رحالة الجنوب الكبير مصطفى بن دهينة ضيف "المساء":

الاستسهال في العمل الإعلامي والفني يؤدي إلى الرداءة

الاستسهال في العمل الإعلامي والفني يؤدي إلى الرداءة
  • 5603

يعود الكاتب والإعلامي مصطفى بن دهينة ـ كعادته ـ بالجديد الذي لم يسبقه إليه أحد، ليواصل رحلة الإبداع بالكلمة والصورة، فيزيد بذلك رصيده ثراء بمختلف الأعمال التي ميزت مسيرته التي تجاوزت العقد الثالث، استضافت "المساء" بن دهينة الصحفي الرحالة ليقدم هذا الجديد، ويستعرض معها جانبا من تجربته في الأفلام الوثائقية العلمية والتاريخية، خاصة بمناطق جنوبنا الكبير.

في جعبتك الجديد، حدثنا عنه؟

❊❊ انتهيت من تصفيف مسرحية وطنية ثورية بعنوان "زمن اللوحة والنشيد"، التي فازت في مسابقة الفاتح نوفمبر التي تنظمها وزارة المجاهدين طبعة 2014 قصد نشرها، تتناول تنظيم الجبهة الجنوبية للثورة سنة 1960 بدولة مالي، تحت قيادة عبد القادر المالي. ونظرا لتحكم الاستعمار في كل مناطق الجنوب الكبير، كانت التوجيهات من قيادة الجبهة الجنوبية على ضرورة تلقين أطفال القصور بمناطق توات وقورارة وتيديكلت وتنزروفت المبادىء الوطنية،  من خلال تحفيظهم بعض الأناشيد الحماسية الوطنية.

بعد التشاور، استقر الرأي على فكرة عبقرية، وهي تحفيظ الأناشيد للأطفال باستخدام ألواح الكتاتيب، وتم تكليف أهل الثقة الوطنيين لتنفيذ المهمة، وجرت العادة على أن تقسم لوحة الكتاتيب إلى قسمين؛ الأول خاص بالآيات القرآنية، وهو القسم الأعلى من اللوحة، أما القسم المتبقي وهو الأصغر فكان يستخدم حيزا لكتابة المتون حتى يتمكن الطفل من الحفظ. وطبقا لتوجيهات الثورة، اتّصل الوجهاء بمسؤولي القصور ومعلمي الكتاتيب المعروفة باسم "الأقربيش"، فكانت الألواح وسيلة لتحفيظ الأناشيد، وكانت بذلك طريقة من طرق المقاومة، على الرغم من التفتيش الدائم للعدو، وعندما رفعت الراية الجزائرية في 62، خرج أطفال الجنوب الكبير كغيرهم من أطفال الجزائر يرددون هذه الأناشيد منها؛ "من جبالنا" و"قسما".

كما أن آخر حصة أنجزتها، ظهرت في 2017 بعنوان "تندوف المعلم والتذكار" في 31 دقيقة، وكانت بطلب من اتحاد إذاعات الدول العربية، قدمت فيه جانبا من التراث الثقافي والسياحي، علما أنني أنجزت شريطا عن الولاية في 1990، فجاء عملي الجديد كتكملة ومقارنة للمنطقة في فترة تجاوزت العقدين.

هناك أيضا حصة "الهوية الوطنية...القوادم والخوافي" تتناول التنوع الثقافي واللغوي للهوية الجزائرية، وكذا حصة "مثلث النار" و«رمضان أيام زمان" وغيرها.

كيف سخرت شغفك بالطبيعة والتاريخ لإنجاز أفلام وحصص وغيرها؟

❊❊ كنت دوما ـ على هامش العمل ـ أغتنم فرصة جمع المادة الخام وأستغلها في الأشرطة التلفزيونية، وسأقوم في الأيام القادمة بإتمام بعض الحصص وتركيبها، ولي 70 موضوعا سيدخل غرفة التركيب بين الإخباري والفيلم القصير.

تناولت أعمالي مواضيع البيئة والتاريخ والثورة وكذا المواضيع الاجتماعية والسياحية، وبالنسبة للبيئة، كان اهتمامي بالمناطق غير المستكشفة، وما فيها من مواقع وكنوز طبيعية وثقافية، بعدما بقي الاهتمام محصورا فقط في مناطق معينة، منها تاغيت وبني عباس وتوات، في حين أن هناك الكثير من المناطق التي تستحق الظهور والتثمين.

تسلّط جل أعمالي الضوء على الغطاء النباتي والحيوانات النادرة بالمنطقة وكذا الظواهر الطبيعية في الصحراء، أما بالنسبة للحصص التاريخية، فيتم فيها تسليط الضوء على بعض المعارك الشهيرة وبعض المجاهدين الذين قدموا أنموذجا صادقا في الكفاح والوطنية. أفضل هنا أن أعطي مثالا عن هؤلاء، منهم من مات على خط الحدود، بالتالي سيجت هذه الأرض بدماء الشهداء إبان الثورة، وعلى آخر نقطة تغرب فيها الشمس ببلادنا، وهي منطقة حاسي منيف بتندوف على الحدود مع المغرب، فيها سقط الشهيد محمد بليلة الذي أطلق اسمه على هيئة عسكرية، هذا الشهيد جاء من إحدى مناطق سطيف وكان مسجونا مع الراحل جون بول سارتر. كما أن شهيدا آخر من تيزي وزو سقط بمنطقة العبادلة وقت أقيمت له احتفالية واستدعي أهله للتكريم.

هنا، أقول بأن الطبيعة لا تقبل الفراغ وكذلك التاريخ، بالتالي حاولت وأحاول من خلال مساري أن أترك بصمة ولو بسيطة، مع الغوص في هذا التاريخ والتراث، يكفي أن منطقة الساورة لوحدها تمتد على مساحة مليون مربع، وعندما كنت مديرا للمحطة الجهوية للتلفزيون ببشار، قلت لزملائي إن التغطية تبدأ من عتبة هذه المحطة وإلى غاية برج باجي مختار، بالتالي يجب تسليط الضوء على كل هذه المناطق الشاسعة بكل حرفية.

كيف يختلف عملك بين التغطية الخبرية والحصص والأفلام؟   

❊❊ التغطية الإخبارية قد لا يتجاوز زمن بثها الدقيقتين، ولا يتم التركيز فيها على المعالجة المركزة، أما فيما يتعلق بالحصص فهو أمر يتطلب مجهودا أكبر من اتصالات مع المعنيين. كما في حال الحصة التاريخية ـ مثلا ـ إذ يتم الاتصال بالشهود والمجاهدين والمؤرخين وتحديد أماكن التصوير وزاوية العمل أو الفكرة وجمع المعلومات وغيرها، فضلا على أن الصحفي يجب أن يكون صاحب اطلاع وثقافة.

أذكر أنني كنت أول من أنجز حصة مطولة عن منطقة رقان سنة 1991 تحت عنوان "رقان أبدا لا تنسى" .

ما هي خصوصية العمل في الجنوب؟

❊❊ أكيد أنّ رحلة العمل والبحث في الجنوب شاقة، خاصة في أعماق الصحراء، حيث الحرارة والمبيت في العراء، مثلما حصل معي عند إنجازي الفيلم العلمي "دلفين الرمال" الذي نال الجائزة الأولى للشاشة الذهبية في 2001. وقد قمت بتصويره في شهر ماي مع 4 من أفراد الطاقم التقني،  وقطعنا 8 آلاف كلم، وصعدنا حينها أكبر قمة للعرق تحت درجة حرارة وصلت إلى الـ50، ناهيك عن انتشار العقارب والأفاعي وشح المعلومات العلمية، لكننا استعنا بالبدو الرحل ونلنا به الجائزة الأولى، ثم ترجم الفيلم إلى الأمازيغية والفرنسية، بعدها شاركت به في ملتقى الأشرطة العلمية الدولي بباريس ونلت شهادة عالمية، بينما الجائزة الكبرى فكانت من نصيب اليابان.

ماذا عن تجربتك في مجال الفيلم الوثائقي والعلمي؟

❊❊ الشريط الوثائقي اليوم في العالم هو الأغلى، كما أنه ينجز في البلدان الغربية في فترات طويلة، حيث أن إنجاز 52 دقيقة من الفيلم يتطلب سنتين من التصوير، وغالبا ما تصور هذه الأفلام من 3 إلى 5 سنوات يتم شراؤها من كل العالم، وتحقق النجاح والإبهار. بالنسبة لي، أرى أن الاستسهال في العمل الإعلامي والفني يؤدي إلى الرداءة.

ففي سنة 94، أنجزت عملا عن "أطول نخلة في الصحراء الجزائرية" موجودة بقصر بني ثامر بتمنطيط في أدرار، وتم عرض الفيلم في عدة قنوات، منها قناة "أم بي سي" وقنوات تونسية. كما عرض "دلفين الرمال" في العديد من القنوات العربية والأجنبية.

دخلت مجال الدراما، فكيف كانت التجربة؟ 

❊❊ أنجزت مسلسلا عن الصحابي "عباس بن فرناس"، وقد عرض في أكثر من 10 دول عربية، منها ليبيا والأردن واليمن وتونس وعلى قناة "اقرأ"،  وتميز بغلافه المالي البسيط، لكنه حقّق النجاح ووصل نصه إلى جامعة الأزهر التي وصفت نصه بأنه طيب وقابل للاستغلال، بعد موافقة المجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية بالجزائر.

كما أنجزت "الجوهرة الضائعة"، وهي تمثيلية تلفزيونية للأطفال وسكاتش "بريق الطمع" و«على رصيف الحياة"، وهو سيناريو دراما تلفزيونية كتبته وأخرجه باديس فضلاء، عرض على التلفزيون الجزائري.

الكثير لا يعرف بأنك عازف ماهر، أليس كذلك؟

❊❊ لست بالمهارة التي قد يتصورها القراء، لكنني أداعب العود وأعيش لحظات ممتعة معه، وطبعا أنا مولع بالفن الأصيل، لذلك شجعت الشباب من خلال حصة "واحة المواهب" التي امتدت لـ6 حلقات.

ما هي كلمتك الأخيرة؟

❊❊ أشكر كل من ساعدني في مساري المهني وكل من ثمن جهدي، من ذلك رئيس الجمهورية الذي منحني جائزة الصحفي المحترف، ومدير التلفزيون السيد خلادي الذي أعطاني الموافقة لإنجاز الكثير من الأعمال، إلى جانب كل عمال محطة بشار الجهوية، بما فيهم المتقاعدون والذين رحلوا. كما لا أنسى جريدة "المساء" التي قدمتني للقراء وفتحت لي الأبواب في أكثر من مناسبة.

مريم.ن