صدور "التحفة الأمينة في حاضرتي بسكرة وقسنطينة" لبن لمبارك
جرد التراث وجمع الأماكن والأسماء والأحداث

- 4262

صدر مؤخرا للباحث نجيب بن لمبارك كتاب جديد بعنوان "التحفة الثمينة في حاضرتي بسكرة وقسنطينة"، في إطار سلسلة البحث والتوثيق لتاريخ وثقافة المدن الجزائرية، حيث يساهم بأبسط الوسائل المتوفّرة لديه لتجميع معالم كل منطقة ضمن كتاب خاص، ليبقى حلمه أن يستكمل مشوار الـ48 ولاية، بالتالي يستحق هذا المغامر لقب الرحالة أو أن يكون ابن بطوطة الجزائر. زار المؤلف "المساء" للحديث عن هذا الكتاب، وعن مشاريعه القادمة التي يوجد البعض منها تحت الطبع.
يشكل الأستاذ بن لمبارك بمفرده فريق بحث متعدد الاختصاصات، ورغم هذا العناء لا يكل ولا يمل، إذ يضع نصب عينيه هدفا واحدا يلخصه في جمع ما أمكن جمعه من تراث وتاريخ وثقافة وجغرافيا مختلف المناطق عبر التراب الوطني. يندرج الكتاب ضمن مشروع أطلقه الباحث منذ سنوات، وهو في طريقه للإثراء والتوسع، ليدخل مدنا أخرى ويفتح بوابات ذاكرتها ويصور معالمها وينفض الغبار عن سجلها الزاخر بالأحداث، حيث سبق أن صدر لبن لمبارك كتاب "ذخائر تلمسان" في جزأين، و«ذخائر العاصمة" في ثلاثة أجزاء، استعرض فيهما كل ما يتعلق بهتين الولايتين من تعريف بألمع أبنائها عبر التاريخ وإلى اليوم (أبطال، علماء، مثقفون، فنانون، شهداء، مصلحون، وزراء أو رؤساء، رياضيون وغيرهم). ولم يخفق الكاتب في الاعتراف بعطائهم من خلال استعراض سيرهم الذاتية سواء الذين رحلوا أو الذين مازالوا على قيد الحياة.
يبرز الكاتب أيضا الكنوز الدفينة المنتشرة عبر المدن التي تناولها من آثار عريقة تضم المساجد، القصور والحدائق، وكذا نمط العيش، بالتالي تثمينها وتصنيف ما تحويه، ويتوقّف الباحث عند دخوله المدن التي يتناولها بالبحث عند كل مراحلها التاريخية ابتداء من التاريخ القديم وحتى المعاصر.
في هذا السياق، أشار الباحث بن مبارك خلال حديثه لـ«المساء"، إلى أن ما يدفعه إلى هذا العمل هو حبه لبلاده وشغفه بالبحث وبالثقافة الوطنية، رغم أن اختصاصه العلمي كان في الفيزياء، وهنا يصف نفسه بالغريب (البراني) عن هذا المجال من البحث، لكنه محصن بالمنهجية العلمية البحتة والدقيقة البعيدة عن النفحات والنزوات، ويعتبر نفسه أيضا من الدماء الجديدة التي تدخل هذا المجال من البحث.
يؤكد المتحدّث في كل مرة أنه يود أن يضع جهازا كاشفا لكل تراث وتاريخ الولايات، ويقول "أمنيتي أن أقوم بمسح كل ما في الولاية التي أبحث فيها، لأبرز معالمها الأثرية وعلماءها وشهداءها وأبطالها ورياضييها وفنانيها والأحداث البارزة فيها، بالتالي أضع مادة لا بأس بها أمام جيل الشباب كي يعرف بلاده بعدما لاحظت أن العديد من أبنائنا يجهلون الكثير. ونتيجة هذا الجهل، يرتخي حبل علاقتهم بوطنهم فلا يقدرون قيمته وينبهرون بالآخر".
بالنسبة لكتاب "التحفة الثمينة في حاضرتي بسكرة وقسنطينة"، صدر منذ شهر عن دار "لمسة" بألف نسخة، أغلبها تسلمتها وزارة الثقافة راعية المشروع، ويتضمن 8 أجزاء، ويحوي كل ما يتعلق بقسنطينة وبسكرة، وهنا اشتكى المتحدث من بعض الصعوبات التي واجهته، منها قلة المراجع، خاصة بالنسبة لجانب المعمار، لذلك تمنى أن يلتفت المهندسون الجزائريون إلى هذا الجانب، ويكتبوا عن العمارة في الجزائر. كما أشار إلى أنه يترصد الجوانب الخفية التي لا يعرفها العامة أو الأسماء المغمورة، لإعطائها حقها من الظهور، وأنه يستغل ما توفر من مراجع، إضافة إلى البحث الميداني من خلال مقابلة المعنيين بالبحث. وقد ثمّن بالمناسبة مساعدة مديريات الثقافة له، كما كان الحال بالنسبة لمديرية الثقافة ببسكرة وكذلك بتيزي وزو التي سيصدر كتابها قريبا.
يعتمد الباحث بن لمبارك أيضا على التصوير الفوتوغرافي الذي يستعين به في أعماله، وكذا الأرشيف المصوّر الذي يحصل عليه أثناء بحثه ليقدّمه في الكتاب، ويستند أيضا بالمقالات الصحفية التي تتناول هذا الجانب، خاصة فيما تعلق بالحوارات، حيث يستغلها كمصدر للمعلومات (حوار مع أبو القاسم خمار، وآخر مع خليفي أحمد). وذكر المتحدث أيضا أنّ الفنان فؤاد ومان مثلا، كان متعاونا معه خلال إنجاز البحث الخاص في ولاية بسكرة التي ترقد على كنوز خاصة بالنسبة للمواقع، منها مقام سيدي خالد وهو نبي الله خالد بن سينان، الذي يمكن أن يكون قبلة للسياحة الدينية وتجلب للمنطقة العديد من الزوار، ومكتبة زاوية طولقة التي تعدّ من أغنى المكتبات على المستوى الوطني. كما تناول بعض أسماء الفنانين الكبار أبناء بسكرة، منهم رحّاب الطاهر والزبيدي والشيخة مريم فكاي، والحال نفسه بالنسبة لقسنطينة، حيث تطرق المؤلف لكل ما يتعلق بها من ذلك الجالية اليهودية، منها بطل العالم في الملاكمة ذو الأصل اليهودي، وأيضا الفن الإسلامي العريق الممتد عبر القرون.
عن مشاريعه المستقبلية، أشار السيد بن لمبارك إلى أن كتابا آخر له عن تيزي وزو سيصدر قريبا، وهو يحاول الذهاب بعيدا، وبإمكانياته الخاصة التي إذا توفّرت سيحقق الكثير، فالجزائر قارة وإرثها الاجتماعي والثقافي كبير، ولا يمكن لشخص بمفرده أن يحقق كل شيء، بل إنه فقط يضع اللبنة الأولى كانطلاقة يكملها غيره. ومن المشاريع أيضا، هناك بحث عن أول مدرسة لجمعية العلماء المسلمين خارج مدينة قسنطينة، وهي مدرسة "إنوغيسن" التي أسسها ابن باديس سنة 1935 بدائرة إشمول، وقد درس بها جد وزير الثقافة الحالي ميهوبي الدراجي، وكانت ترسل منها بعثات إلى جامع الزيتونة بتونس، هناك أيضا كتاب عن طلبة ابن باديس وآخر عن معهد ابن باديس بقسنطينة، منارة العلم والجهاد وهو في 3 أجزاء.