رئيس جمعية "فورام بسكرة" في حوار لـ"المساء":

الجمعيات شريك للإدارة وليست منافسا

الجمعيات شريك للإدارة وليست منافسا
  • القراءات: 1987
حوار/ خديجة.ط حوار/ خديجة.ط
تعتبر النشاطات الاجتماعية التي تقوم بها مختلف المنظمات والجمعيات الخيرية ذات أهمية بالغة في خدمة مختلف فئات المجتمع سواء الشباب، الأطفال، المثقفين، أو المتعلمين، ومنها "جمعية فورام بسكرة" التي حملت على عاتقها تلبية الحاجات الإنسانية والاجتماعية لأبناء المنطقة.
 وفي محاورة "المساء" لمديرها السيد محمد بن جديدي، الأستاذ الجامعي ورئيس لجنة الثقافة والإعلام والشبيبة والسياحة، رئيس المجلس الشعبي الولائي سابقا، يسلط الضوء من خلال هذا الحوار أولا على نضال "فورام بسكرة" وكذا على عدة جوانب تخص واقع المجتمع المدني ودوره في البناء الوطني.

^ بداية، حدثنا عن نشأة فكرة "الفورام"؟
^^ فكرة إنشاء "الفورام" أوالهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، جاءت في ملتقى وطني، تم خلاله طرح الفكرة من قبل أساتذة مختصين في الطب، حيث تساءلنا حينها:
"أليس في مقدورنا إنشاء جمعية إنسانية على غرار أطباء بلا حدود مثلا؟" وكانت الإجابة على السؤال بتجسد ولادة "الفورام"،  في مارس 1990 حيث تم الإعلان الرسمي عنه في الحراش بالعاصمة والتي يترأسها البروفيسور خياطي، فاشتغل "الفورام" بنفس منهجية أطباء بلا حدود وعمل في النيجر ومالي وغيرها من دول إفريقيا، وقدم خدمات إنسانية خاصة في المجال الطبي.
لكن الآلية بعدها تطورت والوضع تغير في 1994-1995 وأصبح "الفورام" يهتم بجوانب أخرى خاصة الجوانب الخيرية والإنسانية ومكافحة الآفات الاجتماعية لينتهي عند البحث والتدريب، فأصبح يشتغل على 3 محاور، المحور الأول يتمثل في مساعدة كل الفئات الهشة في المجتمع خاصة ضحايا العنف في تلك الفترة، وكان واحد من أهم الملفات في هذا المحور هو ملف اليتامى الذي يحتضنه برنامج خاص يسمى بـ«كافل اليتيم" عن بعد، إذ تتكفل الهيئة الآن بأكثر من 8000 يتيم على المستوى الوطني بمبلغ شهري 3000 دينار، منها 150 يتيم ببسكرة، لكن الأهمية لا تكمن في المبلغ، بل في مرافقة اليتيم وتوفير له متطلباته، كما أنه لدينا مدارس ومراكز خاصة بكفالة اليتامى كمركز بن طلحة ومركز عزابة. وفي الجانب الطبي، لدينا فندقين على مستوى العاصمة مخصصين لمرضى الجنوب الكبير حيث نقوم بتقديم كل الرعاية للمريض من يوم وصوله حتى مغادرته، بالإضافة إلى اهتمامات أخرى كإنشاء مراكز ترفيهية للأطفال خاصة بهذا الجانب بالإضافة إلى إنجازات يشرف عليها "الفورام" في ولاية أدرار سترى النور قريبا.
المحور الثاني يهتم بكل ما يتعلق بمكافحة الآفات الاجتماعية كالمخدرات، السيدا، مكافحة تلوث البيئة وغيرها من المواضيع، فمثلا في مجال مكافحة المخدرات، عمل "الفورام" على هذا الموضوع من خلال حملة وطنية مست 25 ولاية، غيرنا المنهج المعتاد في الحملة من محاضرة توعوية إلى محاولة استقطاب الشباب من خلال إشراك سفراء النوايا الحسنة كعامل جذاب بالنسبة للشباب ومنها شخصيات رياضية وإعلامية وفنية كحفيظ  دراجي، ماجر، دوبل كانون، ووزراء قدامى مثل عز الدين ميهوبي وغيرهم، حيث أنهم يتنقلون عبر مختلف ولايات الوطن لإيصال رسائلهم تحت شعار "من أجل جزائر خالية من المخدرات".
المحور الثالث يتمثل في كل ما هو بحث، تكوين، تدريب، إنشاء مجلات.. فالفورام يمتلك مجلة تحت عنوان "دراسات عن الطفولة" تخضع لنفس المعايير العلمية والشروط التي تخضع لها المجلات الجامعية التي تنشر فيها بحوث الدكتوراه، ذلك لأن البحث العلمي في مختلف المجالات يحوز الأولوية في برامج الفورام.

^ كيف تأسس "فورام بسكرة" ومتى كانت الانطلاقة؟
^^ الفورام في بسكرة جديد في الساحة كمقر، لكن من حيث العمل سبق وأن بدأنا به، حيث كان أول عمل لفورام بسكرة منذ 3 سنوات، إذ أحضرنا 31 بروفيسورا جزائريا من بلجيكا بالتعاون مع الجمعية الطبية الجزائرية البلجيكية التي يحمل أغلب أعضائها قبعة الفورام، قاموا خلال 4 أيام بتكوين الأطباء الجراحين وكذا ورشة للأطباء العامين وورشة للقابلات وورشة للممرضين، حتى أننا مددنا العملية إلى تخصيص ورشة للاستعجالات للحماية المدنية، وقد كانت النتائج رائعة بالرغم من أننا لم نكن نملك مقر.
وفي سنة 2014، تم فتح المركز الثقافي الإسلامي سابقا لاستغلاله كمقر بعد أن قمنا بترميمه قدر الإمكان نظرا لقدمه - كما أنه لازال في حاجة إلى تصليحات - وأول عمل بدأنا به هو المحور الأخير المتمثل في التكوين، حيث ركزنا على الجوانب الاستثنائية وغير المألوفة، فقمنا بتكوين17 مكفوفا في الإعلام الآلي، وفق برنامج يسمى (جاوس) يقوم بتحويل الكلمات إلى أصوات، بإشراف أستاذ مكفوف مختص في الإعلام الآلي، حيث  تلقى تدريبا في إيطاليا على الحواسيب والهواتف التي تعمل باللمس وذلك من طرف خبراء  تابعين لميكروسوفت لمدة 11 يوما.

^ وما هي الأعمال المنجزة إلى غاية الآن؟
^^ قبل التحدث عما قمنا به في بسكرة، أرغب في إعلامكم بأمر مهم وهو أن العمل النادر والمميز الذي قام به الفورام هو جمع أكبر عدد ممكن من علمائنا الموجودين في الخارج، حيث قام بتجنيد إن أصح القول كل الاساتذة والدكاترة الجزائريين في الخارج، حتى يقدموا يد المساعدة متى احتجناها، كما فكرنا أيضا في فئة الصم ـ البكم، فقمنا بتدريس لغة الإشارة من خلال فتح دورة تكوينية للمترجمين خلال السنة الماضية وذلك لمدة 6 أشهر مجانا، سيتخرجون قريبا.
أما هذه السنة فنحن نكوّن أربعة أفواج من مختلف شرائح المجتمع، يدرسون هذه اللغة لكي يكونوا وسطاء بين الأصم والواقع الذي يعيشه وذهبنا بتفكيرنا إلى أبعد من هذا، حيث فكرنا في تكوين الجهات التي قد تشتغل مع الفئة والتي قد يكون فيها الأصم متهما أو ضحية، فهو في كل الحالات يحتاج إلى مترجم من القطاع المعني.
إلى جانب ذلك، فتحنا مدرسة قرآنية لتحفيظ القرآن لمختلف الأعمار، ودعمناها بدورة تكوينية مكثفة خلال الصائفة، كان الهدف منها تحفيظ 15 حزبا بالمنهجية القاسمية، إلى جانب ذلك التحفيظ باللغة الإنجليزية للسور الصغيرة وهي في اعتقادنا تجربة رائدة في تعليم اللغة الانجليزية، حيث أن حفظ حزب كامل للسور الصغيرة يمكن الحافظ من تعلم أكثر من 350 كلمة انجليزية وبالتالي تصبح عنده ملكية لغوية من خلال القرآن الكريم.
وفتحنا كذلك أقسام دعم اليتامى والمعوزين ندرسهم الانجليزية، العلوم، الرياضيات والفرنسية مجانا، كذلك بعد أن لاحظنا من منطلق أن ولاياتنا هي ولاية سياحية بالدرجة الأولى، شرعنا في تكوين 24 مرشدا سياحيا اخذوا المبادئ الأولية في الإرشاد ونحن الآن نفكر في مواصلة تكوينهم إلى مستويات أعلى، كما قمنا بدورة تدريبية في أحكام التجويد لمدة ثلاثة أيام بالمركز طبقا لمنهج المدرسة القاسمية ثم 3 أيام أخرى بالأغواط في زاوية صاحب المنهج المعتمد في تدريسنا للقرآن الكريم، بعدها انهينا الدورة بمخيم صيفي قرآني ببلدية القالة، إلى جانب مخيم صيفي آخر بالتنسيق مع وزارة الشباب ببلدية أوقاس ولاية بجاية.

^ الأكيد أن كل هذه الانجازات تطلبت مبالغ هائلة، فمن أين تغطي جمعية "فورام" تكاليفها؟
^^ كلها من الأعمال الخيرية، مثلا يوم فتحنا ملف تدريس المكفوفين، قامت بمساعدتنا جمعية زوجات السفراء بـ 6 أجهزة، وفي المدرسة القرآنية مزجنا بين الأصالة والحداثة في التدريس بين التكرار بالطريقة القديمة مع إدخال عليها بعض التعديلات واستعمالات الحسوب عن طريق بعض البرمجيات الحديثة، فقام مواطن بالتبرع بـ 15 جهازا للإستعمال في مجال تدريس القرآن، وعليه فالتكاليف تكون إما نتيجة تبرعات الناس أو  من خلال الشراكة مع الأطراف الأخرى، كما فعلنا مع شركة سوناطراك إذ اتصلنا بها برعاية السيد والي ولاية بسكرة، حيث ستتكفل سوناطراك بـ50 يتيما متفوقا دراسيا من تلاميذ السنة الثانية ثانوي علمي لأخذهم في رحلة علمية خلال عطلة الشتاء إلى آرزيو ليتعلموا فيها لمدة أسبوع عملية الصناعة البترولية بدءا من البحث والاستكشاف والنقل والتكرير إلى غاية التصدير، بالإضافة إلى ترتيب زيارات سياحية للتعرف على ولايات الغرب الجزائري وقد اخترنا للرحلة شعار "تعلم ثم تجول".

^ هل من عراقيل تواجهها الجمعية؟
^^ نحن لا نقول عراقيل، فجمعية "فورام" أبوابها مفتوحة لكل المساعدات.. في كل مرة نتلقى مساعدة من قبل الناس أفكارنا تزيد، فمن فكرة نخلق فكرة ثانية، ذلك أننا في الواقع لا نملك جانبا ماديا وإنما هي مجرد أفكار وإعانات، فالجزائر لم تتخلص من الفقر بعد وهناك قضايا تدمع لها العين... فارحموا عزيز قوم قد ذل.

^ مساعي الجمعية وطموح بن جديدي... إلى أين؟
^^ مساعينا فعل الخير أكثر من خلال مساعدة الفئات الهشة في المجتمع ومحاربة الآفات الاجتماعية ونشر العلم من خلال التكوين والتدريب وفتح الورشات العلمية، أما طموحنا في "فورام بسكرة" فهو إنجاز المشروع الذي انطلقنا فيه وهو إنشاء معهد وطني لمكافحة ضعف البصر الذي نعمل الآن على تجسيده على أرض الواقع بالتنسيق مع السلطات المحلية لولاية بسكرة وبشراكة معهد فرانسيسكو كفاتزا الايطالي والذي نأمل أن يرى النور قريبا خدمة للمكفوفين وضعيفي البصر وكذا متابعة أبصار أبنائنا في المدارس على مستوى كل ولايات الجنوب. هذا المشروع فريد من نوعه في الوطن العربي، نحن الآن ننتظر استلام مقر لهذا المعهد على أحر من الجمر لننطلق في تكوين المكونين لهذه الفئات الهشة وكذا الاستفادة من الدعم الايطالي سواء من حيث الجوانب الفنية أو بعض التجهيزات.

^ كلمة أخيرة لقراء "المساء"
^^ المجتمع المدني يجب أن يرفع من مستواه، فالحركة الجمعوية في حاجة إلى تكوين أكثر والإدارة يجب أن تغير نظرتها تجاهه على أنه شريك وليس منافسا، فالمجتمع المدني هو نضال، هو عمل، هو نتائج في الميدان.