بعد خمسين يوما من الجحيم عاشها سكان غزة

هل يصمد الاتفاق ويضع حدا نهائيا لحرب الإبادة؟

هل يصمد الاتفاق ويضع حدا نهائيا لحرب الإبادة؟
  • القراءات: 618
م/مرشدي م/مرشدي
انتهى الجحيم الذي فرضته إسرائيل طيلة خمسين يوما على سكان قطاع غزة، وخرج الآلاف منهم الى شوارع مدنها ابتهاجا بغد جديد بعد مفاوضات عسيرة ومعقدة .
وحتى وان كان اتفاق وقف إطلاق النار غير مكتمل على اعتبار انه ترك القضايا الأكثر تعقيدا في علاقة الفلسطينيين والإسرائيليين الى وقت لاحق إلا انه يبقى انجازا على الأقل من حيث كونه سيضع حدا لأكبر إبادة يتعرض لها الفلسطينيون أمام أعين العالم ثلث ضحاياها من الأطفال والنساء والمقعدين.
خرج الغزاويون نساء وأطفالا وشيوخا الى الشوارع ليعبّروا عن فرحتهم رغم الحزن الذي تركه فقدان الأب والأم والزوجة والزوج، بل وكل أفراد الأسرة الواحدة، إلا أن الدموع احتقنت هذه المرة في المآقي تاركة المجال لفرحة يأمل الفلسطينيون أن تكتمل برفع الحصار نهائيا عنهم، وهم الذين عاشوا في اكبر سجون العالم وقد حرموا من الحرية ولكن أيضا من أدنى مقومات العيش بعد أن كتم الاحتلال على أنفاسهم وقنن لهم كل شيء حتى الدواء لعلاج مرضاهم.
ولقد أنسى الاتفاق الفلسطينيين المعاناة التي عانوها طيلة خمسين يوما لوحدهم بعد أن تنكر لهم أشقاؤهم العرب والمسلمون، وتركوا فريسة سهلة لجلاد مغتصب تحركه فكرة الحقد الصهيوني على كل ما هو فلسطيني.
ولكن الصبر تغلب هذه المرة على قوة الجلاد الذي انكسر وراح يوقّع على اتفاق وقف إطلاق النار، وهو الذي أكد مرارا وتكرارا انه لن يوقع على اتفاق تحت النار وصوت المدافع.
موقف كسرته قوة المقاومة التي أبانت في هذا العدوان أنها قادرة على كسر مفاهيم التسلط الإسرائيلية، بأن الجندي الإسرائيلي شديد لا يقهر أو جيش الاحتلال يبقى الأقوى، ولكن عندما سقط جنود قوة النخبة الإسرائيلية تباعا تيقن قادة هذا الجيش قبل المستوطنين اليهود أنهم كانوا يعيشون الوهم، ويكفي فقط  لإرادة الإنعتاق أن تفشل هذه المقولات.
وإذا كان الاتفاق ثمرة وحدة صف المفاوضين الفلسطينيين فإنه زرع في المقابل الشقاق بين أعضاء مجلس الأمن الإسرائيلي المصغر، ناهيك عن أعضاء حكومة الاحتلال.
فالوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عندما حاول الظهور بمظهر الصقر الذي لا يلين مواقفه وجد نفسه مرغما على الانكسار وقبول الاتفاق، بل أن وزيره للخارجية الذي كان يراهن على اجتياح بري للقطاع وقف على حقيقة أن الجندي الإسرائيلي لن يقدر على تحقيق ذلك بعد أن تفاجأ بتكتيكات حرب العصابات التي فرضتها عليه كتائب المقاومة المختلفة، ولم تنفعه ترسانته الحربية تماما كما هو حال القبة الحديدة التي لم تضمن الأمن للإسرائيليين في حيفا أو القدس وتل أبيب وعسقلان.
ولكن هل يصمد الاتفاق إذا سلمنا بالنزعة العدوانية لحكومات الاحتلال التي تفتعل الذرائع والأسباب لخرق كل هدنة وقعتها مع الفلسطينيين كلما رأت أن ذلك يخدم سياسات حزبية ضيقة.
فقد عودت الحكومات الإسرائيلية على تكرار جرائمها بحجم ما اقترفته في عملية الجرف الصامد كل أربع سنوات ضمن خطط للتأكد من جاهزية وحدات جيشها أو تجريب أسلحة جديدة ضد الفلسطينيين.
والمؤكد أن النتائج الكارثية التي جنتها إسرائيل من عدوانها على قطاع غزة، لن تلبث في الظهور تباعا مما يجعل رؤوسا آيلة للسقوط بما فيها رأس الوزير الأول الإسرائيلي الذي تهاوت شعبيته ولم تعد سياسته تلقى التأييد وزاده فشل عملية اجتياح غزة معارضة متزايدة.ولم تكن الأصوات المنتقدة لهذه الحرب  سواء من المعارضة وأعضاء في الحكومة الحالية، والأوساط الإعلامية بما فيها اليمينية المتطرفة في أوج عمليات التقتيل الجماعي مجرد بداية لنشر الغسيل الإسرائيلي الوسخ على الملأ قد يمهد لأزمة سياسية في إسرائيل.
وهي الأزمة التي قد تكون لها تبعات على قطاع غزة، ويتكرر العدوان وخاصة وان مهلة الشهر الممنوحة لمواصلة المفاوضات ستخصص لقضايا فتح مطار القطاع ونزع سلاح المقاومة وإطلاق سراح الفلسطينيين وهي قضايا حساسة للجانبين، وقد تدفع المواقف المتشنجة الى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار تماما كما حدث للاتفاقات السابقة وتتكرر المأساة.