الشاعرة مريم غازي لـ"المساء":
الكتابة عزلة فَلحظة تحرر

- 189

أصدرت الكاتبة والشاعرة مريم غازي ثمانية مؤلفات متنوعة، بينها ستة دواوين شعرية، مجموعة قصصية، وكتاب في التنمية الذاتية. شاركت بإصداراتها في معارض عربية ودولية، كالقاهرة وإسطنبول. في حوار خاص بـ"المساء"، تحدثت عن بداياتها مع الشعر، تجربتها مع القصة القصيرة، ودوافعها لخوض مجال التنمية الذاتية، مؤكدة أن الكتابة بالنسبة إليها، تحولت من ممارسة فردية، إلى رسالة تسعى من خلالها إلى إحداث أثر ثقافي وإنساني.
❊ لديكِ ثمانية مؤلفات متنوعة، ستة منها دواوين شعرية، كيف تصفين هذا الحضور الطاغي للشعر في تجربتك الأدبية؟
❊ أول حروف خطها قلمي، كانت أبياتا كتبتها ضمن إنشاء تعبيري، طُلب مني في المرحلة المتوسطة، وكان ذلك ضمن برمجة إحدى اختبارات الفصل. وقد تزامنت تلك الفترة، فترة التسعينيات، مع تصعيد كبير في أحداث القضية الفلسطينية. اندفعت يومها بكتابة نص عن القضية، فأعجب أستاذتي كثيرا، حتى أنها عرضت ورقة إجابتي على بقية الأساتذة، تشجيعا لي. لم أختر هذا الجنس الأدبي، بل هو من اختارني. شيئا فشيئا، ومع تأثري بمادة الأدب العربي، بدأت أنظم نصوصا يومية، رغم توجهي الأكاديمي العلمي. كتبت عن فلسطين، وعن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعن كل ما يثيرني. وجدت نفسي أتخيل الفكرة، وأنتظر الفرصة لأكتب عنها، حتى تبلور الأمر.. لذا، فإن أغلب ما أكتبه ينتمي إلى الشعر النثري، ربما لأنه يمنحني حرية معينة في مجتمع ينكر على النساء التعبير عن مشاعر الحب، وكأنه جرم أو انحراف عن سوية السلوك والخلق.
❊ ديوانكِ "اللين سيرة الفراش" حظي بمشاركة في معارض كبرى، مثل القاهرة واسطنبول، ما الذي ميز هذا الإصدار عن بقية دواوينك؟
❊ صحيح، فقد شارك "اللين سيرة الفراش" في معارض كبرى، مثل القاهرة وإسطنبول. ما ميزه أنه صدر عن دار نشر مصرية، حيث تعاقدت مع دار "رونق" للنشر والتوزيع في أواخر أكتوبر الماضي، وتمت طباعته هناك بإشرافها. وهو ديوان شعري، يضم قصائد تتنقل بين العاطفة الأنثوية والكرامة. شاركت به أيضا في معارض محلية بمصر، قبل أن يحط رحاله في إسطنبول، من خلال المشاركة في المعرض الدولي للكتاب المنعقد في أوت المنصرم.
❊ ما الذي ألهمكِ لكتابة مجموعتكِ القصصية "ما وراء السطور"، وكيف استقبلها القراء مقارنة بدواوينك الشعرية؟
❊ الشعر هو روحي الثانية ورئتي الثالثة. لطالما كانت الكتابة متنفسي الأسمى، بعد أن جربتُ الموسيقى والمسرح من قبل. لكن دهاليز الكتابة الشيقة أسرتني حقا، وحافظت على ولائي لها. ولأن لي نفسا طويلا في الشعر وخيالًا واسعًا، وجدتني أقفز بسهولة إلى القصة القصيرة. من جهة أخرى، كتاباتي الشعرية تدور حول الحب والرومانسية والمشاعر الإنسانية، بينما كانت عقلانيتي تُلح علي أن أقدم أثرًا في مجتمعي عبر ملامسة أبعاد ثقافية واجتماعية وسياسية. لذا نزلت إلى أرض الواقع، ومارست عبر القصة القصيرة، نوعًا من التحليل ورصد زوايا أخرى للحياة. القصة تصل بسهولة إلى مختلف المستويات، بينما يحتاج الشعر إلى ذائقة خاصة. لذلك لاقت المجموعة استحسانا كبيرا لم أكن أتوقعه، واعتبر بعض القراء قفزتي هذه بين الأجناس الأدبية، قفزة نوعية بالفعل.
❊ "رسائل من القلب" جاء مختلفا، كونه في التنمية الذاتية، ما الذي دفعكِ إلى هذا المجال بعد الشعر والقصة؟
❊❊ "رسائل من القلب" مجموعة رسائل في التنمية الذاتية، تهدف إلى اعتناق الإيجابية، كنهج للحياة في مواجهة صعوباتها. يضم الكتاب 21 رسالة عن الأمل، السعادة، الإصرار وغيرها… جلها ناجم عن تجاربي الشخصية خلال فترة حرجة عشتها. لم أشأ أن أبوح بما كنت أمر به، وحافظت على ثباتي أمام الآخرين، لذا لم أطلب يدًا للمساعدة. بل حتى لو طلبت، ربما لم أجدها. انصرفتُ للقراءة والبحث بشكل نهم في مجال التنمية البشرية، ووجدت أن الإنسان أحيانا، بحاجة إلى أن يُشكل لنفسه كيانا قويا مستقلًا. صغت هذه الرسائل في قالب نصحي، هدفه أن أقدم بصيص أمل لكل من يعيش تجارب مشابهة.
لدي تطلعات مستقبلية في هذا المجال، انطلاقًا من إيماني بأن الله لم يمنحني هذه الملكة عبثا، ومن يقيني بأن كلمة قد تكون سلوانا لغيري، وتُحدث أثرا يبقى بصمة أعتز بها.
❊ بين دواوينك "آخر عشتار"، "لا أحتاج وردا أنا الورد"، "بنات ألبُبِي"، "مساءات مزهرة"، "تنطق عيناها"… أي منها الأقرب إلى شخصيتك وأفكارك؟
❊ كلها بناتي وحبيباتي، وكل كتاباتي تحمل مني صدقًا وعفوية لا يعلمها سواي. لكن إذا كان علي الاختيار، فأقربها لشخصيتي، هو ديوان "لا أحتاج وردا أنا الورد". يعكس هذا الديوان ماهيتي العاطفية والعقلية، ويضيء جوانب تفكيري بين رجاحة العقل وبراءة الطفلة، بين ما يبدو للآخرين وما أخفيه عنهم.
❊ ما وراء عنوان "بنات ألبُبِي"؟
❊ "بنات ألبُبِي" ديوان يضم نصوصا شعرية قصيرة في 74 صفحة. ورغم أنه طُبع لاحقا، إلا أن كتابته تعود إلى 2016. أما سبب التسمية، فالمقصود "بنات ألبب" أي عروق في القلب، تتولد منها الرقة والحنان. عبرت من خلاله عن الاشتياق حين يفقد المحب البوصلة، وعن الفقد ووجع الوداع، وعن أمنية عاشقة أن تكون قصيدة على شفاه حبيب. هو عمل عاطفي، حميمي، مليء بالحيرة والخوف والحب والغياب والشوق، كتبته بلغة القلب لأصرخ نيابةً عن ملايين النساء العاطفيات، اللواتي يواجهن فدائح الحب وحيدات. قلت "بنات ألبُبِي" لأن قصائدي حقًا بنات قلبي.
❊ كيف تنظرين إلى تطور صوتكِ الإبداعي من أول ديوان "آخر عشتار"، وصولا إلى آخر إصدار شعري "تنطق عيناها"؟
❊ بلا شك، هناك تطور لمسته وأعيشه حين أعود إلى نصوصي القديمة. في البداية، الوحدة أوجدت الكتابة عندي، ثم أصبحت الكتابة توجب الوحدة. أقولها بصراحة، كانت الكتابة نوعا من الإدمان، وكنت أخفي هذا "الجشع" عن محيطي، خوفًا من الأحكام والانتقادات. كنت أتحرى العزلة والليل لأمارس هذا الجنون. لكن مع الوقت فقدت السيطرة: صرت أكتب في كل وقت، حتى في الصخب، في الحافلة أو التجمعات العائلية. لحظة فقدان السيطرة، كانت لحظة تحرر.
مع السنوات، اكتسبت الكتابة وأنا معها النضج. صرت أمارسها بسلاسة وإيمان كبيرين، مدفوعة بوعي تجاه ما أملكه والصدى الذي لاقيته. لم تعد الأحكام تهمني؛ فالنقد البناء واضح، واللاموضوعي واضح أيضًا. وما دام الشغف والرغبة في الاستمرار والتطور موجودين، فلن يوقفني شيء.