ندوة "دولة الأمير عبد القادر الجزائري الحديثة.. ميراث مستمر"

إنجازات ورهانات في التأسيس والمواجهة العسكرية

إنجازات ورهانات في التأسيس والمواجهة العسكرية
  • 214
مريم. ن مريم. ن

تناولت ندوة "دولة الأمير عبد القادر الجزائري الحديثة، ميراث مستمر"، المنعقدة أوّل أمس بالقاعة الكبرى بالصالون الدولي للكتاب، تاريخ بطل المقاومة عبد القادر بن محيي الدين مع استعراض ثريّ لمساره في تأسيس دولته الوطنية الفتية وبعضا من إنجازاته ومواقفه التي عبرت الحدود والأزمان ليبقى بلا منازع شخصية عالمية تصنع الإجماع والتبجيل.

أكّد الدكتور جمال يحياوي، أنّ الأمير عبد القادر شخصية تاريخية بارزة وأنه قائد فذّ وشجاع تصدى للمحتل الفرنسي، وعبّر بشجاعته وفكره وفلسفته حدود الوطن، حتى وصف بأنبل الرجال العرب، خلال القرن الـ19م.

خصال الأمير ومؤهّلاته

توقّف المتحدّث عند جملة من خصال الأمير منها حنكته ودهاؤه وقدراته السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية المتكاملة التي مكّنته من تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة وإنشاء جيش نظامي عصري. واستعرض جوانب أخرى من شخصية الأمير عبد القادر، فلقد كان مفكّرا وفيلسوفا وشاعرا ومؤسّسا للقانون الإنساني الدولي سبق بأفكاره ومواقفه زمانه.

قال المتحدث إنّه في عزّ ثورة التحرير خصّصت جريدة "المجاهد" حينها عددا خاصا عن الأمير بعنوان "الإرث الثمين" مستعرضة الدور الذي لعبه كباعث للدولة الجزائرية وكرمز للنضال العالمي على اعتبار أنّ صيته وصل الأصقاع متجاوزا المحلية، كذلك امتلاكه لحسّ استراتيجي محنّك وملهم ومفكّر وصفه الانجليز بأنبل الرجال العرب في القرن الـ19، كما اهتم عبد القادر بالعلم والكتب وكان يعاقب من يتعدى عليها، وضمن مجانية التعليم.

تجسيد دولة وطنية جامعة

من جانبه، قدّم الدكتور بشير محمد بويجرة، في مداخلته، قراءات وإشارات في عبقرية الأمير عبد القادر، ابن الزاوية القادرية ببعدها الصوفي في تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة وحكمته في تجسيد دولة وطنية نالت اعتراف كلّ العالم، مستعرضا مقوّمات الأمير الفكرية والإنسانية والحربية وغيرها التي مكّنته من القيادة وذلك منذ مبايعته ليخوض في مشوار جهاده أزيد من 100 معركة، من أشهرها خنق النطاح، المقطع، سيكاك، حصار مزغران، وغيرها.

أشار المتحدّث أيضا إلى بيئة الأمير وارتباطه بالأرض، علما أنّه جنّد أبناء البادية والريف في جيشه ورغم خبرتهم المحدودة في فنون الحرب هزموا بشجاعتهم جنرالات نابوليون الذين تكوّنوا في أرقى الأكاديميات. أما عن شعره فقال إنّ الأمير استعمله كوسيلة إعلام وردّ به أحيانا على خصومه فكتب "بنا افتخر الزمان" حينما تهجّم هيغل وفيكتور هوغو على الشعب الجزائري، ونظّم "ما في البداوة عيب" عندما اتّهم بأنه بدوي، ورد بقصيدة يفنّد فيها مقتله ليطمئن جيشه المرابط في منطقة تيزي وزو.

الجانب المؤسّساتي في دولة الأمير

بدوره، تناول البروفيسور مصطفى خياطي الجانب المؤسّساتي لدولة الأمير، مستعرضا حال الجزائر بعد سقوط عاصمتها حيث عمّت الفوضى وغاب النظام، لكن مع سنة 1832 انطلقت المقاومة على يد رجال عظماء ابتداء من عبد القادر الذي بادر لمهاجمة الحمية الفرنسية بوهران، ثم أصلح بين القبائل وأقام إدارة بحكومة ووزراء ومجالس ودواوين وختم وعلم وعملة ومصانع حربية ومراكز للاتصال وتجارة خارجية  وغيرها، وبالمناسبة قدّم المتحدّث صورا عن بعض الدواوين والمعامل والأسلحة والأبراج التي أقامها الأمير.

رهانات واجهت الأمير

في الجلسة الثانية من الندوة تقدّم الدكتور عابد سلطانة، ليؤكّد أنّ مقاومة الأمير عبد القادر كانت استثنائية بكلّ المقاييس، لاسيما من حيث التنظيم والهيكلة، وقد أثار المتحدّث الرهانات والتحديات التي واجهت الأمير وذلك منذ إطلاق المقاومة بعد سقوط وهران وما تسبّب من فراغ بعد انسحاب الباي حسان، ثم طمع تونس والمغرب في إدارة شؤون الجزائر تحت مظلة الحماية الأمر الذي منعته فرنسا .

مع المبايعة، بعثت المقاومة ومعها الدولة ذات النموذج الخلدوني المبنية على العصبية القبلية، فانضمت أكبر القبائل وهي بني عامر والغرابة والحشم ذات الثقل البشري والاقتصادي، وكانت قبلها قد تمرّدت على النظام التركي (ثورة الدرقاوة)، ومع الأمير ساندت البيعة أو ما سمي بالتولية المرابطية وفق الطريقة الرحمانية، علما أنّ القبيلة مكوّنة من العنصر العربي والبربري لكنّها تشترك في الانتماء لنفس الزاوية والطريقة، إلاّ أنّ الأمير حرص على كتابة المبايعة وتوثيقها كي لا تبقى شفهية قد تسمح بالتراجع.

خلال إبرام معاهدات الهدنة بين الأمير وفرنسا منها معاهدة ديميشال، تراجعت بعض القبائل عن تمويل الأمير معتقدة أنّ دافع الحرب لم يعد قائما وبالتالي لا يتطلّب التمويل، الأمر الذي أزعج الأمير لأنّه كان يحتاج لبناء جيشه وتحضيره لمعارك أخرى، ومن المتمرّدين على الأمير كان سي أحمد بن طاهر البطيوي الذي احتكر السلاح والتجارة وتعامل مع الفرنسيين ونقض البيعة فحوكم وقتل، كما تمرّدت على الأمير قبائل المخزن وتحالفت ضدّه مع فرنسا وهي التي كانت تقول إنّها معه ومن رجالها قدور ولد المخفي ومحمد المزار ولد سيدي لعريبي وغوماري وغيرهم.

كما استعرض الأستاذ إيدير حاشي جوانب من شخصية الأمير منذ طفولته وكذا تنشئته التي كان لأمه السيدة الزهرة جانب فيها، ومع شبابه استطاع بحنكته أن يؤسّس جيشا ودولة ويواجه المستعمر، إلى أن تم ترحيله إلى فرنسا ثم إقامته في الشام حيث كانت له مواقفه ونشاطه في التعليم وفي الشؤون الاجتماعية وغيرها.