أميرة حساني بالمركز الثقافي الجامعي:

الهوية والمنفى والتصوف في قلب "موت أبيض"

الهوية والمنفى والتصوف في قلب "موت أبيض"
  • 192
لطيفة داريب لطيفة داريب

تغلغلت الكاتبة الشابة أميرة حساني، بعمق أكبر، في مسألة الهوية، في روايتها الأخيرة الموسومة بـ"موت أبيض"، التي نشرتها عن دار "لقصبة"، وقدمتها نهاية الأسبوع الماضي بالمركز الثقافي الجامعي. ويُعد هذا العمل أكثر نضجًا مقارنة بروايتها الأولى "غريب في مرسيليا"، حيث تناولت من خلاله، كيفية تفاعل ثلاثة أجيال من عائلة واحدة مع هذه القضية الحساسة.

قالت الكاتبة الشابة أميرة حساني، إنها كتبت روايتها الثانية بنضج أكبر، وقد تطلب منها ذلك جهدا مضاعفا، خاصة وأن العمل يتناول جزءًا من تاريخ الجزائر، يتمثل في نفي المقاومين الجزائريين إلى كاليدونيا من قِبل المستعمر الفرنسي الغاشم. وأوضحت أنها قرأت العديد من الكتب، وبحثت عن معلومات تخص الشعب الكاليدوني، مثل تقاليده وعاداته، إضافة إلى معلومات عن المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر، وعن التصوف في أبعاده الفلسفية والروحية.

واعتبرت حساني، أن موضوع المنفى شديد الحساسية، لأنه يحمل ذاكرة حية وجريحة، وقد اكتشفته عندما شاهدت فيلمًا وثائقيًا من إخراج سعيد عولمي، لتقرر بعده أن تجعل منه موضوع روايتها الثانية. وأضافت أنها حاولت تكثيف الأحداث قدر الإمكان، وجعل روايتها مدخلًا مشوقًا للجيل الجديد، للتعرف على واقع المقاومين الجزائريين في منفاهُم البعيد.

وذكرت أميرة، أنها كتبت الرواية خلال ثلاث سنوات، بشكل متقطع، وقامت بتغيير بدايتها أكثر من مرة. أما النهاية، فكانت واضحة في ذهنها منذ البداية، حيث جعلت من الحفيد امتدادًا للجد المتصوف، الذي قاوم الاستعمار رغم ميله للسلم، إلا أنه أدرك أن النصر لا يكون إلا بالجهاد، فكان مصيره النفي إلى كاليدونيا، حيث تزوج من امرأة من البلد وأنجب حسين، الذي علق عليه آماله. لكن الابن لم يتحمل عبء هذه التركة، فعاش أزمة هوية نتيجة هشاشته النفسية، وتزوج من فرنسية يهودية، لينجب منها طفلاً أطلق عليه اسم أبيه "موسى". هذا الأخير، ورغم نشأته في بيئة متعددة الديانات والثقافات، قرر في نهاية المطاف، أن يسلك درب جده، بل انتقل إلى الجزائر المستقلة ليعيش فيها، دون أن يُحسم إن كان ذلك إقامة دائمة أم مؤقتة.

وفي ردها على سؤال "المساء"، عن اختيارها لشخصية نصفها يهودي ونصفها مسلم، لتحمل مشعل الجد الوطني، أوضحت الروائية أنها تعمدت جعل الحفيد "موسى" من أم يهودية كتحدٍّ لها، مضيفة أنه لم يُصغِ لما كانت والدته تقوله، ولم يتبع ملتَها، رغم أنها كانت تحب مناداته بـ"موشي"، وأصر على مواصلة مسيرة جده، وانتصَر لنصفه المسلم الجزائري، وحمل أمانة الهوية.

واعتبرت الكاتبة أن قضية النفي مؤلمة جدا، ولا تزال تداعياتها قائمة إلى اليوم، حيث لا يشعر أحفاد المنفيين بأنهم كاليدونيون ولا فرنسيون، ويعانون من انفصال عن الهوية الجزائرية، رغم حنينهم العميق لكل ما هو جزائري.

وعن مسألة الانتماء، تحدثت حساني مطولًا، قائلة إن كل إنسان يسعى للانتماء، سواء لهوية، دين، أو حتى هواية. فهناك من يكتب بحثًا عن انتماء أدبي، وآخر يعتنق دينًا ما بحثًا عن انتماء روحي، مؤكدة أن الإنسان يُضحي ويتخذ قرارات ويتعلم ويقاوم في سبيل أن يشعر بالانتماء لشيء ما، ويغذي بذلك ذاكرته.

كما أشارت، إلى أنها طرحت في روايتها العديد من الأسئلة، لكنها لم تجب عنها جميعًا، لأنها تؤمن بأن الإجابات من اختصاص القارئ، ولو أجابت عنها كلها "لأُغلق باب الإبداع"، على حد تعبيرها. وأضافت أنها اعتمدت على تعدد الأصوات، واستخدمت تقنية "الفلاش باك"، وارتكزت على خلفية تاريخية غنية لصياغة أحداث الرواية.

تطرقت الروائية أيضا، إلى تجربتها الشخصية مع التصوف، مشيرة إلى أنها قرأت كثيرًا في هذا المجال، وعاشت تجربة الخلوة، وزارت بعض الزوايا، وهو ما أحدث تحولًا عميقًا في حياتها، وقالت "لم أعد كما كنت".