صناعة الكتاب في ظل الذكاء الاصطناعي

التحوّل الحتمي وتحديات الإبداع والحقوق

التحوّل الحتمي وتحديات الإبداع والحقوق
  • 113
د. مالك د. مالك

في إطار فعاليات الصالون الدولي للكتاب في طبعته الثامنة والعشرين، نظّم فضاء فلسطين "غسان كنفاني" ندوة بعنوان "صناعة الكتاب والذكاء الاصطناعي"، حضرها عدد من الأساتذة والناشرين والخبراء في المجال، وناقشت مستقبل صناعة الكتاب في زمن الثورة التكنولوجية والتحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بها.

افتتحت الندوة فاطمة البودي، مديرة دار "العين" المصرية، مؤكّدة أنّ الذكاء الاصطناعي أصبح واقعًا حتميًا يفرض نفسه على الصناعات الإبداعية عالميًا، بما فيها النشر العربي. وأشارت إلى أنّ أبرز تحديات هذا التحول تتعلق بمراحل التأليف والتحرير والتدقيق والترجمة والتصميم، متسائلة عن قدرة القارئ على التمييز بين النصوص البشرية وتلك الناتجة عن الآلة. ورغم ذلك، شدّدت البودي على أنّ الإبداع البشري يتميز بروح ولمسة فريدة لا يمكن للآلة محاكاتها، داعية إلى الاستفادة الإيجابية من هذه التكنولوجيا لتطوير صناعة الكتاب.

وأشار منشّط الجلسة محمد بوقاسم إلى ظاهرة "التأليف التوليدي"، لافتًا إلى أنّ إحصاءات 2024 أظهرت اعتماد أكثر من 15 ألف كتاب كليًا أو جزئيًا على الذكاء الاصطناعي. وفي هذا السياق، ركّز الدكتور إبراهيم بوداود على أسباب قلق الناشرين من هذه التطبيقات، ومنها الأبعاد القانونية لحماية حقوق التأليف، والأثر الاقتصادي المحتمل على الوظائف، وسيطرة اللغة الإنجليزية على الإنتاج الثقافي. ومع ذلك، شدّد بوداود على أنّ المخاوف مبالغ فيها وأن الحل يكمن في إثراء المنصات بالمحتوى العربي والمعرفي.

بدوره، أوضح الدكتور أحمد دعي أن معظم دور النشر العالمية، بما فيها 75% من دور النشر الأمريكية، تعتمد على الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل صناعة الكتاب، مشيرًا إلى إسهاماته في التسويق ودراسة سلوك القراء، مع ضرورة مواجهة التحديات الأخلاقية وحقوق التأليف. كما شدّد منير بن مهيدي، مدير منشورات "جسور"، على أهمية الدراسات الميدانية لفهم تأثير التكنولوجيا على الوظائف، مشيرًا إلى سرح 14 ألف موظف في "أمازون" نتيجة الاعتماد على الأتمتة، لكنه أضاف أنّ التطبيقات الذكية يمكن أن تحسّن إدارة المخزون والتوزيع وتوقع اتجاهات القراءة.

في الجزء الثاني من الندوة، تناول مهند الجهماني مخاطر الاستعمار الرقمي نتيجة ضعف مشاركة الدول النامية في إنتاج المحتوى الرقمي، بينما ركّزت رهام طعمة على الحاجة إلى تشريعات دولية لتنظيم العلاقة بين النشر والمنصات الذكية. كما أشارت ممثلة نقابة الناشرين إلى التحديات المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية في السوق الرقمية، التي حققت نحو ملياري دولار، متسائلة عن الجهة المالكة لهذه الحقوق. واختتم المشاركون الندوة بالتأكيد على أنّ الذكاء الاصطناعي واقع لا يمكن تجاهله، والتحدي الحقيقي يكمن في توظيفه لخدمة صناعة الكتاب وتعزيز الإبداع البشري.