عرض شرفي لفيلم "الأخيرة" بابن زيدون
"الملكة زفيرة".. المرأة التي زعزعت جبروت "القرصان عروج"
- 2346
تعود قصة فيلم "الأخيرة"، إلى عام 1516 في مدينة الجزائر؛ حيث كان الملك سليم تومي يواجه الهجوم الإسباني. يحصل أن يستنجد مرغما بالقرصان عروج للمساعدة ودحض العدوان، وسرعان ما نجحوا في ذلك، ثم ما لبث أن أصبحت هذه المساعدة طمعا في جعل مدينة الجزائر، الحاضرة الثقافية والاجتماعية تحت سيطرة مجموعة من الصعاليك.
قدّم المخرجان داميان أونوري وعديلة بن ديمراد، مساء أول أمس، العرض الأول في الجزائر لفيلمهما "الأخيرة" (إنتاج 2022، 110 دقيقة)، بقاعة "ابن زيدون" في الجزائر العاصمة، حضره جمهور غفير لا سيما من الوسط الفني السينمائي، إلى جانب حضور أحمد راشدي مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالثقافة والسمعي البصري، وشداد بزيع مدير تطوير الفنون وترقيتها بوزارة الثقافة والفنون.
وجاء نسج الفيلم مكتوبا بطريقة جيدة جدا. أحداثه الدرامية متسارعة ومنطقية، ولعلّ قصة "زفيرة" آخر ملكات مدينة الجزائر ورغم تداول حكايتها بين الحقيقة والأسطورة، إلا أنها شكلت رمزا حقيقيا للمقاومة والنضال من أجل الحرية، ورفض كل أشكال الاحتلال. وقامت الممثلة عديلة بن ديمراد بتجسيد الدور ببراعة، وتحكّم لافت في شخصيتها الدرامية.
وتتطوّر الأحداث بعد دحض سليم تومي وعروج بربروس العدو الإسباني؛ إذ تحلو مدينة الجزائر في عيون القرصان، فيقرّر أن يستولي على الأرض، يصفي سليم تومي (محمد طاهر زاوي)، ويسعى للارتباط بزوجته الثانية "زفيرة"؛ إذ يظهر ضعيفا أمامها. وقرّرت البقاء في القصر الملكي لتقاوم وتعمل على ضمان استمرار الحكم بالطريقة نفسها التي كان يؤديها زوجها المغدور، عكس الزوجة الأولى "شقة" (إيمان نوال)، التي اختارت تنظيم جيشها للإطاحة بعروج.وبعد رفض "زفيرة" الزواج بـ«عروج"، تلتقي "شقة"، التي تطلب منها قبول الارتباط الملعون لتقتله؛ إذ تخبرها أنها تخطط لمهاجمة عصابة عروج واسترداد الحكم، وسيكون زواجها بمثابة خطة بديلة في حال فشلها هي، وهذا ما يحدث.
وفي ليلة دخول العروسين تحاول "زفيرة" أن تطعن عروج بخنجر خبأته تحت وسادة الفراش، لكنها لم تستطع أمام قوّة "عروج"، وينتهي بها الأمر إلى الانتحار، وذبح نفسها؛ في مشهد ملحمي مثير، تاركة في قلب عروج المتجبّر، غصّة، لتكون قصمت، بالفعل، جبروته، الذي طال الوطن، لكن ليس نساءها.
واشتغل العمل، أيضا، دراميا، على إبراز الصورة المشرقة لمدينة الجزائر وقتها، وتمثل في إظهار القصور الجميلة بتفاصيلها البديعة، فضلا عن الافتخار باللباس التقليدي الجزائري، والأمر لا يتعلق بالنسوة، فقط، في أشكال التطريز وألوان أقمشته الفاخرة، فحتى زيّ الرجال كان أنيقا. كما اعتزّ الفيلم بالأغاني التقليدية، وجلسات النساء. ويوحي وسط القصر بالحياة الرغدة، والطمأنينة التي كان ينعم بها سكان المدينة.
وربما الجزئية التي شدّت انتباه المشاهدين، هي الاشتغال الواضح على الحوار، الذي جاء بلهجة جزائرية صرفة، لا تشوبها أيّ كلمة أجنبية؛ الأمر الذي نجح في نقل الجمهور إلى تلك الفترة التاريخية، فضلا عن أنه لم يكن متكلّفا، وكلّ الجمل كان لها دورها في القصة ككل. وتميز الفيلم، أيضا، بالحركة، فشاهدنا معارك مصوّرة بطريقة مهنية بفضل الاستعانة بمجازفين محترفين. كما ظهر الممثل الفرنسي الجزائري صلاح بن دالي في دور "عروج"، بارعا في القتال؛ بسبب ممارسته في الأصل، رياضة قتال صينية، وهنا الحركة أو الأكشن مطلوب في مثل أعمال تاريخية تروي حروبا ومعارك. وابتعد المخرجان عن القاعدة التي يستعملها كثير من المخرجين الجزائريين في سردها عوضا عن مشاهدتها، وهو ما أعطى طعما فنيا إضافيا للعمل.