استطلعتهم «المساء» في اليوم العالمي للمسرح
فنانون ومسرحيون يطالبون بإخراج الأرشيف إلى النور
- 4908
دعا فنانون إلى بذل جهد أكبر وإعطاء عناية أبرز وأكثر جدية وأهمية لأرشفة وتوثيق الأعمال المسرحية على اعتبار أنها تمثل جزءا مهما من الذاكرة الثقافية الوطنية، إضافة إلى كونها رصيدا هاما يساهم في التأريخ للحركة المسرحية الجزائرية ضمن مسار زمني متسلسل يقف ضد أي بتر أو محو لفترة من هذا العمر الزاخر، وبالتالي يكتمل المشوار ويستمر بدل أن ينطلق في كل مرة من النقطة صفر نتيجة غياب هذا الرصيد من الماضي الذي صنعه الكبار ومن ثم استغلاله من طرف الأجيال المسرحية الصاعدة .
الفنانون في تصريحاتهم لـ«المساء «أطلقوا صرخة «نجدة وتدخل» تدعو إلى حفظ الأرشيف وتفعيله بالملموس لكي يكون منطلقا للمستقبل ولا يبقى حبيس الرفوف والجدران الموصدة.
زياني شريف عيّاد: المسرح يدفع ضريبة الأنانية
أشار المسرحي الكبير زياني شريف عيّاد في حديثه لـ«المساء» أن المسرح الوطني عانى الكثير من المشاكل ومن الأنانية أيضا، حيث أن كل مسؤول أو مدير يمحي أو يستغني عن الفترة التي سبقت توليه زمام المسرح. وغالبا ما لا يفكر إلا في المرحلة التي يعمل فيها هو، وهنا استعمل المتحدث عبارة «أنا وبعدي الطوفان».
الأرشيف بالنسبة لزياني شريف عياد ضرورة تحتم على الجميع استغلالها والاطلاع عليها من أجل الاكتشاف والاستغلال معتبرا ذلك استشارة تفيد صاحبها مستقبلا. كما ركز على أهمية الأرشيف في عملية التكوين. التراكمات – كما قال - عبر السنوات تولد الخبرات والتجارب التي تفيد في العمل المسرحي بشكل أو بآخر.
يقول السيد زياني «لم نبلغ بعد درجة الوعي بأهمية هذا الأرشيف الذي يحمي ذاكرتنا الفنية والثقافية والوطنية ومدى التجارب الرائدة التي يخزنها وبالتالي بقينا دوما وفي كل مرة ننطلق من نقطة الصفر ونضيع الكثير من الوقت والجهد، وأحيانا يتم الإعلان عن تجارب ومقاربات مسرحية جديدة وكأنها تظهر لأول مرة بينما هي مخزنة في الأرشيف ولا يلتفت إليها أحد، علما أن الجزائر غنية جدا في هذا المجال لكنها تبدو وكأن لا ماضي مسرحي لها».
اشتكى المتحدث من الصعوبات التي يواجهها أحيانا للوصول إلى أعماله حتى على مستوى التلفزيون أو المسرح، لذلك فإنه أحيانا يعتمد على ما توفر على شبكة الأنترنت.
السيد زياني قال لـ«المساء» أن إرادة مؤسسة المسرح الوطني وحدها لا تكفي بل لا بد أن تكون هناك سياسة عامة تتبنى المشروع وتتابعه وتنفض الغبار عنه حتى يعود بقوة وتراه الأجيال. وألّح على ضرورة إشراك النقاد والمسرحيين والفنانين ورجال الإعلام (من القدامى) في العملية إضافة إلى تسجيل الشهادات لاستغلالها، وبالتالي يرى المتحدث أن العملية لا بد أن لا يكون هدفها التوثيق من أجل التوثيق وكفى.
الفنان عمر طيان: المسرح الوطني «بين أياد آمنة»
أكد الفنان عمر طيان أن أرشيف المسرح بين أياد آمنة ولا خوف عليه، مثمنا مسيرة هذا الصرح الذي تخرجت منه الأجيال وكان له دوره في تاريخ الجزائر المعاصر.
السيد طيان تحدث للمساء عن بداياته بهذا المسرح من خلال التكوين وذلك ابتداء من سنة 1964 مع مصطفى كاتب ومحمد بودية. لقد شارك في هذه المرحلة الذهبية في روائع المسرح الوطني منها «الجثة المطوقة» لكاتب ياسين مع الحاج عمر ومع سيد أحمد أقومي وسيد علي كويرات ووهيبة وغيرهم... ثم في رائعة أخرى وهي «دائرة الطباشير القوقازية» مع الراحلة ياسمينة. لكنه غادر المسرح سنة 1973 والتحق بالتمثيل في الإذاعة الوطنية إلى أن أحيل على التقاعد. السيد طيان أكد أن الأرشيف كان في يد الراحل مصطفى العماري حيث عمل على تصفيفه وصيانته.
الفنان أحمد قادري (قريقش): جزء من ذاكرة المسرح ترقد بالتلفزيون
أكد الفنان أحمد قادري أنه دخل المسرح في الخمسينيات كممثل ربط (أي يربط بين فقرات البرنامج في المسرح أي بين السكاتشات و الحفلات وغيرها)، قبل أن ينخرط في التمثيل مع عمالقة الفن منهم جلول باش جراح في مسرحية «الورث» نهاية الخمسينيات و«عقاب الله» و«الشرف» في 1962 و«دائرة الطباشير القوقازية» مع مجوبي والراحلة السيدة نورة .
تحدث قريقش عن جيل الرواد ودورهم في التكوين، وهو الذي تتلمذ عنهم . فذكر باشطرزي وباش جراح وقزدرلي وعلال المحب في كونسيرفاتوار العاصمة ابتداء من سنة 1957. هؤلاء كلهم تركوا أرشيفا ضخما ناهيك عن أعمالهم وتسجيلاتهم بالإذاعة والتلفزيون . لكن الفنانين اليوم يصعب عليهم الولوج إلى المؤسسات التي بها الأرشيف نتيجة الإجراءات التي لا تنتهي .
مصطفى برور : أعكف منذ 5 سنوات على كتابة «مشواري»
أسهب الممثل مصطفى برور في الحديث عن المسرح الوطني، وهو من مؤسسيه الأوائل عقب الاستقلال رفقة زميليه الراحلين مصطفى كاتب ومحمد بودية. عن هذه الفترة أكد أن بلدية الجزائر حينها أرادت ضم دار الأوبيرا إليها، إضافة إلى بعض الفرنسيين ممن ساندوا الثورة وهنا يضيف «لقد كان بودية في العمل الثوري مع كاتب وكنت أنا مسجونا حكم علي بسبب انضمامي لجبهة التحرير لذلك قررنا نحن الثلاثة أن يعود المسرح لأهله وقابلنا الرئيس بن بلة وأقنعناه بالفكرة فأمم المسرح سنة 1963 فكان كاتب مديرا فنيا وأمسك بودية الإدارة وكنت أنا المسير الفني العام . مباشرة بدأنا بتكوين الفرق وتنظيم حفلات الاستقلال عبر التراب الوطني . كونت لذلك فرقة فنية وكل تلك الوثائق والصور موجودة وقد تكفل الراحل الحاج عمر بحفظ الأرشيف علما أن التسجيلات نادرة وأحيانا لا توجد بسبب نقص الإمكانيات حينها».
كمساهمة من السيد برور لحفظ الذاكرة المسرحية والفنية يعكف منذ 5 سنوات على تسجيل وكتابة مذكراته وتضم عددا هائلا من الصور الفوتوغرافية النادرة منها احتفالات الاستقلال التي حضرها أكبر نجوم الفن المصري منهم عبد الحليم حافظ وعبد المطلب وفايدة كامل وكارم محمود ومحمد قنديل وفريد شوقي وشريفة فاضل وغيرهم إضافة لفرقة الماسية العريقة .
السيد برور طالب رفقاءه الفنانين أو من عائلاتهم أن يتقدموا بهذا الأرشيف ليكون بين أيدي الجزائريين.
عبد الحميد رابية: الأرشيف فكرة ولدت مع المسرح
أكد الفنان رابية أن الراحلين بودية ومصطفى كاتب كانا أول من فكر في الأرشيف وفي حفظ كل الأعمال المسرحية لتبقى مرجعا للفنانين عبر الأجيال. ثم تكفل الراحل مصطفى العماري بالمهمة أي بتكوين مصلحة خاصة بالأرشيف على مستوى قصر أحمد باشا حيث توجد الإدارة العامة للمسرح الوطني وكان يجتهد في متابعة كل العروض ومقالات النقاد وندواتهم وحفظ قصاصات الجرائد والنصوص والصور والمطويات ويخزنها في علب، كما تحدث رابية عن تراث مكتبة المسرح التي حولت لمقر تابع لمسرح العاصمة بساحة الشهداء ثم أهملت. التراث المسجل من مسرحيات موجود على مستوى التلفزيون سواء مسرحيات أو حصص منها «المسرح هذا المساء» ظهر فيه عمالقة الفن، كما أبرز ذلك في لقائه بجريدة المساء.
الناقد الصحفي كمال بن ديمرات: تراثنا يتهدده الضياع
أكد الناقد المعروف بن ديمرات في حديثه لـ«المساء» أن تراثنا الثقافي يعاني العزلة ويحتاج للحفظ والبحث بما في ذلك المسرح. هذا الأخير الذي عرف المجد وحقق نجاحات لم تحققها بعض مسارح العالم العريقة خاصة في الستينيات. لكن مع رحيل الفنانين ترحل الذاكرة، علما أن عملية التوثيق تحتاج إلى الاستمرارية بعيدا عن الارتجال والآنية ويقول «من لا يعرف البداية يصعب عليه معرفة المستقبل ويتعثر عند الانطلاق . بهذه العقلية المحدودة لا يمكن الذهاب بعيدا وشرشل كان يقول أنه عندما نتعمق في الماضي نكتسب نظرتنا للمستقبل».
مدير أسبوعية «الجزائر الأحذاث» الأسبق يوسف فرحي: الإعلام وثق للمسرح
أشار السيد يوسف فرحي إلى أن الجريدة كانت على موعد أسبوعي مع المسرح الوطني تغطي وتقدم مقالات نقدية منها تلك التي كان يكتبها في الستينيات والسبعينيات بن ديمرات. إضافة لكتابات كاكي وغيره مما أثرى المسرح وأعطى له صدى وأرخ له وبعض هذه المقالات محفوظة وهي في خدمة الباحثين والطلبة.
الفنان محمد العماري: أخي ابتعد عن الفن لكنه تمسك بالأرشيف
قال الفنان الكبير، محمد العماري، أن أخاه الراحل مصطفى كان مطربا قديرا وصوته ربما الأجمل لكنه بحكم الأخوة نصح أخاه بالابتعاد عن الفن ولبى له ذلك . لكنه في المقابل تمسك بالمسرح وبفنانيه واجتهد في حفظ تراثه بمصلحة الأرشيف طيلة عقود حتى أحيل على التقاعد ثم انتقل إلى رحمة الله ولم يبخل بجهد على الرغم من أن جل ما قام به كان جهدا يكاد يكون فرديا.
الناقد نجيب اسطنبولي: قطيعة مسرحية بين الأجيال
نبّه المتحدث إلى أهمية الأرشيف في المسيرة المسرحية ، واعتبر أن هناك قطيعة بين الأجيال حيث لا ينقل تراث وأعمال السلف إلى الخلف مما ساهم في الرداءة وفي نسيان الزمن الجميل. المسرح كما قال ، سلسلة متماسكة الحلقات تحتاج إلى التمتين بفضل التحصين والحفظ.