المهتمون يلتقون بأم البواقي

التراث.. هوية ونظام اقتصادي

التراث.. هوية ونظام اقتصادي
  • 1049
وردة زرقين وردة زرقين

نظمت دار الثقافة والفنون لولاية أم البواقي، بالتنسيق مع الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، واتحاد الكتاب الجزائريين فرع أم البواقي، الأسبوع المنقضي، بدار الثقافة، ملتقى وطنيا حول التراث كرافد اقتصادي وقيمة أدبية، تحت شعار "التراث الثقافي والتنمية الاقتصادية". تمحورت الجلسة الأكاديمية التي نشطها دكاترة ومختصون في المجال، حول دور المؤسسات الثقافية ذات الطابع الصناعي والتجاري في استغلال واستثمار الموروث الثقافي، السياحة والتخطيط الثقافي، التراث هوية ونظام اقتصادي، الأدب وذاكرة المكان.

بالمناسبة، قال الدكتور جلال خشاب من جامعة سوق أهراس، إن كل السلوكات والتواصل مع البعض تعتبر تراثا، والحديث عن التراث هو الحديث عن الماضي والحاضر والمستقبل، وموضوع التراث موضوع الجميع، والنهوض به ليس من اختصاص ومهام فرد واحد فقط، إنما عمل جماعي متكامل، وعند الحديث عن التراث لا يجب العودة إلى أصوله المعروفة، وهي الأمازيغية، العربية والإسلامية، بل يجب البحث عن الفكرة وكيفية العمل على ترقية التراث، مضيفا أن التراث المادي يجب أن يكون مرتبطا بالتراث المعنوي، باعتباره فكرة ومشروعا. في مداخلته، تحدث خشاب عن كيفية استثمار التراث في المجال الاقتصادي في السياحة، لإعطاء مدخول مهم في مجال السياحة، بالاعتماد على مخطط استراتيجي، لا سيما أن أغلب المناطق الأثرية متواجدة في مناطق نائية، إلى جانب مشكل النقل واهتراء الطرقات وغياب الإنارة، داعيا إلى إعطاء بعد مهم للتراث، مع القدرة على الابتكار، خاصة في أغلب الفنادق ببلادنا، التي تشتغل على الطريقة الأوروبية.

كما قدم عدة اقتراحات منها؛ تأثيث قاعات الاستقبال في الفنادق والمؤسسات، حركية تقديم الأكلات التقليدية الشعبية والملبس، الاستماع إلى الأغاني التراثية وغيرها، إلى جانب ذلك، تحدث عن المحلات التجارية المغلقة التي من المفروض أن تكون بالقرب من المواقع الأثرية السياحية، لخلق مناصب شغل وتسويق المنتوج المحلي للصناعات التقليدية والحرف، حسب قوله، بالإضافة إلى كيفية استثمار التراث في الخطاب الإشهاري، فيما تأسف عن توقيف الرحلات المخصصة لأطفال المدارس، لاكتشاف المواقع الأثرية والأماكن السياحية ببلادنا، داعيا إلى ربط هذه المواقع بالخرجات الميدانية والرحلات، واختتم مداخلته قائلا "لم يكن تراثنا حجرة عثرة، والمسألة تتطلب الكثير من المراجعة".   

فيما أكد الدكتور علي خفيف من جامعة عنابة، في مداخلة بعنوان "السياحة والتخطيط الثقافي"، أن السياحة لا تزدهر إلا في ظل انتشار الوعي، ووجود ذهنيات متفتحة وسلوك حضاري، يقوم على التسامح وتقبل الآخرين والاستعداد لخدمتهم واحترام خصوصيتهم، بالتالي، الارتقاء به إلى هذا المستوى يتطلب عملا ثقافيا جادا وطويل المدى، بعد ذلك يأتي الرأسمال الثقافي لخدمة الرأسمال الاقتصادي، بالاعتماد على تخطيط ثقافي، وهو تخصص حديث، من أجل حل المشاكل الثقافية للأمة والعمل على ترقية الثقافة الوطنية بما يخدم المواطنة الحقة، لأنه لا يوجد مجال أكثر علاقة بالثقافة والاقتصاد معا، مثل السياحة، عند الحديث عن التراث الوطني كرافد اقتصادي.   

أما الأستاذ لطفي عز الدين، مدير الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحمية بتبسة، فأكد أن المواقع الأثرية داخل النسيج العمراني، تتطلب العناية المستمرة، بتطبيق مخطط، بالتنسيق مع عدة هيئات، من خلال حملات توعوية تحسيسية مع مصالح الأمن ومديرية البيئة، وإشراك المجتمع المدني، والوقوف على واقع التراث العمراني واستدامة التنمية بشكل توافقي، في حال احترام القوانين العامة، بالتركيز على ما تزخر به الولايات من متاحف ومبان عمرانية بخصوصية تميزها عن باقي مدن الوطن، وفي ذلك، أعطى مثالا عن ولايتي تبسة وأم البواقي اللتين تشتركان في نفس الطبيعة الأركيولوجية، وتحصيان ما يفوق عن 2700 موقع أثري.

قال المتحدث، إنه من خلال التنمية السياحية، ليس هناك نتائج مرضية جراء استغلال هذا الموروث الثقافي، وقد تم تسجيل اعتداءات، مما يجعل المواقع الأثرية تتعرض للاضمحلال والتلاشي من طبيعتها الأصلية، وتحصي تبسة وحدها 20 موقعا داخل النسيج العمراني، منه "السور البيزنطي"، "قوس كركلا" الذي يعتبر أغلى قوس في إفريقيا، "البزيليك" الذي يعد من أكبر البزيليكات في شمال إفريقيا، وكذا المتاحف، لكن هذه المواقع الأثرية لم تحقق الغرض السياحي، فيما تم رفع 20 قنطارا يوميا من موقع واحد من النفايات من محيط "المسرح المدرج" بتبسة، وأزيد من 60 قنطارا يوميا من مجموع المواقع، وبـ"السور البيزنطي"، تم رفع 132 طن من النفايات في 3 أيام، بسبب السوق الفوضوية المحاطة به.

وأضاف عزالدين لطفي في مداخلته بعنوان "دور المؤسسات الثقافية ذات الطابع الصناعي والتجاري في استغلال الموروث الثقافي"، أن الحفاظ على ما تزخر به ولاياتنا من متاحف ومعالم أثرية، يتم تنفيذه بعد دراسة ميدانية علمية كاملة داخل التخطيط المتكامل، ومن خطة العمل للحفاظ على المواقع الأثرية، قدم المتحدث عدة اقتراحات، منها الاهتمام الحكومي، منح التسهيلات للاستثمار، الاهتمام بالجانب العلمي وتطبيق الدراسات المنجزة من قبل الخبراء، دعم الحرف والصناعات التقليدية، تمويل الأبحاث الأثرية للاكتشافات الحديثة، إقامة مهرجانات وملتقيات وندوات دولية للتسويق، نشر الوعي بأهمية التراث العمراني، إشراك جميع فئات المجتمع للحفاظ على التراث وترميم المعالم والقصور واستغلالها.

من جهته، تحدث الدكتور فيصل الأحمر من جامعة جيجل، في مداخلته بعنوان "الأدب وخطاب الأماكن"، عن طريقة التعامل مع المعالم الأثرية، وتشكيل الخطابات حول الأمكنة، وقال "عندما يكون الاهتمام بأسماء الأعلام، يُفترض أن يكون الاهتمام بأسماء المكان"، موضحا أن النقاشات المسمومة عبر "الفايسبوك"، الهدف منها زعزعة الإنسان، قائلا "عندما يأتي النقاش على شخصية تاريخية، اعلموا أنه جدل مسموم، والخطابات كلها استراتيجيات وليس هناك نقاش حول جزائرية أو عروبية شخصية معروفة".