احتفالية اليوم العالمي بالمكتبة الوطنية

الشعر توّرط واختراع ونافورة أندلسية

الشعر توّرط واختراع ونافورة أندلسية
  • 740
مريم. ن مريم. ن

أحيت الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون، أول أمس، بالمكتبة الوطنية، اليوم العالمي للشعر، من خلال احتفالية ضمت قراءات شعرية متنوعة، وتدخلات تناولت أثر الشعر ومكانته، خاصة عند العرب، الذين كانت كل طرقهم تؤدي إلى الشعر، كما كانت المناسبة فرصة لإحياء الذكرى المئوية لميلاد نزار قباني، الذي ربطته بالجزائر الكثير من الذكريات والمواقف.

أشار رئيس الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون، عبد العالي مزغيش، في كلمته الترحيبية، إلى أن قصائد نزار سريعة الانتشار، قائلا  "وقفتنا هذه ما هي إلا التفاتة بسيطة لروحه الطيبة، التي أحبت الجزائر وتعلقت بها أيما تعلق"، وتضمن برنامج الفعالية تدخلا مهما للدكتور عبد الله حمادي، قدم فيه مختارات من نثر نزار وفلسفته الشعرية التي دونها في كتبه، التي لا تقل جمالا عن دواوينه الشعرية.

اختار حمادي مقتطفات من كتابات نزار، من ذلك موقفه من القصيدة التقليدية التي رآها لونا من الريبورتاج السريع، يجمع فيه الشاعر كل ما يخطر على باله من شؤون الحب والسياسة والدين والأخلاق والموت والحكمة، ويعرضه بخطوط متوازية لا تلتقي، مشيرا إلى أن القصيدة العربية ليس لها مخطط، والشاعر صياد مصادفات من الطراز الأول، ينتقل من وصف سيفه إلى ثغر حبيبته ويقفز من سرج حصانه إلى حضن الخليفة بخفة بهلوان.

كما أشار المتدخل، إلى أن نزار اعتبر أن القصيدة الحديثة لم تعد وظيفة تعلمنا بما هو معلوم، وتنظم لنا ما هو منظوم، بل صارت وظيفتها أن ترمينا على أرض الدهشة والتوقع، وتسافر بنا إلى مدن الغرابة، وبهذا لم تعد القصيدة انتظارا للمنتظر كما كانت على أيدي نجاري الشعر وببغواته، خلال ما يقرب ألف عام، بل أصبحت شوقا لما يأتي وانتظارا لما لا ينتظر، وكتب نزار "تجيئني القصيدة بشكل مباغت أحيانا تدخل علي وأنا في المقهى، وأحيانا تركب معي الأوتوبيس، وأحيانا تشد معطفي وأنا أجتاز الشارع، فهي حاضرة قبل حضورها وتنتظر الفرصة لتفتح الباب وتدخل". قال الدكتور حمادي، إن نزار لم يكن يعتبر نفسه شاعر المرأة ولا دونجوانا، ولم يكن يحفظ شعره، ويقول إن "الشعر هو أكثر الفنون ضجرا من نفسه"، كما تحدث عن تحول نزار للشعر الوطني بعد هزيمة 67، فأراد أن يكون شعره كما وصفه، كاميكازا على الطريقة اليابانية".

كما تناول الدكتور محيي الدين عميمور في تدخله، زيارة قباني للجزائر وعلاقته بها، وأنه عرف هذا الشاعر وأعجب به منذ أن قرأ قصيدته "خبز وحشيش وقمر"، المختلفة عن ما كان يقوله الشعراء حينها، ومما زاد في شهرته، غناء نجاة الصغيرة لنصوصه بألحان محمد عبد الوهاب، وكان نزار يمزح ويقول، إنه دخل الجزائر تحت راية عبد الحليم حافظ، حيث لم يعرفه أحد رجال الجمارك، لكنه حين علم أنه يكتب لعبد الحليم، فسح له الطريق، ومن بين من رافق نزار حينها؛ أحمد حمدي وعبد العالي رزاقي.

كما تكفل الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بزيارة نزار قباني، وخلال وجوده في العاصمة، أقام الدكتور عميمور للشاعر حفل استقبال في فيلا "مصطفى رايس"، حضرها عدد كبير من الوزراء والشخصيات الثقافية، لينتقل بعدها إلى وهران التي وردت في قصيدة "جميلة"، وقال عميمور "غادر الجزائر من قاعة كبار الزوار، وتأتيني في الأسبوع التالي رسالة من الشاعر الكبير، كانت قصيدة نثرية رائعة"، وليقرأ بعض ما جاء فيها "إقامتي القصيرة في الجزائر، كشفت لي كم يستطيع رجل ما أن يغير مدينة أو بلادا بأكملها، بحرا وجبالا وسماء وأشرعة، وأشهد أنك كنت هذا الرجل الذي رأيت الجزائر من خلال عينيه وابتسامته ورجولته ومروءته"، ثم يقول "رحلتي إلى الجزائر كانت من أهم رحلاتي، فقد عدت وأنا أشد إيمانا بشعري، وأشد إيمانا بالجزائر".

 وتواصلت المراسلات، وكان من بينها رسالة وصلت الدكتور عميمور في منتصف العشرية الحمراء، قال فيها "أرجو أن يكون عام 1995، عام الفرج على هذه الأمة الشقية، وعلى الجزائر الحبيبة، التي أصبح نزيفها نزيفنا، وفجيعتها فجيعتنا، والمهم أن يبقى الشاعر صوت الذين لا صوت لهم، وشاهدا شجاعا على عصر الانحطاط والتخاذل والقبح القومي، وشكرا على كتابك (التجربة والجذور) الذي سلط الضوء على مرحلة كانت من أخصب المراحل العربية تألقا وتفجرا وعنفوانا، وأتصور أن كتابك الجديد عن أيامك مع الرئيس هواري بومدين، سيسلط الضوء على كثير من الزوايا التي لا نعرفها عن فكر هذا القائد الكبير وشخصيته وانتمائه العربي".

تدخل أيضا الشاعر حمري بحري، الذي تحدث عن حال الشعر اليوم، وكيف تراجع مع فنون أدبية أخرى، أمام سطوة تكنولوجيا الاتصال، أما الدكتورة عواطف سليماني، فقدمت عرضا بعنوان "جماليات الشعر الجزائري المهاجر"، استعرضت خلاله جماليات اللغة، من ذلك التكرار وفلسفة التجريب وكذا التناص والتراث، ومدى حضور المتلقي في العملية النقدية.تحدث الباحث الأكاديمي والمترجم عمار قواسمية عن "حظ الشعر الجزائري من الترجمة إلى لغات العالم"، مؤكدا أنه يكاد يكون غائبا بفعل عزلة مقصودة ومضروبة على الثقافة الجزائرية، وثمن بالمناسبة، استحداث المجلس التقني للترجمة مؤخرا، في الجزائر، واصفا إياه بالإنجاز المهم، كما توقف عند دور الشاعرين محمود درويش وفدوى طوقان في استحداث يوم الشعر، حين زيارتهما لباريس سنة 1999، وإقناع "اليونسكو" بذلك، ومما عرضه، ترجمته لمقطع شعري لنزار قباني إلى الإنجليزية، علما أن هناك مجموعة شعرية لنزار ترجمت بتعاون عربي بريطاني، كتبها هو بخط يده باللغتين.

تأسف المتحدث، عن كون أعمال أبرز شعرائنا لم تترجم، كما هو الحال مع مفدي زكريا وبلقاسم خمار والشبوكي والسائحي ومالك حداد وعثمان لوصيف والعيد آل خليفة وجوادي وغيرهم، ومن الشباب الشاعر جربوعة وسعد مردف وعبد المالك بومنجل ومزغيش ولزعر وبن شويحة ودحموم، مؤكدا أن لا حركة ثقافية بدون ترجمة، مطالبا بالمناسبة، باستحداث جائزة وطنية للترجمة.