صدور ترجمة "سبارتاكوس.. السلاح والإنسان"

العبد الذي تحدّى روما

العبد الذي تحدّى روما
  • 1954

في إطار برنامج الترجمة، أصدر "مشروع كلمة" التابع لدائرة أبوظبي للسياحة والثقافة مؤخرا، ترجمة جديدة من الإيطالية بعنوان "سبارتاكوس" لأستاذ القانون الروماني ألدو سكيافوني. وقد ترجمت هذا الكتاب الأستاذة أماني حبشي، فيما أوكلت المراجعة للأستاذ عز الدين عناية.

لا يتناول الكتاب أسطورة سبارتاكوس، ولكنه أقرب ما يكون إلى سيرته الذاتية، ففيه يقترب المؤلف من الوقائع والشخصيات. وقد حاول المؤلف من خلال تقديم سبارتاكوس كشخصية رئيسة، أن يبرِز الإطار المحيط به، وهو ما يمكن أن يوضح للقارئ أسباب ما فعله.

يبرز الكتاب خلفية تسيطر عليها ظاهرة قاسية ومركَّبة، ينغمس فيها بالكامل الحدث المعروض، وهي ظاهرة العبودية الرومانية؛ حيث يتناول الكتاب فترة سبعينيات القرن الأول قبل الميلاد، ليجول في أرياف ومدن وسط إيطاليا وجنوبها التي تحكمها روما، وانتشرت فيها تلك الممارسة المزعجة والعدوانية.

كانت العبودية في روما مؤسَّسة متكاملة، لم يكُن وجودها أساسيّاً فقط من الناحيتين الإنتاجية والاقتصادية، بل كان يلمس كل جوانب الخبرة المدنية والأخلاقية والانفعالية للمجتمع والحياة العائلية للخيال والممارسات الجنسية لوقت الفراغ، تماماً كما سيحدث بعد ذلك بألفي عام في جنوب الولايات المتحدة قبل الحرب الأهلية.

الأرقام فقط يمكنها أن تعطينا فكرة عما كان يحدث: في القرن الأول قبل الميلاد. في إيطاليا، وتقريباً في الأعوام التي عاشها سبارتاكوس، كان ثلث إجمالي عدد السكان مكوَّناً من العبيد، الملايين من العبيد، خلافاً لأمريكا الرأسمالية والصناعية، التي كان يمكن أن تتميز بنماذج وبدائل أخرى عديدة. أما في الثقافة الإيطالية وفي حوض البحر المتوسط الروماني فكان من المستحيل التفكير في مجتمع يخلو من العمل الخدمي.

يتناول الكتاب أيضا حركات تمرد أخرى قامت ضد الإمبراطورية الرومانية في تلك الفترة، فبعد عشر سنوات من ثورة التراقي، وجدت روما نفسها أمام حركة تمرد كاتيلينا النبيل والبريتور السابق، الذي ضم إلى صفوفه شبان الأرستقراطية المُفلسين، وجنود سولا المُدمرين، والعبيد، وكان يقدّم نفسه كمحرض لعامة الرومان، ويقترح عليهم إلغاء الديون ونفي الأغنياء، وانتهى به الأمر إلى الهزيمة مثلما حدث لسبارتاكوس قبله.

عرض المؤلف في طيات كتابه الحركات المناهضة المتنوعة التي قامت لمقاومة الإمبراطورية. ويكشف أيضاً عبر صفحاته توزيع القادة والقوات في تلك الفترة، وعرضا للجيش الروماني وقواته وتنظيمه، وكيف كان أقوى ما في الإمبراطورية.

وفي محاولة للتعرف على سبارتاكوس والغوص في عقله للبحث عن تفسير لتحركاته ودوافعها الحقيقية، يصحبنا الكاتب للتعرف أيضاً على المجتمع الروماني لتلك الفترة، وعلى التحديات التي واجهته أثناء فترة توسعات لا مثيل لها، لم يعرف كيف يتعامل معها جيداً، وشعب مقهور محروم من كل حقوقه. ولكننا نتعرف أيضاً على سياسة روما، التي استطاعت في حقبة أغسطس بفضل قانون "العتق"، أن تضمّ إلى صفوفها شعوباً أخرى، بأن تمنح العبيد بتحريرهم المواطنة الرومانية، وهو الأمر الذي ساعد في نهاية الأمر على توحيد صفوف الإمبراطورية.

الكتاب من تأليف ألدو سكيافونه، أستاذ القانون الروماني في المعهد الإيطالي للعلوم الإنسانية، وجامعة نابولي. له العديد من المؤلفات تُرجم بعض منها إلى لغات مختلفة، منها: "دراسات في منطق القضاء الروماني"، "التاريخ والقدر" الذي تُرجم إلى الفرنسية، "إيطاليون بلا إيطاليا"، و"بيلاطس البنطي، لغز بين التاريخ والذاكرة" وغيرها.

المترجمة أماني فوزي حبشي مصرية مقيمة في المملكة المتحدة، سبق أن ترجمت عدة أعمال، منها: "بندول فوكو" لأومبرتو إيكو، "ثلاثية أسلافنا" لإيطالو كالفينو، "أصوات المساء" لنتاليا جينزبورج، "ملكات بمحض الصدفة" لشيزارينا كازانوفا وغيرها.

أما عز الدين عناية فهو أستاذ جامعي تونسي بجامعة روما، له أكثر من عشرين مؤلفا بين ترجمة وتأليف، كما صدر تحت إشرافه أكثر من خمسين عملا مترجَما من الإيطالية.

م.ن