ندوة «دور المثقف في المجتمع» بالمكتبة الوطنية
المال الفاسد والسياسات العرجاء تدفع إلى حافة التفكّك
- 1398
أجمع المشاركون في ندوة «دور المثقف في المجتمع» التي نظّمت أوّل أمس، ضمن ندوات «موعد مع النخبة» للرابطة الجزائرية للفكر والثقافة على أن قانون الشكارة السائد في المشهد السياسي تغوّل على النخبة المثقفة والمناضلة وأقصاها، ولم يعد سوق السياسة سوى مرتعا للدهماء ولأشباه المثقفين الذين لا دور لهم سوى تبرير واستحلال وتجميل الأفعال القبيحة للسياسة، وهو ما سيدفع المجتمع والدولة إلى حافة التفكك، ليبقى الحل حسب هؤلاء في إيجاد نخبة ثقافية شريكة للسياسة، تقدم البدائل وتكشف النقائص دون حسابات ضيقة.
أدار الندوة الدكتور محيي الدين عميمور الذي أكّد أنّ الثقافة كانت دوما أولوية في بناء الدولة الجزائرية، لذلك تمّ إنشاء وزارة للثقافة في الحكومة المؤقتة سنة 1958 برئاسة المثقف الكبير توفيق المدني، وكانت الجزائر حينها في عزّ ثورتها التحريرية مما يعكس مستوى الوعي بأهمية هذا الجانب في كل عملية بناء أو تحرّر.
من جانبه، طرح الدكتور بشير مصيطفى التحديات التي تواجه الدول والحكومات خاصة في المستقبل والتي ستكون كلها على أساس ثقافي مما يستوجب وضع سياسات ثقافية مبنية على استراتيجيات راهنة واستشرافية تماما كما يجري في البلدان المتقدمة، وأكّد أنّ تاريخ وراهن العالم يصنع منذ 4 قرون من خلال حلقة متسلسلة، علما أنّ كل قرن له أفكاره التي تجسّد في القرن الذي يليه، فمثلا الفكر الاستعماري تّم التخطيط له في القرن الذي سبق القرن الـ19، وهكذا فإنّ لكلّ قرن فكرته التي تهدف إلى السيطرة وغالبا ـ كما أشار مصيطفى ـ ما تظهر الإشارات على هذه الأفكار والمخططات في النصف الأول من القرن، وبالتالي كان للثقافة دوما نصيبها، حيث أنّ تلك الأفكار والمشاريع تنعكس عليها لذلك نجد مثلا رواج فكرة المستعمِر والمستعمَر (قابلية الاستعمار)، وذلك بتوفّر الظروف التي رسّخت فكرة الاستعمار، والملاحظ أيضا أنّ كلّ رابح في القرن سيكون هو من يقود القرن الذي يليه.
وراح المتدخّل يعطي بعضا من الأمثلة الحية حيث تميّز القرن الـ20 بتجسيد الفكر الاستعماري وتمت هندسة سياسات قسمت العالم إلى ثلاثة، وهي العالم الأوّل والثاني والعالم الثالث، وبالتالي فكّكت المنظومة السياسية للعالم ودفع الثمن العالم الثالث الذي أصبح مجرد سوق. وفي القرن الـ21، حسمت الفكرة الاقتصادية وقُسّم العالم إلى دول إستراتيجية وأخرى صاعدة (ناشئة) وبقي العالم الثالث كما هو. أما في القرن القادم، فبدأ التخطيط له اليوم من خلال تفكيك المنظومة الثقافية (دين، أخلاق، عادات وتقاليد، لغة، أقليات، تعليم وغيرها) وبالتالي سيكون القرن القادم مقسّما إلى دول مثقّفة ودول غير مثقّفة، وهو الأمر الذي يستوجب اليقظة لقلب هذه المعادلة، وبالتالي تدمير نسق استخلاف موازين القوّة على الصعيد الثقافي مبنية على دور النخبة لترميم ما يمكن ترميمه والخروج من نفق التفكيك، وهكذا فكلّما كان المجتمع محصّنا ثقافيا كلّما ربح معارك السياسة والاقتصاد.
أشار المتحدث إلى أنّ النخبة يجب أن تكون مكمّلة للدولة، وعلى أن يتم نقل الثقافة من الأشخاص إلى محرّكات النمو، وإلى المراكز والمخابر الكبرى ووضع الإشارات والمعطيات موضع التحليل لتقديم السياسات المواتية المبنية على الاستشراف.
أما الدكتور علي ملاحي فتحدّث عن الحياة الثقافية بعد الاستقلال، حيث كانت الأجواء مفعمة وكانت الأجيال منسجمة، لكن مع دخول الثقافة الرقمية وظهور ما يسمى بـ»التفاعل الرقمي والأدب»، فسح المجال لثقافة جديدة فرضتها العولمة.
اعتبر الأستاذ خليفة بن قارة أنّ النخبة مرآة المجتمع يرى نفسه فيهان وأنّ السلطة تحتاج دوما لنخبة فاعلة كي تبنى البلاد لا إلى مثقفين يبرّرون لها مالا يبرر، ويحلون لها ما لا يحلّل ويجمّلون لها كل قبيح تصنعه. كما تحدّث بن قارة عن النخبة المنافقة وعن الأخرى المفارقة وعن النخبة المتصادمة، التي تصارع السلطة وهي ذات خلفية سلبية لكلّ من يحكم البلاد دون أن تطرح البديل، أما الانطوائية فهي تلك التي أعياها الصراخ ففضّلت الانكماش إلى زوايا مظلمة أو الهجرة. واعتبر المتحدث أنّ المؤسّسة السياسية الناجحة هي تلك التي تحرص على تحسين علاقتها بالنخبة الفاعلة القادرة على تأمين المجتمع من المخاطر وتستمد خطابها وبرنامج عملها من مكوّنات شعبها حتى يكتب لها البقاء.
من جهته، تناول الأستاذ محمد بوعزّارة دور المثقف في السياسة بهدف أخلقتها، معتبرا أنّ السياسة إذا ما خلت من الأفكار والجدل ستؤدي إلى تصحّر الحياة السياسية، وهو حال الواقع اليوم، فرؤوس قوائم الأحزاب للتشريعيات خالية من المثقفين وبالتالي يتساءل عمّن سيمارس السياسة والنضال، وهل سينتخب الشعب من الدهماء وأصحاب المال الفاسد، لكنه حمل المثقف النزيه عواقب انسحابه من المشهد واعتبر ذلك جبنا وهروبا، وترك الساحة لسلعة سياسية فاسدة هي خطر على الاستقرار وتناسق المجتمع والدولة الوطنية.
للإشارة، تميّز النقاش الذي أعقب الندوة بالصراحة وقد تدخل فيه الكثيرون منهم الدكتور عمار طالبي الذي رأى أن الثقافة تبدأ من منظومة تربوية ناجحة، كما دعم هذا الرأي عميمور بانتقاده لبرامج تربوية مائعة ولتراجع مستوى المعلم وغياب مدرسة وطنية جزائرية.
ثقافيات
الدعوة للارتقاء بالعلاقات الجزائرية التركية
دعا وزير الثقافة عز الدين ميهوبي خلال افتتاح يومين دراسيين حول «العلاقات الجزائرية التركية من العهد العثماني إلى اليوم»، إلى ضرورة «أن ترتقي العلاقات الثقافية بين الجزائر وتركيا إلى مستواها في الاقتصاد والسياسة»، وحثّ على «عمل استثنائي فيما يتعلّق بالبحث والدراسة لهذه المرحلة التاريخية»، مقترحا إنجاز «أعمال فنية» و»تأسيس مراكز بحث متخصّصة».
في سياق متصل، كشف عبد المجيد شيخي، مدير الأرشيف الوطني عن انعقاد ندوة آخر الشهر بتركيا هي الثانية بعد ندوة مماثلة ببجاية حول علاقة الجزائر وتركيا في الذكرى 500 لوصول الأخوين باربروس إلى شواطئ الجزائر. وتحدّث شيخي عن وجود مساع لتأسيس مجموعة عمل للأرشيف الجزائري والتركي ضمن الندوة القادمة تضم بين 60 إلى 80 باحث.
وعرف اليوم الدراسي تكريم المؤرخ والباحث الجزائري الراحل مولاي بلحميسي الذي قدّم إسهامات بحثية كبيرة في التاريخ العثماني وتاريخ الجزائر عموما، وتدخل المؤرخ نصر الدين سعيدوني ليلقي كلمة في حق زميله السابق بجامعة الجزائر، وقدّم بالمناسبة عرضا حول أهم المعالم والآثار الجزائرية من بينها المعالم التي تعود إلى الحقبة التركية، إلى جانب تفصيل في الترميمات التي تشهدها بعض المواقع الأثرية بالعاصمة.
علولة..منظومة أفكار
أكّد مشاركون في يوم دراسي حول المسرحي عبد القادر علولة، بيسر ببومرداس بأنّ المسرح عند المرحوم علولة ليس فقط فرجة ومهنة وإنّما يتعداه إلى رؤية للعالم وموقف من الواقع والوقائع اليومية.
وأكّد المتدخّلون في هذه الفعالية التي عرفت حضور كتاب ونقّاد في المجال بأنّ المسرح عند علولة هو بمثابة مؤسّسة للأفكار أو منظومة أفكار حول المجتمع حيث كان (علولة) في هذا المجال صانعا ماهرا بالقدر الذي كان مناضلا ملتزما ومصلحا اجتماعيا.
واعتبر الكاتب المسرحي والباحث المغربي عبد الكريم برشيد في مداخلته حول «عبد القادر علولة، الإنسان والمسار والمشروع» بأنّ علولة حاول من خلال تجربته الرائدة لبعث مسرح ما أصبح يعرف بـ «الحلقة» التي اهتدى إليها استنادا إلى موروثه الثقافي، حيث زرع القيم الجديدة وأسّس المعاني الجديدة في وطن حديث الاستقلال ويعيش مرحلة انتقالية.
وكان علولة واعيا بخطورة رسالة المسرح - يضيف الناقد المسرحي برشيد - لذلك تعامل مع مسرح الحلقة الذي كان يجتهد لتأسيسه وتأطيره من مبدأ أنّ لكلّ زمان ومكان وإنسان مسرحه الذي يختلف عن غيره لذلك ثار ضدّ كلّ القوالب المسرحية الجاهزة التي يهيمن عليها المجتمع الغربي بأفكاره ومبادئه.
وذكر الباحث غريبي عبد الكريم من جامعة مستغانم في نفس السياق - وهو التوجه الذي أكده الإعلامي احميدة العياشي في مداخلته كذلك - بأنّ المرحوم علولة آمن بأنّ خطورة المسرح تكمن أساسا في وظيفته كخدمة عمومية يؤديها بهدف تحقيق المجتمع الآخر والتغيير في كلّ مناحي الحياة انطلاقا من الأفكار والمبادئ.
وتضمنت هذه التظاهرة بقاعة المعارض العريقة لمدينة يسر عروض عدد من المسرحيات على غرار مسرحية «آخر حلقة» لجمعية المقهى الأدبي بولاية سيدي بلعباس، وتمّ خلال اليوم الدراسي الذي تواصل أوّل أمس إلقاء مداخلات متنوعة تعالج أهمها قضية «توظيف الموروث الشعبي في مسرح عبد القادر علولة» من تنشيط الباحث الجامعي والمسرحي عبد الكريم برشيد من المملكة المغربية وأخرى «مسرح عبد القادر علولة والفعل الثقافي الوطني» من تنشيط المسرحي والباحث عبد الكريم غريبي من جامعة مستغانم. وتضمنت هذه الفعالية كذلك عرض أفلام وثائقية متنوعة حول المرحوم عبد القادر علولة على غرار الوثائقي الذي عالج «البُعد العربي في مسرح عبد القادر علولة» للمخرج علي عيساوي وفيلم «علولة ومسرح الحلقة» لنفس المخرج وعرض شريط فيديو حول مسرحية «العلق» التي كتبها وأخرجها المرحوم عبد القادر علولة.
يذكر أن التظاهرة التي اختتمت اليوم، أشرف على تنظيمها جمعية «سيرتا» الثقافية بالتنسيق مع بلدية يسر ومديرية الثقافة والديوان الوطني للثقافة والإعلام والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
4.500 عنوان بمعرض جانت
يعرض ما يزيد عن 4.500 عنوان في مختلف المجالات الثقافية والعلمية ضمن الطبعة العاشرة لمعرض الكتاب بالولاية المنتدبة جانت (420 كلم من إيليزي).
وتشارك في هذا الموعد الثقافي الذي يحمل شعار «الكتاب ذاكرة لا تشيخ» ويمتد على مدار 17 يوما ست (6) دور نشر من مختلف ولايات الوطن التي تعرض أزيد من 6 آلاف نسخة في مختلف المجالات العلمية منها كتب الأطفال والكتب الدينية والتاريخية وعناوين أخرى.
شهدت مراسم افتتاح معرض الكتاب الذي تحتضنه مكتبة البلدية بوسط مدينة جانت، والتي أشرف عليها الوالي المنتدب محمد السعيد بن قامو إقبالا «واسعا» من طرف المواطنين، حيث تمّ تقسيم فترات فتح المعرض على فترتين صباحية ومسائية حتى يتسنى لأكبر فئة ممكنة من مختلف شرائح المجتمع الاستفادة من هذه الفعاليات الثقافية. وسيتخلل هذا الموعد الثقافي تنظيم عديد الورشات لفائدة الأطفال في الرسم والكتابة والقراءة من أجل تحضير الطفل لولوج عالم الكتب. وتهدف هذه التظاهرة الثقافية التي تنظمها مديرية الثقافة لولاية إيليزي بالدرجة الأولى إلى تعزيز المقروئية وغرس ثقافة الكتاب لدى الناشئة بما يضمن في المستقبل مجتمعا مهتما بالكتاب وكذا الاطلاع على آخر الإصدارات.