الكاتب الإيطالي ريكاردو نيكولاي لـ"المساء":

"أصوات فرنجية في الجزائر".. رواية جديدة عن بلدي الثاني

"أصوات فرنجية في الجزائر".. رواية جديدة عن بلدي الثاني
الكاتب والمكتبي الإيطالي ريكاردو نيكولاي
  • 170
 لطيفة داريب لطيفة داريب

قال الكاتب والمكتبي الإيطالي ريكاردو نيكولاي في حديثه إلى "المساء"، إنّ الجزائر سحرته فعلا منذ أن اكتشف قصة الأميرال من أصل إيطالي علي بتشين، فأصبح يراها موطنه الثاني، لتكون ثمرة هذا الحب أربع روايات، آخرها التي صدرت حديثا تحت عنوان "أصوات فرانجية في الجزائر العاصمة" باللغة الإيطالية، في انتظار ترجمتها إلى اللغتين العربية والفرنسية.

أضاف نيكولاي أنّ بين الجزائر وإيطاليا تاريخاً مشتركا، وحسّا وتعاطفا كبيرين، معتبرا أنّ الكتابة عن هذين البلدين فرصة عظيمة للمساهمة في تنمية العلاقات بينهما، والتي هي، في الأصل، عميقة.  

أما عن روايته الجديدة فتناول فيها لغة استثنائية أبدعها سكان البحر المتوسط؛ لحاجتهم في التواصل بينهم، كانت عاصمتها الجزائر العاصمة، اسمها فرنجية (فرانك) أو "صابر". تعرّف عليها عام 2014، حينما اكتشف قصة علي بتشين، الذي اختُطف صغيرا، وأصبح في كبره أميرال عظيما بالجزائر. وتساءل عن اللغة التي كان يتحدّث بها هذا الإيطالي في بلد غريب عنه.

وأضاف محدّث "المساء" أنّه حينما كان يكتب روايته عن بتشين، شاهد برنامجا تلفزيونيا، سأل فيه أحد الصحفيين صيادا من صقلية، وتحديدا من جزيرة فافينيانا، عن يومياته في الصيد، وطقوسه وعاداته، فأجاب الصياد بأنه قبل كل عملية صيد يصلي صلاة معيّنة، ثم شبّك بين يديه وبدأ في صلاته يتكلم بلغة غير مفهومة، ليسأله الصحفي عنها، فأجابه بأنها اللغة الفرنجية البربرية، وهي لغة قديمة استُعملت في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وقد أُطلق عليها لاحقا لغة "صابر". وهنا قال نيكولاي لـ"المساء" إنّ هذا البرنامج التلفزيوني كان بمثابة وحي له. فمنذ تلك اللحظة بدأ في البحث عن هذه اللغة، ليعثر على العديد من الوثائق المكتوبة بها في رسائل القناصل، والسفراء، والعبيد، والكهنة الذين عملوا على إعتاق العبيد، وحتى في رسائل الباشوات والملوك، مضيفا أنّ هذه اللغة تمثّل حالة فريدة من نوعها؛ حيث كان الأسياد ملزَمين بالتحدّث بلغة عبيدهم.

وكشف المتحدّث عن رغبته في ترجمة روايته إلى اللغتين العربية والفرنسية؛ من خلال تقديم المشروع للسفارة الجزائرية في إيطاليا، والمعهد الثقافي الإيطالي بالجزائر، والسفارة الإيطالية بالجزائر، وكذا المعاهد الإيطالية في الجزائر والبليدة وعنابة، لإقامة تعاون مع الطلبة والأساتذة المختصين في اللغة الايطالية، ومن ثم عرض هذا الكتاب على دار نشر جزائرية. كما أشار إلى عدم مواجهته صعوبات في العثور على الوثائق الخاصة بهذه اللغة، حيث نجح في إعادة بناء تسلسل زمني أدبي استناداً إلى اكتشاف خريطة بحرية قديمة للبحر الأبيض المتوسط، كُتبت في بيزا في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي. وقد استند في بحثه على الوثائق الموجودة في مواقع المكتبات الجزائرية، والإيطالية، والفرنسية، علما أنّه اختار أن يكون مؤلَّفه هذا روايةً لا دراسةً، ليقول لـ"المساء" إنّه عبارة عن رواية مزوَّدة بمجموعة من الملاحظات.

وبالمقابل، تساءل نيكولاي عن سبب إطلاق تسمية "فرنجية" أو "فرانك" على هذه اللغة، وأسباب وجودها، فأجاب بأنه، بعد بحث وتمحيص، اكتشف أنه بعد حصول الدول الأوروبية البحرية على امتيازات جمركية، أطلق المسلمون الأندلسيون على أصحاب الامتيازات، اسم "الفرنجة" (بمعنى "الغربيين" في مقابل "الرومي"، وهم نصارى المشرق، بينما أخذت اللغة التي تكونت على هذا النحو، اسم "اللغة الفرنجية" بمعنى "اللغة التي يتكلمها الفرنجة". وقد تطورت هذه اللغة في العصور الوسطى على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ بسبب الحاجة إلى التفاهم بين العرب، والبربر، والأوروبيين. وكانت لغة عامية. ونتيجة لذلك لم يكن هناك متحدّثون أصليون بها. وتابع أنّ هذه اللغة ابتكرها الأوروبيون، وهي لغة حقيقية وإن كانت لغة مبسّطة للغاية من حيث المفردات والقواعد اللغوية. وكانت مفرداتها أساساً هي مفردات اللغة الإيطالية المستخدمة في الجمهوريات البحرية (البندقية، وبيزا، وجنوة في المقام الأوّل)، ممزوجة بالإسبانية، والعربية، والبربرية، والكتالونية، واليونانية، والصقلية، وغيرها. وكان لهذه اللغة مكانة أدبية؛ فقد استخدمها الكتّاب المسرحيون مثل موليار ووخوان ديل إنشينا وغولدوني في أعمالهم. وتابع مجدّدا أنّ هذه اللغة وُلدت مع الحروب الصليبية منذ عام 1096، عندما حدث لأوّل مرة اتصال بين عالمين مختلفين دينيا وثقافيا، ولكن مع ولادة جمهوريات البربر في شمال إفريقيا عام 1500، ترسخت هذه اللغة. وكانت مدينة الجزائر مركز انتشار هذه اللغة نظرا لقوّتها، وكونها أكبر سوق للعبيد في البحر الأبيض المتوسط.

للإشارة، ريكاردو نيكولاي كاتب ومكتبي إيطالي. درس الأدب الفرنسي بجامعة بيزا. وصدرت له أربع روايات، وهي "علي بتشين..من أجل حب أميرة"، و"علي بتشين.. حب وسحر البحر الأبيض المتوسط"، و"يوغرطة..الليلة الأخيرة في مامرتينو"، و"أصوات فرنجية في الجزائر العاصمة".