لأن تسقيفها مخالف للشريعة:
أئمة يطالبون بحملة تحسيسية واسعة لتيسير المهور

- 1243

ارتفعت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات المطالبة بتسقيف المهور، بعد أن تعذر على بعض الشباب إتمام نصف دينهم، بالنظر إلى ارتفاع تكاليف الزواج التي دخلت في خانة المباهاة والمغالاة وحتى التبذير، وحولت بذلك عقد الزواج المقدس الذي يفترض أن الغاية منه التأسيس لأسرة والمساهمة في بناء المجتمع إلى نوع من التجارة.
حاولت «المساء» جس نبض الشارع حول إمكانية تسقيف المهور بجعل حد أعلى وأدنى لها بناء على الدعوات التي تبنت هذا التوجه في إطار التيسير، فكانت ردة فعل أغلب المستجوبين رافضة للفكرة، غير أن الأسباب اختلفت، حيث عكست بعضها مدى الوعي بما جاءت به الشريعة الإسلامية التي جعلت مسألة تحديد المهور مفتوحة وحرصت على التيسير، فيما اتجهت بعض الآراء إلى رفض الفكرة من باب المفاخرة، فهذه إيمان، طالبة جامعية تقول بأنها ترى أن مهرها لابد أن يكون من أعلى المهور مقارنة بنظيراتها، لأنه يعكس مكانتها وقيمتها عند من تقدم لخطبتها، في حين تكشف شابة عشرينية أن الفتاة التي يكون مهرها قليل، كأنها بيعت على حد قولها ـ بثمن بخس، يمكن أن يستغله زوج المستقبل إن حدث نزاع بينهما كسلاح يسيء به إليها، من منطلق أنها لم تكلفه شيئا كبيرا. بينما ذهبت مواطنة أخرى إلى القول بأن تدني مهر الفتاة قد يسيء إليها ويجعلها محل سخرية من نظيرتها وحتى من أهل زوجها، خاصة إن كان الفرق كبيرا، بينما يشير السيد أحمد، تاجر في سوق الأبيار، إلى أنه لا يؤيد مطلقا فكرة تسقيف المهور ويخالف الفكرة القائلة بأن غلاء المهور وراء عزوف الرجال عن الزواج، بل بالعكس شباب اليوم يطمحون دائما إلى الحصول على ما يبغونه وبأقل التكاليف، من أجل هذا لا أخفي عنكم يقول: «عندما أزوج ابنتي الأكيد أنني سأشترط أن يكون مهرها مرتفعا ليدرك من يتقدم لها قيمتها، وقبل أن يفكر في إيذائها يتذكر كم كلفته لتكون زوجة له». وهو نفس الانطباع الذي سجلناه عند سيدة في عقدها الربعين، حيث ترى أنه كلما كان المهر مرتفعا كلما أدرك الرجل قيمة الفتاة التي اختارها.
ماذا عن رأي الدين؟
صبت أراء رجال الدين الذين تحدثت إليهم «المساء» في وعاء واحد، وهو الابتعاد عن الدعوة إلى تسقيف المهور حتى وإن كان مبالغا فيها وكانت سببا في عزوف الشباب عن الزواج، وحسب الشيخ أولفقي أبو عبد السلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حقيقية يدعو إلى التيسير في المهور، غير أنه لم يدع مطلقا إلى تسقيفها، بالتالي فإن أية دعوة تتجه إلى المطالبة بتسقيف المهور تعتبر مخالفة للدين».
ومن جهته موسى زروق، إمام وأستاذ بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة، يؤكد حقيقة ارتفاع المهور التي أصبحت من أهم الأسباب التي جعلت الشباب يعزف عن إتمام نصف دينهم، غير أننا يقول: «لا يمكن أن نطالب بالتسقيف وإنما يمكن أن ندعو في كل ربوع الوطن إلى التخفيف منها وتيسيرها، لأن النصوص التي تحث على التخفيف والتيسير في المهور كثيرة»، مشيرا إلى «أن المطلوب اليوم في المجتمع هو تبني حملة تحسيسية واسعة النطاق للتوعية والدعوة إلى التخفيف من تكاليف الزواج والمهور، لأن تحديد حد معين للمهر هو الآخر يطرح الكثير من الإشكالات، أهمها أنه يخالف الدين وهو ما جاء في قوله تعالى: «وأتيتم إحداهن قنطارا» فهذه الآية تدل على أن المهر غير محدد ويمكن أن يكون كبيرا، بالتالي المطلوب اليوم وضع علاج للحد من التكاليف المبالغ فيها في الزواج وفي المهور، لأن قيمة المرأة لا تحدد بغلاء مهرها، مثلما يعتقد البعض، وهو شائع وإنما المرأة مكرمة وكلما كان مهرها قليل كان زواجها أكثر بركة، وهو ما دعانا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام.
المطلوب اليوم من العائلات، حسب الإمام موسى، أن تعيد النظر في تكاليف الزواج لتشجيع الشباب على إتمام نصف دينهم، لأن العبرة ليست في غلاء المهور وإنما في الزواج الذي يعد أمرا فطريا، الغاية منه هو تكوين أسرة وإنشاء لبنة جديدة في المجتمع وتربية جيل نافع لمجتمعه ووطنه».
وزارة الشؤون الدينية مدعوة لتبني حملة تيسير المهور
قضية تسقيف المهور، حسب الإمام فارس مسدور، مخالفة للشريعة الإسلامية، وقد ثبت ذلك بالبينة في تاريخنا، يقول: «نجد أن أول من حاول تسقيف المهور هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقامت إليه امرأة وقالت له؛ يا عمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ عند إذن تنبه عمر رضي الله عنه إلى خطئه، وقال قولته المشهورة «امرأة أفقه من عمر»، بالتالي يضيف: «لا يمكن مطلقا الدعوة إلى تسقيف المهور وإنما يجب على الناس إدراك أن أقل عقود الزواج مهورا أكثرهن بركة، لأن المفهوم الشائع والخاطئ وهو ذلك القائم على المباهاة التي لا تجوز في ديننا، لذا نحن مطالبون بالرجوع إلى جادة الصواب وأن نحتكم إلى عاداتنا وتقاليدنا باللجوء إلى ما يسمى مهر المثل، والسعي قدر الإمكان إلى التخفيف من التكاليف. فالمطلوب اليوم من وزارة الشؤون الدينية أن تتبنى حملة لتيسير المهور، يشرف عليها أئمة عن طريق المنابر المسجدية.