المؤرخ الأمريكي، تود شيبارد:

الاستعمار لم ينتهِ… لقد غيّر شكله فقط

الاستعمار لم ينتهِ… لقد غيّر شكله فقط
  • 215
نوال جاوت نوال جاوت

أكد المؤرّخ الأمريكي تود شيبارد، خلال مداخلته في فضاء "فانون" ضمن البرنامج الفكري لصالون الجزائر الدولي للكتاب، أنّ العودة إلى فكر فرانز فانون ليست احتفاءً برمز ثوري أو استعادةً لشخصية أيقونية في تاريخ حركات التحرّر، بل محاولة لفهم مشروعه النقدي في جذره. ففانون، بحسب شيبارد، لم يكن فيلسوفًا تجريديًا بقدر ما كان كاتبًا عاش التجربة الاستعمارية من داخلها، وشهد واقع الحرب وتحوّلات المجتمع أثناء الثورة الجزائرية.

يرى شيبارد أنّ فانون أدرك مبكرًا أنّ الاستعمار ليس هيمنة على الأرض فقط، بل بنية نفسية وأخلاقية تشقّ الإنسان من الداخل وتشكّل وعيه ورغبته ونظرته إلى نفسه. ففي كتابه "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء"، لا يعالج فانون مسألة الهوية بوصفها انتماءً ثقافيًا بسيطًا، بل كجرح وجودي يخلّفه الاستعمار في الجسد والذاكرة واللغة. ومن هنا يصبح التحرّر، في قراءة شيبارد، استعادة للذات قبل استعادة الوطن.

يضيف شيبارد أنّ فانون لم يكتفِ بالدفاع عن الثورة ضدّ المستعمر، بل كان من أوائل من انتقدوا الدولة الوطنية بعد الاستقلال. ففي "معذّبو الأرض"، حذّر من نخب سياسية صاعدة ستعيد إنتاج أدوات السيطرة نفسها التي كانت لدى الإدارة الاستعمارية: المركزية، البيروقراطية، والتحكم في الشعب بدل خدمته. لم يكن ذلك تشاؤمًا، كما يشير شيبارد، بل قراءة مبكرة لبنية السلطة التي ستتشكّل لاحقًا في كثير من البلدان المستقلة.

من هذا المنطلق يتناول شيبارد مفهوم النيُوكولونيالية، حيث لم تعد الهيمنة تحتاج إلى الجيوش، بل تُمارس عبر الاقتصاد العالمي، النخب المرتبطة بالخارج، اللغة، التعليم، وتمثيلات التاريخ والثقافة.  وانطلاقًا من فكر فانون أيضًا، تطرّق شيبارد إلى ما يحدث في غزة اليوم، معتبرًا أنّ العنف هناك ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل استمرار واضح لممارسة نزع الإنسانية التي رصدها فانون. فالقدرة على النظر إلى معاناة شعب كامل كحدث ثانوي، أو اعتبار الحق في الحياة قابلًا للمساومة، هو إلى حدّ بعيد إعادة إنتاج فاضحة للمنطق الاستعماري نفسه. وأكد أنّ جذور المشروع الصهيوني ليست حدثًا جديدًا، بل امتداد للنزعات الاستعمارية التي مارستها سابقًا دول مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

كما يرى شيبارد أنّ استقلال الجزائر عام 1962 لم يكن مجرد نهاية استعمار، بل لحظة مفصلية أعادت فرنسا من خلالها تعريف ذاتها. فالجزائر لم تُعامل كمستعمرة عادية، بل كجزء من التراب الوطني الفرنسي، ولذلك كان فقدانها صدمة هوياتية دفعت فرنسا إلى الانغلاق على هوية قومية أوروبية – بيضاء. ويواصل شيبارد في أعماله، لا سيما كتاب "الجنس، فرنسا، والرجال العرب"، تحليل كيف انتقلت الهيمنة من السيطرة العسكرية إلى تشكيل الصورة والخيال واللغة في المجتمع الفرنسي، حيث جرى تحميل الجسد العربي بمعاني التهديد والإغراء في آن واحد، داخل السينما والخطاب السياسي والثقافة الشعبية.