الرئيس بوتفليقة يهنئ ماكرون ويصفه بـ «صديق الجزائر»
فتح صفحة تتقبل الذاكرة بكل ما تنطوي عليه
- 799
هنأ رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون، معتبرا أن اختيار الفرنسيين له جاء «عن جدارة واستحقاق»، وأنه تم «تتويجا لصلابة ماكرون وعزيمته وتبصر رؤيته وصدق تعهداته». وأشاد الرئيس بوتفليقة في برقية التهنئة التي وجهها إليه إثر إعلان فوزه في الجولة الثانية من الرئاسيات الفرنسية، بخصال الرئيس الجديد الذي وصفه بـ»صديق الجزائر»، مذكرا بالتصريحات الجريئة التي أطلقها لدى زيارته للجزائر كمرشح والتي وصف فيها الاستعمار بـ»الجريمة ضد الانسانية».
وقال الرئيس بوتفليقة في برقية التهنئة «لقد كان انتخابكم عن جدارة واستحقاق رئيسا للجمهورية الفرنسية، تتويجا بكل أحقية لصلابة عزيمتكم ولتبصر رؤيتكم وصدق تعهداتكم. والشعب الفرنسي الذي اختار فيكم رجل الدولة حسا ومعنى، الرجل القادر على تدبير شؤونه في هذا الظرف العصيب وقيادة مسيرته شطر المستقبل الأفضل الذي رسمتموه بقناعة غامرة، إنما أعلا في ذات الوقت وهو يختاركم مصيبا، كعب صديق للجزائر».
حيث ذكر رئيس الجمهورية بالدور الذي لعبه ماكرون في ترقية الشراكة بين البلدين حين اضطلع بحقيبة الاقتصاد، قائلا «لما كنتم تضطلعون بتلك الوظائف الوزارية الهامة، كان لكم عطاء ذو بال في بناء شراكة استثنائية بين الجزائر وفرنسا، التي تطلعنا أنا وسلفكم المبرز، إلى جعلها مشروعا عظيما مشتركا لشعبينا».
مبادرات ماكرون عزم لتدارك التأخر في العلاقات الثنائية
وبالنسبة للرئيس، فإن ما تم بذله من جهود يدخل ضمن مسعى يدخل في إطار «التساوق مع التاريخ»، مشيرا إلى أنه «لم يخف على الجميع كل ما بذلتموه من إخلاص وإبداع في مسعى كنتم تعلمون أنه مسعى يدخل في نطاق التساوق مع التاريخ»، مسجلا أن استباقات ماكرون ومبادراته تدل على عزمه الجاد للعمل مع الجزائر «من أجل تدارك ما ضاع من فرص في العلاقات الجزائرية ـ
الفرنسية، وذلك بفتح آفاق جديدة تعد بتقبل الذاكرة بحقيقة كل ما تنطوي عليه، وصداقة استوى نضجها، ومصالح متكافئة المنفعة، مع بقاء الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا والمواطنين الفرنسيين المتواجدين بالجزائر بمثابة عامل بشري نفيس يستدعي الاعتناء به والحفاظ عليه».
وعاد رئيس الجمهورية إلى الزيارة التي أداها إيمانويل ماكرون في شهر فيفري الماضي حينما كان مرشحا للرئاسة الفرنسية - وهو المترشح الوحيد في هذه الرئاسيات الذي زار بلادنا - وهي الزيارة التي أثارت زوبعة بعد تصريحات أدلى بها حول الاستعمار الفرنسي بالجزائر.
زيارتكم تعد باستكمال مصالحة حقيقية بين البلدين
في السياق، قال الرئيس بوتفليقة «إن الزيارة التي قمتم بها حديثا إلى الجزائر، في سياق انطلاق مسيرتكم الباهرة صوب تحقيق غايتكم الوطنية السامية، أضافت إلى الرصيد المشترك بين بلدينا، موقفكم المبدئي المتميز بالإقدام السياسي والإخلاص الانساني المنقطع النظير حيال الاستعمار وطبيعته التي لا تغتفر. إن ذلكم الموقف الرائد الذي صدر منكم، يضعكم طبيعيا وشرعيا في الموقع المرموق، موقع الفاعل المقتنع والمقنع في عملية استكمال مصالحة حقيقية بين بلدينا في إطار احترام القيم الذاتية للشعوب التي يتحول تقاربها أثناء محن المواجهة إلى صحبة على نهج الأمل لا تضاهيها صحبة».
وختم السيد عبد العزيز بوتفليقة برقيته بتجديد تهانيه للرئيس الفرنسي الجديد بالقول «يسرني باسم الجزائر شعبا وحكومة وأصالة عن نفسي، أيما سرور أن أتوجه إليكم بتهانينا الحارة مشفوعة بخالص تمنياتي لكم بتمام التوفيق، الذي سيكون توفيق فرنسا الصديقة في الإشعاع الذي ينتظره منها المجتمع الدولي، بين الأمم التي تتطلع إلى سلم وازدهار يشملان أجيال الحاضر والمستقبل عبر العالم.
نشير إلى أن إيمانويل ماكرون فاز أمس، بانتخابات الرئاسة الفرنسية على زعيمة الجبهة الوطنية الممثلة لليمين المتطرف مارين لوبان، حيث تحصل على 66.10 % بالأصوات مقابل 33.9 % للوبان. ومن المقرر أن تجرى مراسم تسليمه السلطة الأحد القادم.
رغم أن هذه النتيجة كانت متوقعة، حسبما أظهرته طيلة أيام عمليات سبر الآراء، فإن الإعلان عن فوزه رسميا جعل أنصار أوروبا بالخصوص يتنفسون الصعداء، بعد مرحلة صعبة على مسؤولي الاتحاد الأوروبي وهم يستمعون إلى الخطاب الانفصالي لغريمة ماكرون ففوز ماكرون بالنسبة لميركل وزعماء أوروبا الآخرين يعني ببساطة نهاية فكرة «فريكسيت» التي تتبناها زعيمة اليمين المتطرف لوبان.
ولهذا فإن الرئيس الشاب، لقي دعما كبيرا من طرف أهم الزعماء الأوروبيين من البداية، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، فضلا عن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وحتى الحالي دونالد ترامب الذي سارع لتهنئة ماكرون بالقول إنه يتشوق للعمل معه، رغم حديث عن تفضيله للوبان. وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان قد استقبل زعيمة اليمين المتطرف، أرسل أمس، ببرقية تهنئة للرئيس الجديد، مؤكدا استعداده للعمل معه، وهو نفس الأمر بالنسبة لتيريزا ماي، أحد أبرز رموز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
زيارة الجزائر منعرج حاسم
بالنسبة للجزائر، فإن الاختيار كان واضحا بالنظر إلى عدة عوامل، أبرزها بالطبع الوقوف الطبيعي ضد اليمين المتطرف وزعيمه السابق وزعيمته الحالية، بالنظر لما يحمله برنامجه من عداء للجزائريين خصوصا والأجانب عموما.
وكانت زيارة ماكرون لبلادنا خلال فترة الحملة الانتخابية، مؤشرا لوجود تقارب مع مرشح حركة «إلى الأمام» الذي استقبل من طرف الوزير الأول عبد المالك سلال ليستعرض نظرته وتطلعاته فيما يخص آفاق تطوير العلاقات الجزائرية -الفرنسية.
ولعل أهم ما أبرزته الزيارة هو الموقف المميز للمترشح الشاب تجاه الفترة الاستعمارية، حين لم يتردد في وصف الاستعمار بـ»الجريمة ضد الانسانية» بالرغم من تأكده من أنها ستحدث زوبعة في الداخل الفرنسي وهو ما تم فعلا.
لكن المترشح للرئاسة حينها وهو في 39 من العمر، أي من جيل سياسي جديد، بدا جد واثق من هذه «الجرأة» في الطرح والتي شدّد على مواصلتها في أول خطاب يلقيه بعد انتخابه رئيسا، لأنه وبكل بساطة يرغب في ترقية «نظرة مستقبلية» للشراكة بين البلدين. وهو ما أعلن عنه صراحة خلال تلك الزيارة، موضحا «رغبتي هي ترقية نظرة متفتحة وديناميكية ومستقبلية من أجل تعزيز التعاون بين الجزائر وفرنسا».
ولم ينس التذكير أنه أتى في السابق إلى الجزائر عدة مرات بصفة وزير، من أجل تطوير الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
جدار البرلمان...هل يطيح بمساعي ماكرون حول الذاكرة والاقتصاد؟
في هذا السياق، فإن الرئيس الجديد الذي يمكن القول أنه «رئيس اقتصادي بامتياز»، سيكون أمامه تحدي تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لاسيما في ظل تراجع الاستثمارات الفرنسية ببلادنا وكذا طبيعتها المحتشمة التي تبقى بعيدة عما هو الحال مع بلدان أخرى هي أقل قربا تاريخيا وثقافيا وحتى جغرافيا.
والسؤال المطروح هنا، هل سيجسد ماكرون القائل بأن هناك فرص شراكة كثيرة ممكنة بين الجزائر وفرنسا، لاسيما في الطاقات المتجددة والبنى التحتية والبناء والخدمات اللوجستية والصناعات الغذائية والرقمنة (تحدث عن إنشاء شركات عملاقة في هذا المجال) والبيئة، هذا المسعى سيكون جادا أكثر في فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بالاعتراف والاعتذار عن الجرائم الاستعمارية، ومن تم العمل بقوة نحو إقامة شراكة اقتصادية مميزة مع الجزائر، أم أنه سيصطدم بجدار البرلمان الذي لن يكون له فيه الأغلبية بدون شك؟
سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة، التي ستظهر فعلا إن كان التغيير الذي أتى به إيمانويل ماكرون حقيقيا، أم أنه سيكون وعودا انتهت بنهاية الحملة الانتخابية شكلا فقط من أشكال الاستمرارية في السياسة الفرنسية ذاتها، التي تقوم على التصريحات «النارية» قبل كل انتخابات، لتتحول بعدها إلى «رماد» يذر على الأعين.