الهجرة النبوية
مشاهد وصور
- 5068
(إني أُريت دار هجرتكم ذات نخل، فإذا هي المدينة) كانت هذه الرؤيا التي رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - سفينة النجاة من أذى قريش واضطهادها، للوصول إلى برّ الأمان وموطن الحرّية التي افتقدها المسلمون طويلا، فتجهزوا للهجرة إلى المدينة، وتوجّه إليها المهاجرون الذين كانوا في أرض الحبشة.
ولم تكن قريش لتسمح للمؤمنين بالخروج من مكة بهذه السهولة، فاستخدمت أبشع وسائل القمع والتعذيب، ظنا منها أنها قادرة على إفشال هذه الهجرة الجماعية، لكن المؤمنين كانوا قد وطنوا أنفسهم على التضحية والفداء، ومواجهة جميع المؤامرات بالصبر والثبات مهما كانت النتائج والتبعات، مما نتج عنه أروع الأمثلة الجديرة بالوقوف عندها وقفة اعتبار وتأمل.
فهذا أبو سلمة، رضي الله عنه، انطلق مهاجرا إلى الله ورسوله، مصطحبا معه زوجته وولده، إلا أن أهل زوجته منعوه من أخذها، وأمسكوا ولدها، فغضب لذلك قوم أبي سلمة وقالوا: "لا والله، لا نترك ابننا عندها"، فتجاذب الفريقان الولد حتى خلعوا يده، ثم أخذه أهل أبيه، وواصل أبو سلمة طريقه وحده حتى بلغ المدينة.
وهكذا، استقبل أبو سلمة هذه المحنة بصبر وثبات، وزوجته تتجرع مرارة الألم على فراقه وفراق ابنها، وبقيت نحو عام تخرج كل يوم تبكي على فراق زوجها حتى المساء، إلى أن رآها رجل من قومها، فأدركته الشفقة عليها، وشفع لها عند قومها حتى سمحوا لها بالهجرة، فلما سمع أهل زوجها بذلك ردوا إليها ولدها، وانطلقت مهاجرة تحمله وليس معهما أحد، وفي الطريق، رآها عثمان بن طلحة وهي على هذه الحال، فأركبها راحلته ومشى بها حتى وصل إلى مشارف قرية قرب المدينة، وقال لها: "زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله"، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
وكانت هجرة صهيب بن سنان الرومي، رضي الله عنه، صورة أخرى من صور الهجرة، تجلّت فيها معاني التضحية بالمال وبذله رخيصا في سبيل الله، فبعد أن عقد العزم على الهجرة، حاول كفّار قريش أن يلحقوا به ويمنعوه، فلما رآهم أخرج سهامه، وهدّدهم أن يقاتلهم حتى آخر رمق، فقالوا له: "أتيتنا صعلوكا فكثُر مالك عندنا، ثم تريد أن تخرج بنفسك ومالك؟، والله لا يكون ذلك"، فرد عليهم: "أرأيتم إن تركت مالي لكم هل تخلون سبيلي؟ "، قالوا: "نعم"، فدلهم على الموضع الذي خبأ فيه ماله بمكة، فسمحوا له بإتمام رحلته إلى المدينة، بعد أن ضحى بكل ما يملك في سبيل عقيدته ودعوته، ولما بلغ خبره النبي - صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ربح البيع أبا يحي)، وتلا قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف بالعباد} ( البقرة: 207)، رواه الحاكم.
ومن أبرز مشاهد الهجرة، ما حدث لعمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، حين اتّفقوا على اللقاء سرا خارج مكة للرحيل، وفي الموعد المحدد حضر عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة ولم يحضر هشام، فقد استطاعت قريش القبض عليه وتعذيبه، حتى فتنوه عن دينه. وعندما وصل عمر وعياش إلى المدينة، أرادت قريش أن تقوم بحيلة لاختطاف عياش، فبعثوا أبا جهل والحارث بن هشام، لقرابتهما منه، ولما قدما المدينة بحثا عن عياش حتى وجداه في (قباء)، فقالا له: "إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط، ولا تستظل من شمس حتى تراك"، فشقّ عليه أن يكون سببا في إيذاء والدته، لكن عمر بن الخطاب أدرك منذ اللحظة الأولى أنها مكيدة، فقال له: "والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك، فاحذرهم، فوالله لو آذى أمك القمل لامتشطت، ولو اشتد عليها حرّ مكة لاستظلت"، فرد عليه عياش قائلا: "أبرّ قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه"، فقال له عمر: "والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما"، لكنه أصر على الخروج، فلم يجد عمر ما يفعله سوى أن يعطيه ناقته كي يفر بها عند الحاجة. وفي طريق العودة، طلب أبو جهل من عياش أن يركبه على ناقته، وما أن نزل (عياش) عن ظهر الناقة حتى هجما عليه وأحكما وثاقه، ثم دخلا به مكة وعذباه حتى فُتن عن دينه. ولما وصل الخبر إلى المسلمين أحزنهم ذلك، وكانوا يظنّون أن الله تعالى لن يقبل منه ومن أمثاله توبة؛ لكفرهم بعد أن عرفوا الله وآمنوا برسوله، حتى أنزل الله تعالى قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب، ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} ( الزمر: 53 ـ 55).
فأسرع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يبشر هشام بن العاص بقبول التوبة، وأرسل إليه تلك الآيات على صحيفة، ولما قرأها هشام لم يفهمها، فدعا الله أن يلهمه معناها، فألقى الله في قلبه أنها نزلت فيه وفي أمثاله، فعاد إلى المدينة تائبا مسلما، وتبعه عياش بعد أن استطاع الفرار من قريش.
إنها نماذج حيّة وصور صادقة للمواقف الصعبة التي واجهها المهاجرون في سبيل الحصول على حريتهم الدينية، والتخلص من أذى قريش واضطهادها، لتكون تلك التضحيات الخطوة الأخيرة لتأسيس الدولة الإسلامية وإقامة مجتمعها الآمن.
ولم تكن قريش لتسمح للمؤمنين بالخروج من مكة بهذه السهولة، فاستخدمت أبشع وسائل القمع والتعذيب، ظنا منها أنها قادرة على إفشال هذه الهجرة الجماعية، لكن المؤمنين كانوا قد وطنوا أنفسهم على التضحية والفداء، ومواجهة جميع المؤامرات بالصبر والثبات مهما كانت النتائج والتبعات، مما نتج عنه أروع الأمثلة الجديرة بالوقوف عندها وقفة اعتبار وتأمل.
فهذا أبو سلمة، رضي الله عنه، انطلق مهاجرا إلى الله ورسوله، مصطحبا معه زوجته وولده، إلا أن أهل زوجته منعوه من أخذها، وأمسكوا ولدها، فغضب لذلك قوم أبي سلمة وقالوا: "لا والله، لا نترك ابننا عندها"، فتجاذب الفريقان الولد حتى خلعوا يده، ثم أخذه أهل أبيه، وواصل أبو سلمة طريقه وحده حتى بلغ المدينة.
وهكذا، استقبل أبو سلمة هذه المحنة بصبر وثبات، وزوجته تتجرع مرارة الألم على فراقه وفراق ابنها، وبقيت نحو عام تخرج كل يوم تبكي على فراق زوجها حتى المساء، إلى أن رآها رجل من قومها، فأدركته الشفقة عليها، وشفع لها عند قومها حتى سمحوا لها بالهجرة، فلما سمع أهل زوجها بذلك ردوا إليها ولدها، وانطلقت مهاجرة تحمله وليس معهما أحد، وفي الطريق، رآها عثمان بن طلحة وهي على هذه الحال، فأركبها راحلته ومشى بها حتى وصل إلى مشارف قرية قرب المدينة، وقال لها: "زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله"، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
وكانت هجرة صهيب بن سنان الرومي، رضي الله عنه، صورة أخرى من صور الهجرة، تجلّت فيها معاني التضحية بالمال وبذله رخيصا في سبيل الله، فبعد أن عقد العزم على الهجرة، حاول كفّار قريش أن يلحقوا به ويمنعوه، فلما رآهم أخرج سهامه، وهدّدهم أن يقاتلهم حتى آخر رمق، فقالوا له: "أتيتنا صعلوكا فكثُر مالك عندنا، ثم تريد أن تخرج بنفسك ومالك؟، والله لا يكون ذلك"، فرد عليهم: "أرأيتم إن تركت مالي لكم هل تخلون سبيلي؟ "، قالوا: "نعم"، فدلهم على الموضع الذي خبأ فيه ماله بمكة، فسمحوا له بإتمام رحلته إلى المدينة، بعد أن ضحى بكل ما يملك في سبيل عقيدته ودعوته، ولما بلغ خبره النبي - صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ربح البيع أبا يحي)، وتلا قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف بالعباد} ( البقرة: 207)، رواه الحاكم.
ومن أبرز مشاهد الهجرة، ما حدث لعمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، حين اتّفقوا على اللقاء سرا خارج مكة للرحيل، وفي الموعد المحدد حضر عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة ولم يحضر هشام، فقد استطاعت قريش القبض عليه وتعذيبه، حتى فتنوه عن دينه. وعندما وصل عمر وعياش إلى المدينة، أرادت قريش أن تقوم بحيلة لاختطاف عياش، فبعثوا أبا جهل والحارث بن هشام، لقرابتهما منه، ولما قدما المدينة بحثا عن عياش حتى وجداه في (قباء)، فقالا له: "إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط، ولا تستظل من شمس حتى تراك"، فشقّ عليه أن يكون سببا في إيذاء والدته، لكن عمر بن الخطاب أدرك منذ اللحظة الأولى أنها مكيدة، فقال له: "والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك، فاحذرهم، فوالله لو آذى أمك القمل لامتشطت، ولو اشتد عليها حرّ مكة لاستظلت"، فرد عليه عياش قائلا: "أبرّ قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه"، فقال له عمر: "والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما"، لكنه أصر على الخروج، فلم يجد عمر ما يفعله سوى أن يعطيه ناقته كي يفر بها عند الحاجة. وفي طريق العودة، طلب أبو جهل من عياش أن يركبه على ناقته، وما أن نزل (عياش) عن ظهر الناقة حتى هجما عليه وأحكما وثاقه، ثم دخلا به مكة وعذباه حتى فُتن عن دينه. ولما وصل الخبر إلى المسلمين أحزنهم ذلك، وكانوا يظنّون أن الله تعالى لن يقبل منه ومن أمثاله توبة؛ لكفرهم بعد أن عرفوا الله وآمنوا برسوله، حتى أنزل الله تعالى قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب، ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} ( الزمر: 53 ـ 55).
فأسرع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يبشر هشام بن العاص بقبول التوبة، وأرسل إليه تلك الآيات على صحيفة، ولما قرأها هشام لم يفهمها، فدعا الله أن يلهمه معناها، فألقى الله في قلبه أنها نزلت فيه وفي أمثاله، فعاد إلى المدينة تائبا مسلما، وتبعه عياش بعد أن استطاع الفرار من قريش.
إنها نماذج حيّة وصور صادقة للمواقف الصعبة التي واجهها المهاجرون في سبيل الحصول على حريتهم الدينية، والتخلص من أذى قريش واضطهادها، لتكون تلك التضحيات الخطوة الأخيرة لتأسيس الدولة الإسلامية وإقامة مجتمعها الآمن.