جلسات اليوم الأول من ملتقى "السينما والذاكرة"

الفن السابع يقاوم في سينما الجنوب

الفن السابع يقاوم في سينما الجنوب
  • 317
مريم. ن   مريم. ن  

تناول المتدخّلون في الجلسة الأولى من الملتقى الدولي "السينما والذاكرة" الذي احتضنه فندق "الأوراسي" ليومين، في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى السبعين (70) للثورة المظفّرة، قضايا متعلّقة بالسينما والتاريخ، وكيف كان الفن السابع سلاح مقاومة حارب الدعاية الاستعمارية، وأعطى واقعا غير ذلك المزيّف الذي ظل مسيطرا بالقوة.

شهد اليوم الأول من أشغال الملتقى الدولي حول "السينما والذاكرة"، تنظيم ندوات علمية، شارك فيها مختصون وباحثون في مجال السينما، أبرزوا خلالها دور الفن السابع في إثبات قدرة الشعوب على مقاومة الاضطهاد الاستعماري، والدفاع عن مبادئ الحرية، والهوية، والعدالة. 

وترأّس الجلسة الأولى البروفيسور عبد المجيد بوجلة. وعُرض فيها دور السينما في دعم المقاومة وقضايا التحرّر، وجهود السينمائيين في الدفاع عن قضايا الشعوب العادلة. 

وفي السياق، أكد الناقد السينمائي أحمد بجاوي في حديثه عن بدايات العمل السينمائي في الجزائر ودور الصورة في حفظ الذاكرة الوطنية، أن فنانين وكتّابا ومبدعين جزائريين "حقّقوا الريادة والتميّز" في مجال الصورة والتصوير بفضل التزامهم بالقضية الوطنية. وقدّموا "خدمات جليلة لثورة التحرير؛ من خلال حرصهم على نقل الصورة الحقيقية للجزائريين، ومعاناتهم تحت نير المستعمر الفرنسي".

وأشار في هذا السياق، إلى "الدور الذي لعبه محمود قناز في تأسيس أوّل نواة للمصوّرين سنة 1957" إبان الثورة التحريرية، حينما تم اختيار مجموعة من الجنود الجزائريين للتكوين والتدريب على استعمال الكاميرا؛ من أجل تسجيل مختلف المعارك والتنقلات، وغيرها من الصور؛ قصد نقلها وعرضها أمام الرأي العام الدولي.

وقال بجاوي إن الصورة كانت "السلاح الناعم" ، الذي تفطنت لدوره جبهة التحرير الوطني. واستعملته "من أجل دحض الآلة الدعائية الفرنسية التي كانت تمنع وصول أيّ صورة عن حقيقة جرائمها في الجزائر" . وأشار، أيضا، في هذا السياق، إلى دور أصدقاء الثورة الجزائرية من الأجانب الذين انخرطوا في المسيرة الثورية، والتزموا بتصوير فصولها؛ اقتناعا منهم بعدالة القضية الجزائرية، كما هي الحال مع روني فوتيي، وستيفان لابودوفيتش، وبيار كليمون، وجاك شاربي، وكارل قاس، وجون كرافت، وغيرهم من مختلف الجنسيات.

ومن جهته، قال الجامعي عيسى رأس الماء بأنّ السينما في الجزائر مرّت على "مراحل متعدّدة"، بدءا بمرحلة "ما قبل الثورة" التي أُطلق عليها اسم "السينما الكولونيالية"، ثم مرحلة السينما "أثناء الثورة" التي تميّزت بإعلان المقاومة بالصورة، إلى جانب الكفاح المسلّح، وتركيزها على التعبئة، والتحفيز على الانخراط في صفوف جيش التحرير الوطني، ثم مرحلة "ما بعد الاستقلال" التي ارتسمت معالمها بإنتاجات تواكب استراتيجية البناء والتشييد، وتدعيم خيارات الدولة في مختلف المجالات، فكان رهانها القويّ هو "تبليغ الرسالة".

ومن بين المشاركين في الجلسة الأولى كان الدكتور سيد علي اسماعيل من مصر، الذي تناول "أشكال المقاومة السينمائية في فلسطين قبل النكبة" ؛ حيث استعرض جهود عبد الرحمن الطبكي الذي أسس قاعة للسينما في فلسطين في 1922، موجهة للمسلمين والمسيحيين الفلسطينيين. وكان الهدف منها تصحيح الصورة المغلوطة التي بدأت الدعاية في السينما الصهيونية تبثها. ثم جاء يوسف بتروني حينما فتح قاعة "سينما فلسطين"، ليتوسّع هذا الفن للنقد، وللتسجيل، ولمشاريع أخرى.

وعكست هذه السينما ازدهار الحياة الثقافية التي دمّرتها العصابات الصهيونية في ما بعد، فكانت سينما "أوراكل" في مدينة القدس عام 1908. ثم ازدادت دُور العرض السينمائي مع عام 1927. ثم انتشرت في المدن الفلسطينية الأخرى. وذكر المتحدّث عدّة قاعات؛ منها ركس، وأديسون، وأوريون، وريون، وفي حيفا سينما الكرمل، ثم ييافا سينما الحمراء، وكذا قاعات أخرى بمدن أخرى، منها سينما فاروق الصيفي، ونبيل، وسينما الشرق، وسينما رشيد، وسينما أبولو، وغيرها. وقال إنّ حكومة الانتداب البريطانية سعت في تلك الفترة، إلى منع أيّ نشاط سينمائي يمكن أن يعطي صورة عن فلسطين، وما يجري فيها بشكل لا يتوافق مع وجهة النظر السائدة في الغرب المستعمر، والدعاية الصهيونية.

وبدوره، تناول المخرج الكوبي ميلتون ألبيرتو دياز كانتر، في موضوع "الجزائر، النصر بصمت السلاح" ، أهمية السينما في توثيق تاريخ حركات التحرر الوطني. كما أشاد، بالمناسبة، بالتاريخ الزاخر الذي يجمع بلاده بالجزائر التي وصفها بالمنتصرة دوما على جميع الجبهات، وبالتالي قال إنّ هذين البلدين تخندقا في خندق واحد ضدّ الاستعمار والميز العنصري؛ ما شكّل ذاكرة سخية، متحدثا أيضا، عن علاقة فيدال وراوول كاسترو الخاصة بالجزائر، مضيفا أنّ هناك اليوم محاولات لطمس التاريخ والذاكرة باسم حرية التعبير؛ من خلال أفلام وبرامج، المطلوب الحذر منها، ومحاربتها؛ لأنها تمثّل شكلا جديدا من الاستعمار. وبالمناسبة، عرض الضيف الكوبي فيلما قصيرا عن التاريخ المشترك بين الجزائر وكوبا، من ذلك مساندة هذه الأخيرة للجزائر في حرب الرمال ضدّ المغرب سنة 1963، بعد فشل كلّ مساعي الصلح والتهدئة.

أما الندوة المسائية التي ترأّسها الدكتور إلياس بوخموشة، فتدخّل فيها الدكتور أوليفيي حدوشي (باحث مستقل ومنظم برامج في السينما)، وكانت بعنوان "أفلام وكاميرات من أجل الحرية" . وقدّم فيها نماذج من عدّة أفلام ثورية جزائرية أُنجزت خلال حرب التحرير، واصفا الاستعمار والأمبريالية بكونها سلبت كلّ شيء حتى الصورة، واستبدلتها بأخرى غير حيادية ولا نزيهة؛ خدمة للتضليل، والدعاية الكاذبة. وبقي الاستعمار خائفا من أيّ صورة تفضح جرائمه، وتوثّقها.

كما تناول المتحدّث سينما الجنوب التي ظهرت في بلدان العالم الثالث؛ منها السينما الجزائرية التي وُلدت صورها من ميدان المعارك. وسيبقى كلّ ذلك، حسبه، وثيقة، تسمح بقراءة راهن اليوم بما فيه حرب لبنان وغزة، وما كان من جرائم حدثت من قبل، في الجزائر وفي غيرها من الدول والشعوب المستعمَرة.

ووصف أوليفيي السينما بالصورة المقاتلة التي تفضح المستعمر أمام العالم، وتنوّر الرأي العام، متوقّفا عند جهود الحكومة المؤقتة في هذا المجال، وكذا بعض الشهادات؛ منها شهادة الراحل مصطفى لشرف، الذي قال عندما كان سفيرا في أمريكا اللاتينية، إنّه لاحظ الهبّة الجماهيرية حين عُرض فيلم "جميلة بوحيرد" ؛ وكأنّها قضية هذه الدول، مثمّنا جيل الروّاد من السينمائيين الجزائريين.

وبالنسبة لسينما العالم الثالث التي تبنت الثورة، فقد تطلّب ذلك منها، حسب المتدخّل، الكثير من الكتّاب والمخرجين. وقد نجحوا، واشتهروا عالميا. والكثير منهم عرضوا أعمالهم في الجزائر. ووصف بعضهم ما يقدّمه من سينما مختلفة، بأنّها الهادمة البانية؛ أي تهدم الصورة النمطية الاستعمارية، وتبني أخرى بديلة، تبعث على الحياة، وترسخ الحقيقة.

وأسهب المتحدّث في عرض الأفلام الجزائرية ما بعد الاستقلال التي تخطّت الحدود، وقدّمت النضال برؤية جديدة أوسع. وكذلك الحال مع بعض سينما العالم الثالث؛ من خلال المهرجانات التي ربطت بين البندقية والكاميرا حتى في ملصقاتها الإعلانية.

أما الدكتور عادل بن يوسف من تونس، فتحدّث عن سينما تفكيك الآخر أو "عدم الانحياز وسينما الثوّار" للمخرجة الصربية ميلا توراجليتش، التي كانت قدّمت فيلمها "عدم الانحياز، مشاهد من بكرات لابودوفيتش" خلال مهرجان الجزائر الدولي 11 للفيلم الملتزم، وفازت بجائزته. وهو عمل يؤرّخ لمسار ستيفان لابودوفيتش (1926- 2017)، المصوّر الذي أنجز العديد من الأفلام الوثائقية حول حرب التحرير الجزائرية.

للتذكير، تناول المشاركون على مدار أيام الملتقى ومن خلال ست جلسات، قضايا عن دور السينما في بناء الوعي التحرري، وتجربة السينما الجزائرية أثناء وبعد الثورة، وإشكاليات تثمين وترويج الفيلم المقاوم، ومستقبل السينما في ظل التحولات الراهنة.