عبد الرحمن بختي يعرض برواق "محمد تمام"
تحليق في عوالم الرومانسية والمعاني الخفية

- 856

يفوّض الفنان التشكيلي عبد الرحمن بختي، المرأة والطبيعة لتقديم معاني الرومانسية، التي اتخذ منها عنوانا لمعرضه المقام حاليا إلى غاية 31 جانفي الجاري، برواق "محمد تمام" بالعاصمة. ويحاول بث روح الجمال والذوق، والتحسيس بأهمية الفن والثقافة في مجتمعنا الجزائري، الذي بدا مختلفا عن ماضيه؛ يواجه فوضى المعاني، وجفاء في العلاقات.
يضم المعرض جناحين؛ أولهما باللوحات ذات الأبيض والأسود (الحبر الصيني) وبالحجم الصغير والمتوسط. والجناح الثاني كان ملونا، يطغى عليه لون البحر الأزرق كعادة هذا الفنان المرتبط بالبحر، وكذا اللون الوردي بتدرجاته؛ كرمز للأنوثة، علما أن المرأة كادت تكون العامل المشترك بين أغلب اللوحات بفرحها وعنفوانها، وبانكساراتها. كما حرص الفنان على ربط المرأة بكل شيء جميل؛ على اعتبار أنها تمثل أقدس العلاقات، وعلى رأسها الأمومة، وحالُها هي انعكاس لحالة المجتمع كله. واختار الفنان عبد الرحمن بختي للوحاته الأسلوب السريالي؛ فنجد، مثلا، امرأة برأس يحمل الذكريات وكذا تفاصيل الماضي، وأخرى ذات ملامح قاسية، تعكس قسوة الحياة والمجتمع، وثالثة تتنسم البحر، تقابلها امرأة عليها آثار الطبيعة؛ منها أوراق الشجر، في حين تحرص امرأة أخرى على أن تتزين بأشكال وألوان من الورد، وبالتالي يلاحظ أن المرأة كانت سيدة هذا المقام الفني البهي، علما أن الحال ليست نفسها في كل اللوحات، خاصة بالأبيض والأسود؛ حيث يتجلى الألم، والحيرة، والتساؤل عما جرى ويجري بعينين ذابلتين، وبوجه لا يقوى على النظر والمواجهة. وهناك البورتريهات، ضمت معظمها وجوه نساء مختلفة الأشكال، ويشتركن في الشعر الأسود. وتوجد صورة معبّرة لوجه رجل إفريقي حزين، تنزل الدموع على خده، وتعبّر عن حال أبناء هذه القارة التي عانت الظلم والعبودية، علما أن الفنان يدقق في التشخيص؛ فهو شديد التركيز على الملامح، خاصة ملامح وجه المرأة.وتتميز لوحات بختي بتقسيمها الهندسي الممتع، الذي يضم عدة رسومات في إطار واحد؛ كأن يرسم في جزء وجه امرأة، وفي الآخر منظر طبيعي، أو حيوان ما؛ كالسمك، أو العصافير والفراشات، وهي خصوصية تتميز بها مدرسة الفن السريالي، تعبّر عن العقل الباطن للإنسان، وحالته النفسية، والإنسانية التي تترجم الواقع المعيش.وهكذا تتوضح الرموز والملامح والمعاني، والمشاهد المكبرة والمباشرة؛ لتعكس رحلة السنين والذكريات، ولتنظر إلى واقع لايزال يتشكل، ويرمي بأحداثه وانشغالاته على بني البشر.للإشارة، يحيي الفنان، ككل مرة، في معارضه، مدينته المحبوبة ومسقط رأسه شرشال؛ حيث لا يصورها سوى في أجمل حلة، ويحيطها بالأزرقين؛ زرقة البحر، وزرقة السماء، ولا يبخل عنها بألوانه الجارفة كالشلال هدية لها، بعدما علّمته الجمال، وصفاء الرؤية.
والداخل إلى معرض الفنان بختي يلزمه أكثر من إحساس، وأكثر من عين تبصر وتدرك كل ذلك الزخم من الإبداعات والتلوينات والرؤى؛ فالعين المجردة قد يغيب عنها كل هذا الزخم، وهذه الأحداث والحكايا والأسفار، نحو الحرية والأنوار بدون قيود.