحرير بعد أن دفعت بالمحتل الفرنسي إلى الجلوس مرغما إلى طاولة التفاوض.

 وخلال تدخله، أكد محمد عباس إعلامي ومختص في تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر أن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 كانت بمثابة انفجار بركان من الغضب الشعبي ظل مكبوتا طيلة سنوات، حيث شهدت لأول مرة منذ مظاهرات الثامن ماي 1945 حمل العلم الجزائري بكثافة في مشهد أبهر ليس فقط المسؤولين الفرنسيين بل حتى الصحافة الدولية.

وهو ما تناقض مع توقعات الجنرال ديغول الذي كان في زيارة إلى الجزائر هي الأخيرة له حيث جاء حاملا معه مشروع "الجزائر جزائرية" الذي أراد من خلاله قياس درجة شعبيته لكنه فوجئ بهتافات المتظاهرين الجزائريين "الجزائر مستقلة "و"فرحات عباس في السلطة" لتكون بمثابة استفتاء حقيقي لتقرير المصير.

وأكد الأستاذ عباس أن الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة العارمة انطلقت من حي بلكور الشعبي بقلب العاصمة بعد أن أقدم جنديان فرنسيان على التعدي على شيخين جزائريين مما أثار غضب شبان الحي ثم سرعان ما توسعت لتشمل مختلف أحياء العاصمة ومدن جزائرية أخرى.

وقال إن تزامنها داخليا مع زيارة ديغول ومسارعة جبهة التحرير الوطني لتبنيها شكل تأثيرا قويا على معنويات المجاهدين إلى درجة أن أحد الضباط في جيش التحرير الوطني اعتبرها بمثابة معركة "ديان بيان فو السيكولوجيا" بعد أن خرج الجزائريون بالآلاف وتصدوا بصدور عارية لرصاص المحتل الفرنسي، متمسكين بجزائريتهم وإسلامهم واستقلال أرضهم.

أما على الصعيد الخارجي، فقد تزامنت مع مناقشة القضية الجزائرية على طاولة الجمعية العامة الأممية التي اعترفت على وقع مظاهرات 11 ديسمبر بأهم مطالب الحكومة المؤقتة وفي مقدمتها حق تقرير المصير والضمنات الضرورية لتطبيقه.

وتطرق الأستاذ محمد عباس إلى كيفية تناول الصحافة العالمية لهذه المظاهرات حيث قال إن مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز" بباريس كتبت تقول إن مظاهرات 11 ديسمبر نسفت ثلاث خرافات أساسية، الأولى خرافة أن الجزائر فرنسية والثانية خرافة أن أنصار الاستقلال قلة من المتحررين والثالثة أن ديغول وحده القادر على فرض السلم.

وفي نفس السياق، تمحورت مداخلة عبد العزيز بوكنة، أستاذ بجامعة بوزريعة الذي تطرق إلى كيفية تناول أحد الصحافيين البريطانيين "إدوارد بورد" ممن عايشوا وقائع الحرب العالمية الثانية وكان يعمل مراسلا لوكالة رويترز مظاهرات 11 ديسمبر. وقال إن هذا الصحافي نقل في كتاباته تحت اسم "مشكلة الجزائر"، أنه مع تقدم الوقت ازداد الاقتناع في أذهان المسؤولين الفرنسيين والمواطنين "المسلمين" التسمية التي كانت تطلقها الصحافة الغربية على الجزائريين أنه يجب الجلوس إلى طاولة مفاوضات الند للند.

وأكد الأستاذ بوكنة أن هذه المظاهرات والقمع الوحشي الذي قوبلت به من المحتل الفرنسي هزّت الصحافة العالمية وفرنسا نفسها التي تأكدت من فشل سياستها الاستعمارية في الجزائر. 

من جانبه، اعتبر المجاهد سعيد بوراوي رئيس جمعية 11 ديسمبر 1960 أن هذه الأخيرة ترجمت مقولة الشهيد العربي بن مهيدي عندما قال "ارموا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب".