ندوة "المحاكمات الأخلاقية للأدب" مع البروفيسور بورايو:
الإبداع متعة وفن لا يقبل حصار الأحكام
- 472
استضافت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أول أمس، بالمركز الثقافي "العربي بن مهيدي" بالعاصمة، البروفيسور عبد الحميد بورايو، للحديث عن "المحاكمات الأخلاقية للأدب"، بحضور نخبة من الكتاب والنقاد، الذين أسهموا بتدخلاتهم في إثراء هذا الجانب المهم من الكتابة والإبداع. فتناولت الندوة في عمومها، مسألة الأحكام والرقابة عموما، على الكتابة الأدبية، خاصة في صنف الرواية، وما لذلك من أثر على التجربة الجمالية نفسها، وعلى حرية الإبداع.
وقف البروفيسور عبد الحميد بورايو عند أهمية التمييز بين الحكم على الرواية ككل، والحكم على بعض المفردات التي تحتويها، والسجال القائم بين الأخلاق والإبداع، وتداخل اللغة المستخدمة في الرواية مع القيم الأخلاقية، وأثرها على القارئ، وضرورة التفرقة بين الكلمات المستخدمة، والسياق العام للنص، فالمفردات قد تكون صادمة أحيانا أو غير مألوفة، لكنها تخدم سياق السرد.
أكد المحاضر، أن العمل الفني يتطلب صورة ذهنية وشعورا وشكلا تعبيريا معينا، والفن، حسبه، هو التركيب القبلي الذي يجمع بين الشعور والصورة الذهنية، مشيرا إلى أن الفن ليس نشاطا أخلاقيا عمليا، بالتالي لا يجوز الحكم عليه من وجهة نظر خلقية. كما أوضح أنه لا يجب الخلط بين الفن والمعرفة التصورية، إذ يعد الفن أحد أوجه نشاط الروح، وعلم الجمال هو المجال الذي يدرس تجلي الروح في جميع مظاهره.
بالنسبة للأخلاق، فقد رأى المحاضر أنها مجموعة من القيم والقواعد العلمية التي تقترح على الأفراد والمجموعات عن طريق هيئات تعليمية، كالأسرة والمسجد والمدرسة وغيرها، وقد تميز هذه القواعد في مذهب أو نزعة وتحدد بتعاليم صريحة، وقد تنقل بين الناس بطريقة غير ممنهجة، فتصبح عبارة عن مدونة أخلاقية، يتبعها مجتمع معين، فتكون معقدة إلى درجة ما. وتعنى الأخلاق، كما أكد البروفيسور بورايو، بالسلوك الواقعي للأفراد في ضوء ما يفرض عليهم أو يقترح عليهم من قواعد، تتعلق بتصرفاتهم في وسط ما، لنكون آنذاك أمام "أخلاقيات السلوك".
قدم المحاضر تساؤلا وهو "كيف تتشكل النفس كذات أخلاقية"، موضحا أنها تعمل بموجب المدونة الأخلاقية المقترحة، وهناك كيفيات مختلفة للتصرف أخلاقيا، وكثيرا ما يراعى البعد الرمزي للغة في صياغة هذه التصرفات. وأوضح أيضا، أن الخبرة الجمالية تتشكل من تفاعل بين ملكات الإدراك الحسي والخيال من ناحية، وبين العقل الفاهم من ناحية أخرى، الذي يقوم بإدراك الخبرة الجمالية، ويرتبط الشيء الجميل بالضرورة، بشعور باعث على اللذة، وتعتمد ملكاتنا الإدراكية في التعرف على موطن الجمال على أساس ذاتي غير موضوعي. والفن "رؤيا أو حدس"، كما وصفه المتحدث، فالفنان يؤلف صورة ذهنية ما، ويقوم المتلقون بإعادة تأليف هذه الصورة.
قال البروفيسور، إن الأدب يتطلب حرية التعبير، وأن لا يكون مكبلا بقواعد أخلاقية صارمة، تمنع الكاتب من تصوير الواقع كما هو، فالكاتب يقوم بدور المؤرخ الاجتماعي والفني، ويعكس جوانب مختلفة من الحياة، التي قد تحتوي على عناصر غير أخلاقية، لكنها جزء من الواقع.
من جهة أخرى، أكد المحاضر أن هذه الحرية لا يسمح لها أن تتجاوز الشخصيات ذات المرجعية التاريخية أو الاجتماعية، كما أن أحداثا في الرواية تحدث في مدينة أو منطقة ما، لا تعني تشويهها.
شهدت الندوة بعدها، نقاشا مفتوحا بين الحضور، منهم الكاتب فيصل الأحمر، الذي أكد ضرورة إنشاء سوسيولوجيات جديدة، ترصد تحولات القارئ الجديد، بخلفيات ثقافية مختلفة عن الأجيال السابقة، وبمؤشرات قراءة آتية عبر الأنترنت من وراء حدودنا، أما الكاتب محمد ساري، فذكر أن الأدب هو خطاب يختلف عن الخطابين الديني والسياسي، كما أنه عمل مفرد، ولا وجود لرواية تمثل شخصا أو مدينة بعينها أو تحدد ما هو الخير أو الشر بالمطلق، بل تكون المراعاة لمتعة النص وميزته، أما احميدة العياشي، فدعا إلى حوار بين المبدعين الكتاب وضرورة مسايرة الرواية للمجتمع، خاصة في مرحلة ما بعد الإرهاب، وما أنتجته من تناقضات وعدم الانسياق وراء الحملات الشعبوية، خاصة في الفضاء الأزرق.
للإشارة، تم التطرق لرواية "هوارية" التي سببت ضجة حين صدورها، وقال بورايو، إن تتويجها كان من لجنة مكتملة الأعضاء، ولم تكن قرارا فرديا.